عامان مرّا على قيام ثورة يناير الميمونة، ولا تزال مصر تواجه الكثير من المشاكل والتحديات، فمن الوضع الاقتصادى الصعب، وشبح الإفلاس الذى يتهدد البلاد، إلى محاولات مستميتة لفصيل واحد هدفها الاستحواذ والتمكين، وبين هذا وذاك دماء لم تجف بعد، ودموع لا تزال ساخنة رقراقة فى مآقيها. دماء خطت حروف المجد فوق أرصفة الميادين منذ اندلاع الشرارة الأولى للثورة، مرورًا بأحداث محمد محمود وما شابهها من اشتباكات بالمحافظات المختلفة، ودماء أخرى سقت العشب الأخضر بأرض ستاد بورسعيد فأورق وأينع لترفرف أوراقه "تحت ظل العلم" كأنها تنطق: "القصاص القصاص"، ودماء ثالثة كانت بمثابة المداد كُتب به فى سجل الإهمال صفحات جديدة من كارثة قطار أسيوط، وحتى حادث دهشور الأخير، وبينهما صفحات وصفحات تكاد تنطق بالإدانة لتؤكد "وكأنها لم تكن ثورة". عامان مرّا ولم يسمع المصريون عن صدور حكم نهائى بحق مسئول واحد من "عصابة مبارك".. ولم تصلهم أنباء تفيد ألا تقييد بعد اليوم ولا حبس للحريات. عامان مرّا... تحررت البلاد خلالهما من قبضة العسكر لتسقط أرواحهم وأقواتهم وحريّاتهم بين براثن الإسلاميين، الذين لا يقبلون بمعارضيهم ولا يظنون بغيرهم حسن رأي أو "شورى"، فهم ليسوا "إخوانًا" بنفس القدر. فى الخامس والعشرين من يناير 2011 قامت الثورة، ونفض الشعب عن نفسه غبار الثلاثين العجاف، وحاول - ولا يزال - الخروج من وطأة الهيمنة التى يمارسها فصيل بعينه.. وسينجح ولو بعد حين، ولعل واحدة من ثمار الثورة كانت "عودة الطيور المهاجرة، لاسيما من أصحاب الأقلام والأفكار التى لم يكن يقبل بها مبارك ونظامه، فقامت مؤسسات صحفية وأنشئت فضائيات تعمل لصالح الوطن وتنحاز إلى المواطنين". كانت "المشهد" واحدة من الثمار اليانعة التى انطلقت من تحت ظل الأعلام المرفرفة وسط الميدان، فكان من يُمن الطالع أن يصدر العدد الأول منها بالتزامن مع الاحتفال بالذكرى الأولى للثورة، ومضت الصحيفة لسانًا معبرًا عن آلام المواطنين وأوجاعهم، وريشة ترسم أحلامهم وطموحاتهم فوق صفحات الأمل البيضاء الناصعة. ومنذ صدور العدد الأول فى الثانى والعشرين من يناير 2012 اختارت الصحيفة جانب البسطاء ورسخت لمبدأ الانحياز لمصالحهم. وجاء العدد الثانى من "المشهد" وبدلًا من أن يحمل أخبارًا وتفاصيل عن موقعة الجمل في ذكراها الأولى، زُينت صفحاته بصور شهداء مذبحة بورسعيد، وخاض فريق من شباب محررى المشهد رحلة شاقة إلى قرية "الشبول" - معقل المتهمين فى المجزرة - وجاء الفريق محملًا بتفاصيل ومعلومات نشرها عددنا الثالث، واستعانت بها – لأهميتها ومصداقيتها - أجهزة الأمن فى التحقيقات. وتوالت الانفرادات والمعارك التى خاضتها المشهد دفاعًا عن أهداف الثورة "عيش - حرية - عدالة اجتماعية".. فمن انتخابات مجلس الشعب إلى انتخابات الشورى فالانتخابات الرئاسية، وما بين الثلاث وما تبعها من مليونيات ووقفات ومواجهات، سيان بين الثوار والشرطة أو بينهم والعسكر، كان للمشهد صولات وجولات. استطاعت المشهد على مدى عام كامل أن تكشف تفاصيل وأسرارًا كثيرة أسهم الإعلان عنها فى تنوير الرأى العام وعرض الرؤية كاملة، فى موضوعية واعتدال، دون أدنى انحياز إلاّ لمصلحة البسطاء. عامان على الثورة ولا تزال دماء الشهداء وقودًا لقناديل الحرية.. وعام على صدور "المشهد" نضىء معه شمعة جديدة علّها تبدد عتمة الدرب.. من المشهد الأسبوعى..