الاهتمام الملحوظ في العمل الاقتصادي العربي المشترك في هذه الحقبة المصيرية من التاريخ العربي، بدأ يتبلور مشروعات استثمارية مشتركة في قطاعات حيوية تتناول البنى التحتية العربية . كهرباء وطاقة متجددة، ونقل بحري وبري، وتوفير تمويل للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والزراعة والأمن الغذائي وخلاف ذلك . والأهم الاتحاد الجمركي العربي في 2015 والسوق العربية المشتركة 2020 . التطورات السياسية التي شهدناها في تونس وليبيا ومصر واليمن، وتلك الحاصلة في سوريا، أعادت نسبياً دوراً كان مفقوداً إلى جامعة الدول العربية . الخلافات السياسية العربية لم تقعد الجامعة عن العمل فحسب، بل أقامت سداً منيعاً في وجه مشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في إطار من التكامل الاقتصادي والاجتماعي العربي . بينما كان العالم يتجه نحو أقاليم اقتصادية تفصل بينها أبعاد شاسعة، ولا تمتلك من مقومات التكامل مثلما تمتلك الدول العربية من عمق جغرافي ولغة وتداخل مفترض في أسواق العمالة والاستثمار وتعدد الموراد وتنوعها . ثورات “الربيع العربي” لم تكشف المستور فحسب، بل فجرت ما كان مؤجلاً إلى حين، فالتشوهات الكبيرة التي شابت مشروعات التنمية العربية وأهمها الابتعاد عن الاستثمارت في قطاعات الاقتصاد الحقيقي، وخلوها من المضمون الاجتماعي، وافتقادها التركيز على الموارد البشرية وجودة التعليم والحماية الاجتماعية والصحية سرّعت تحرك الشارع العربي . ولم يكن سوء توزيع الثروة قائماً على عدالة منقوصة في التكليف الضريبي فقط، بل مصحوباً بمقدار كبير من الفساد، بدّد الموارد الوطنية، وخلّف بطالة من نحو 20 مليوناً، وفاقم معدلات الفقر والتهميش الاجتماعي والسياسي . نقول التهميش الاجتماعي والسياسي ليس لغاية المقاربة بين الديمقراطية وبين التنمية فحسب . فهذه إشكالية مزمنة لم نجد حلاً لها بعد في دولنا العربية . ولا هي وجدت حلولاً ناجعة بمفهوم الغرب الصناعي وديمقراطيته . هناك أيضاً ابتسار لهذه الإشكالية لا سيما في المضمون الاقتصادي والاجتماعي للديمقراطية . لا يمكن إعمال الديمقراطية في كنف الحرية السياسية وحرية الرأي والمعتقد فقط، بل بتحرير فرص التشغيل والعمالة، وديمومة العمل ولقمة العيش من القوانين الجائرة التي تحد من حرية المواطن وتشوه خياراته الاجتماعية والسياسية وتكبل قدراته حتى في ظلال الحرية . هذه عوامل مناوئة للتنمية . وتشتيت للموارد البشرية وابتكاراتها . والمطلوب في التنمية تعبئة هذه الموارد، وتطويرها في استمرار لتتمكن من الإنتاجوتعبئة الموارد المالية والاقتصادية . لو سلمنا جدلاً بالحرية الاقتصادية، وحرية السوق، وانتقال الرساميل والتجارة والخدمات، وما إلى ذلك من المنظومة التي يحصد العالم وبالها في الألفية الثالثة، فمن باب أولى أن تكون التشريعات والنظم التي تكفل تلك الأنواع من الحرية، والصادرة عن مؤسسات الدول الدستورية، أن تكفل أيضاً حق العمل، والحق المكافأ للأجر والحماية الاجتماعية والصحية . مع التسليم بدور القطاع الخاص مصدراً رئيساً لا غنى عنه في مشروعات التنمية . لكن حصة القطاع العام باقية بنسبة كبيرة جداً في مشروعات البنى التحتية والخدمات الضرورية لاستثمارات القطاع الخاص ولتربحه، كما ولمنافع المواطن ورفاهيته المدفوعة التكلفة ضرائب ورسوماً، ولاستيلاد فرص عمل وخفض معدلات الفقر والضائقة المعيشية . لكن التحدي باق في الاعتراف بالإنسان والموارد البشرية شريكاً في التنمية المستدامة وليس في الموجودات الثابتة أو المتحركة للمستثمر وللقطاع الخاص . الشراكة في هذا المعنى هي التي تكسب الشعوب العربية صفة المواطنة وليس الرعايا . والدولة هنا ليست محايدة البتة . وحيث توفر الحوافز للمستثمر وللقطاع الخاص لانسياب الرساميل والتربح، فعلّة وجودها توفير الحوافز للموارد البشرية وللعمالة . هذا هو مقياس ازدهار الدول وتقدمها والحكم الرشيد . فكيف لو كانت الدولة محابية لمطارح المال وممالئة إياها؟ لننظر إلى نصف الكوب الملآن . القمة الاقتصداية التنموية والاجتماعية العربية أوكلت إلى الجامعة العربية مهمات كبيرة في متابعة تنفيذ مشروعات التنمية والتكامل الاقتصادي العربي المشترك، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي للجامعة سيتولى من خلال وكالاته المتخصصة ومنظماته دوراً رئيساً في هذا المجال إلى جانب صناديق التنمية والتمويل العربية والمؤسسات المعنية في الدول العربية . نريد هذه الوكالة للجامعة العربية في النصف الملآن من الكوب وليس في النصف الفارغ، تعطي دفعاً للجامعة العربية وحافزاً سياسياً على أعلى مستوى، يجدد فيها الثقة، ويحرك فيها عملاً على النحو الذي حصل على المستوى السياسي بعد التطورات السياسية العربية في الأعوام الثلاثة الأخيرة . وكي يحصل ذلك لابد من تغيير هيكلي في المجلس الاقتصادي والاجتماعي في الجامعة بإيعاز من مجالس الوزراء العرب المتخصصة التي تشكل مركز القرار في الجامعة بإشراف الأمانة العامة، ينسحب ذلك على المجالس الوزارية المعنية بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية والتنموية . تغيير يفصل بين الجهاز الفني للمجلس وبين سلطة القرار . لا يجوز أن تبقى منظمة العمل العربية خارج عضوية المجلس الاقتصادي والاجتماعي . الحال نفسها مع الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب . وفي المقام نفسه عدم إدراج القطاع الخاص العربي ممثلاً بالاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية في لائحة منظمات المجتمع المدني كما هي الحال . أي عدم إقصاء المنتجين أصحاب عمل وعمالاً من الهيكل التنفيذي للتكامل الاقتصادي العربي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية . ***************************** (عن الخليج - الإمارات)