مُجدداً.. لابد مما ليس منه بُد !.. مدَّ المجلس العسكرى حالة الطوارئ، المُفَعَّلة هذه المرّة، حتى شهر يونيو عام 2012. مرّة أخرى مدّوا حالة الطوارئ، وكأن قدر المصريين أن يعايشوا هذه الحالة حتى يوم الساعة!.
لا فرق فى ذلك الوضع بين نظام ملكى ، وآخر جمهورى، أو بين وضع والبلاد فيه تئن تحت نير الاحتلال الأجنبى، وآخر نالت فيه استقلالها ويحكمها مواطنون محليون من بنى جلدتها... بين حكم استبدادى يحكم بالحديد والنار... والآخر عهد ثورى يُفترض أن يديره الثوار !.
مصر عاشت، وعاش المصريون، أكثر من أربعة أخماس سنى القرن الماضى فى ظل حالة الطوارئ، إذ لم ترفع منذ اندلاع الحرب العالمية الأولى إلا لبضع سنوات فى ظل حكم حزب الأغلبية آنذاك، حزب الوفد، ورُفعت لفترة وجيزة فى ظل حكم الرئيس الأسبق"جمال عبد الناصر"، وأخرى فى ظل الرئيس السابق"أنور السادات"، ثم أحكم الرتاج، وأقفلت المنافذ، على امتداد أعوام (ولاية) الرئيس المخلوع، منذ 6أكتوبر1981 (يوم اغتيال السادات)، وحتى خلع مبارك فى أوائل هذا العام، بثورة الشعب المصرى العظيمة، وتضحيات أبنائه النبيلة!.
أتذكر، فى هذا السياق، موقعا على شبكة الإنترنت، كان نشطا قبيل الثورة، عنوانه : "أجيال وُلدت فى ظل الطوارئ"، وهو عنوان دال، فالمؤكد أن كل من ولدوا منذ عام 1981، لم يعيشوا لحظة واحدة متحررين من وطأة الأحكام الاستثنائية، ودون أن يكونوا عزلاء بلا حمايه، مُهددين فى حياتهم وأرزاقهم، ولم يتتنسمواعبير الحرية، ولا استطعموا معنى أن تكون مواطنا "طبيعيا"، حرا، يحيا فى ظلال القانون الطبيعى، مثله مثل باقى خلق الله فى أرجاء المعمورة، ومن أقصاها إلى أقصاها !.
الأصل فى حالة الطوارئ هو الاستثناء، وهى تفرض لمواجهة "الكوارث"، والحالات الطارئة، لأيام أو لأسابيع، عادة ً، وفى أوضاع استثنائية.. قد تمتد لشهر أو بضعة أشهر، ويتم ذلك بشكل دستورى مُسبّب ومُقنن ومؤقت: أى معلوم الأسباب، وحدود الاستخدام، ومداها الزمنى .. غير أن الحالة فى مصر عكس ذلك تماما، إذ أصبح الأصل هو وضع الاستدامة، والاستخدام" مفتوح"، يحتمل التوسيع حتى يعد الأنفاس على الشعب جميعا، وتهديداته لا تفرِّق بين موطن برئ وقاطع طريق!.. أوبين معارض سياسى وبلطجى: فالجميع مواطنون "طوارئيون"، أى بلا قيمة. لا حق لهم. منزوعى الكرامة ، وفاقدى الأهلية والاعتبار، أمام حالة الطوارئ، التى تبيح لمن يحكم العصف بالحريات والأعراض والأمان، إلى أن يشاء من بيده الأمر!.
وقد جاء تبرير إعلان مد حالة الطوارئ، دالا وموحيا، فهو استند إلى أن حالة الطوارئ مُددت لآخر مرة، فى يونيو عام 2010، وهو إعلان مدهش يشير إلى "مرجعية" المجلس العسكرى التى يستند إليها الآن، لا الثورة التى اعتبر نفسه شريكا فيها، وإنما مجلس شعب التزوير والفساد والاستبداد، الذى ثار عليه الشعب، أوائل هذا العام!.
وهكذا تكتمل الدائرة!.
وتغلق الأبواب. وتوضع نقطة آخر السطر.
ويا أيها المتصارعون على تقاسم غنائم الثورة التى تغتصب عيانا بيانا..
يا أيها الآكلون لحم ذبيحة الوطن، والمختلفون حول"الأنصبة": 35% أم أقل أم أكثر... أنظروا إلى مواقع أقدامكم، وإلى ماتفعلونه بأعظم ماصنع المصريون فى تاريخهم الطويل، وتأكدوا أنه لن يغفر لكم أبدا !.
أيها الآكلون لحم ذبيحة الوطن، والمختلفون حول"الأنصبة": 35% أم أقل أم أكثر... انظروا إلى مواقع أقدامكم، لتروا ماذا جنيتم على الثورة، بل وماذا جنيتم على أنفسكم، حين تركتم الثورة عارية تواجه الأعاصير، وهرعتم لانتهام المكاسب، وقت أن كان الأعداء ينتظرون لحظة الثأر والانقضاض: وهاقد أتت اللحظة، وستكونون أنتم ، وأيم الله، ككل مرة، أول ضحاياها!.