بين الثورة والنهضة المشروع خط رفيع يقطع الشك باليقين، ألا وهو العمل الذي ينفض شكوك الجميع ويحول حلم الملايين بالعدالة والحرية والديمقراطية كما ينبغي أن يكون إلى حقيقة واقعة، ويبدو أن مرحلة الشك هذه هي ما تحياه الطوائف السياسية والدينية كافة الآن في مصر؛ لأن اليقين لم تتضح ملامحه بعد وإن كانت الثورة واضحة وضوح الشمس ومطالبها لا تخفى على أحد، أما ما يطلق عليه مشروع النهضة أو ما سمي أثناء الحملة الانتخابية للرئيس مرسي مشروع المائة يوم فهو الخديعة الكبرى والفخ الذي وقع فيه الكثيرون عن دون قصد للهروب من واقع مرير تطفو على سطحه آلاف الأزمات التي تحتاج إلى سنوات من العمل والجهد لحلها لا مائة يوم كما أقنع البعض نفسه بامكانية ذلك. الثورة أبغض الحلال لدى الأنظمة الحاكمة حتى الثورية منها بعد أن يستقر لحكامها الكرسي دون منازع أو منافس، كانت ولا زالت تغلي، لماذا؟ لأن مطلبًا واحدًا من مطالبها الحقيقية لم يتحقق، والقصد هنا ليس تغيير الحاكم بحاكم، أو إحلال حكومة محل أخرى، طالما بقي النظام كما هو ستبقى الأوضاع غير مستقرة لحين يحدث التغيير الحقيقي، بالفعل جاء مرسي وحل محل مبارك، لكنه لازال يسلك نفس السلوك في سياساته وعلاقته مع دول المنطقة والكيانات الشرعية وغير الشرعية فيها، بل أصبح الأمر بمباركة الجماعة وتبريراتها المشروعة في كل مرة طاعة للحاكم الذي لا تعلو على صوته كلمة وإن كانت كلمة حق وعدل. فكيف يمكن أن تستقيم الأمور والحال لم يتغير بحكومة جديدة تخطو بنفس خطى سابقتها ولا تغير حتى من بعض سياساتها وكأنها دولة عميان تحكمها النهضة، المشروع الفضفاض الذي لا ملامح له، الزئبقي الذي لا تستطيع تحديد ملامحه، كيف يمكن لها أن تنتشل البلاد من أسباب ثورتها الأولى على النظام السابق، الفقر الفساد المحسوبية الكبت الحريات المقيدة الأفواه المكممة الظلم العدالة الغائبة. الملايين ممن قاموا بالثورة في 25 يناير منذ نحو عامين لم يجدوا حتى الآن مردودًا لثورتهم، كانت شرارة الثورة الأولى الظلم والقبضة الأمنية الحديدية، التعذيب حتى الموت في أقسام الشرطة والمعتقلات، الاختفاء فيما يعرف بسياسة ما وراء الشمس التي خلفها نظام لنظام في دولة بوليسية متتالية الحكام العساكر. الآن لا يزال التعذيب قائمًا في الأقسام والمعتقلات على يد الشرطة والجيش على حد سواء من واقع السجلات لجماعات حقوق الإنسان المحلية والإقليمية والعالمية وبالدلائل التي لا تقبل شكًّا، بل بشكل أكثر فجاجة، ودون أدنى مسئولية بعد أن استشرى الفساد في الأجهزة القضائية والتنفيذية وسادت موجة البراءة للجميع لتحمي هؤلاء وتمنحهم الضوء الأخضر لاستعادة مهابة الأمن التي فقدت في الأشهر الأولى من ثورة يناير. ثم تأتي العوامل الأخرى متباينة في أهميتها من حيث الترتيب حيث الفقر والبطالة والفساد والجهل والمرض وغيرها من العوامل الأخرى التي لا تقل أهمية عن العامل الأول إلا أن شرارة الثورة اشعلها ظلم الأمن أولًا ثم ظلم النظام فيما أدى إلى تحول مصر إلى دولة فقيرة رغم وجود ثروات تكفي لجعلها دولة غنية إذا ما لم تتعرض لعملية نهب منظم خلال عدة عقود متلاحقة، ولا تزال. فهل تنتقل النهضة من مرحلة الدعاية والإعلام إلى مرحلة التنفيذ على أرض الواقع إذا كان هناك بالفعل مشروع حقيقي يمحي أسباب الثورة التي جاءت بالجماعة وعلى رأسها مرسي إلى سدة الحكم، أم أن هذه الدعاية ستستمر في سرقة المزيد من أحلام البسطاء وأعمارهم حتى تنتهي الفترة الرئاسية الحالية بمخزون من أدعية وخطب على منابر المساجد طوال فترة حكم السيد الرئيس وزيارات خارجية كان من الأهمية بمكان موازاتها بزيارات داخلية لبؤر الفساد والجهل والمرض في مصر. نحن إذن رضينا أم أبينا في انتظار طائر النهضة لحين إشعار آخر، آملين ألا يواكب ذلك مزيدًا من الضرائب والسياسات التي تكرس لكبت الحريات وخلق فئات جديدة في المجتمع أكثر تعصبًا وجهلًا باسم الدين، والدين منهم براء، ثورة لم تكتمل تنذر بثورة أكبر لاجتثاث أسباب الأولى، هذا درس على الحكام الاستفادة منه قبل فوات الأوان.