لأبوين ينتميان لمحافظة الغربية، ولد الشاعر والناقد الكبير أحمد عنتر مصطفى، فارسًا مغوارًا، وثريّا تعلقت بها القرائح، ترتفع إلى سماوات الإبداع العليّة، وتتدلى أحيانًا لتنشر من قبسها ما يغمر المحيطين بوهج من الإبداع الرفيع. مكث فى بلدته ماشاء الله له أن يمكث ثم انتقل إلى القاهرة، باحثًا وفاحصًا بإدارة النشر بالهيئة العامة للكتاب، ورئيسًا لتحرير سلسلة "الأعمال الكاملة" بهيئة قصور الثقافة. وفى عام 1994 تم تكليفة بجمع مقتنيات أم كلثوم ليكون أول مدير لمتحفها لمدةعشر سنوات، وليصبح بمثابة المؤرخ الأول فى مصر لتسلسل حياة كوكب الشرق، يُسأل .. فيجيب .. ببديهة حاضرة وذاكرة موسوعية عن كلشىء كَبُرَ أوصغُر - أوسمة، نياشين، مقتنيات، يعرف تاريخها قطعة قطعة وكأنما كان شاهد عيان وقت حصول الفنانة الراحلةعليها.. أزواجها.. ملحنوها .. شعراؤها.. أغنياتها .. لقاءاتها .. يحفظها كما يحفظ شعر المتنبى وأبى تمام.
بدا أحمد عنتر فارسًا يسبق زمانه وإخوانه، استلهم من اسمه البسالة فراح يسطّر أبجديةً جديدةً للموت والثورة، نبراسًا يهتدى بنوره السائرون ليؤكد: "كنتُ أقسمُ دوماً بهذا البلدْ/ رغم كل الكَبَدْ/ رغم نبع الشقاءِ الذي يتوضأ آباؤنا منه طيَّ الأبدْ/ بالعطاءِ الذي يتفجَّر فيه". يقسم أيضًا "بطاقاته اللهبية/ بالحزنِ في أعين الصامتين/ وبالغَزَلِ المتواثبِ عبر العيونِ". ويراهن - أن الغمّة سوف تنقشع ليحل محلها النور المبين – "بالذين مع الفجرِ/ ينحدرون إلي النهرِ/ ينكسرون مع الظهرِ/ ينسحبون مع القهرِ/ خلف جدارِ المساءِ ويحترفون الجَلَدْ". كلُّ ذلك كان قبل قيام الثورة المجيدة التى ما إن وقعت حتى بدت كلماته كأنها تخاطب الجموع بعزة وافتخار.. تذكّرهم: ألست أنا الذى"قلتُ: لا شيء يُجدي سوي الشعبِ/ ينشبُ في رئةِ الحاكمين المخالب/ البراكين/ البراكينُ لا تستقرُّ عليها الوسائدُ/ هم ينقشونَ علي الماءِ أحلامَهمْ/ يبتنونَ من الوهمِ أيامَهمْ/ يحرثون البحارَ/ وحين تثورُ الزلازلُ: لا شيء يبقي/ سوي قبضة الشعبِ حول الرقابْ/ وانطلاقِ الأعاصيرِ؛ من رئةِ المستكينِ، وفي نبراتِ جموعِ الغِضابْ" وبين هذا وذاك يؤكد أن الشعوب: "تعرفُ ميقاتَ تفجيرِ أحلامِها" وتعرف أيضًا: "كيف يتمُّ الزَواجُ بين الحقيقةِ والنارِ/ في مهرجانِ تقومُ علي جانبيهِ الحِرابْ/ إذن/ إذن فيم يبتسم الحالمونَ بقهر الشعوب؟/ وكيف غفتْ فوق حُلمِ الغنيمةِ/ عينُ الذئابْ"؟؟!! ويجزم أن البطل "قادم علي صهوة الريح..سيأتي..ويأتيِ.. ويأتي.. ملامحُهُ لا تبينُ لنا الآنَ/ لكنه قادمٌ/ حاملاً منجلَ الموتِ/ يحصدُ كل الرءوسِ التيِ أينعَتْ/ والنفوسِ التيِ خنعَتْ/ والرقابِ التي خضعتْ/ والقلوبِ التي ركعتْ/ والعقولِ التيِ ابتدعَتْ فلسفاتِ المهانة/ والجباهِ التيِ نضحتْ ذِلةً.. واستكانةْ". وحين ملّ الناس وصوله واستنكروا غيابه راح يواسيهم: "قد يغيبُ قليلاً.. ولكنه قادمٌ/ يمتطي صهوة الرعدِ/ ممتشقاً عاصف الريحِ/ متشحاً بالبروق/ ومؤتزرًا بالإباءْ".