غض مثل زهرة بريئة .. تصور أن الدنيا تغيرت ، وأن بإمكانه أن يقول مايريده بصوت عال دون خوف.. تصور أن مصر عادت لأهلها .. سنوات عمره السبعة عشر لم تكن تعينه على فهم أن الملك ينتقل من يد لأخرى ، وأن "خلف كل قيصر يموت قيصر جديد .. وخلف كل ثائر يموت دمعة بلا جدوى .. وأحزان سدى " .. ذهب ليطالب أمس بالقصاص لشهداء محمد محمود ، فصار معهم بعد رصاصة غادرة في الرأس ، وغدا ينتظر من يطالب بالقصاص له ، ربما ينضم إلى قافلة شهداء الحرية . كأن محمد جابر "جيكا" أحس نهايته فآخر ماكتبه على صفحته ب"فيس بوك": "ده بإذن الله أخر بوست هكتبة لحد ما أرجع بكرة من شارع عيون الحرية " ده لو رجعت".. انا نازل عشان خاطر دم اخواتنا و عشان الثورة .. نازل عشان اعز صاحب ليا اللي شيلته بإيدي و هو مقتول "أسامة أحمد".. نازل عشان عيون أحمد حرارة .. نازل عشان أرجع الثورة اللي راح عشانها الاف الشهداء وعشرات الالاف من المصابين .. نازل عشان حمو طه و احمد يوسف صحابي اللي راحوا في بورسعيد نازل عشان بلدي ترجع لنا تانى..لو مرجعتش بقي مليش غير طلب واحد هو ان الناس تكمل الثورة و تجيب حقنا .. أشهد ان لا اله الا الله ... أشهد ان محمد رسول الله". طالب بالثانوية .. كل علاقته بالحياة شعلة أمل وطموح بأن نعيش في وطن .. وطن يحنو على أبنائه ، يقدرهم ، يعاملهم برفق إذا أخطأوا ، ويربت على أكتافهم إن أصابوا ، عن قرب كنت أتابع نشاطه ، فقد كان أقرب أصدقاء ابني محمد وابنتي إيمان موسى ، وأتعجب كيف استطاع هذا الجيل أن يكسر خوفنا ، وينمو نموا طبيعيا في غفلة منا .. كنت أنزعج لأن عشق الحرية لدى الفتية الثلاثة كالطوفان ، لايستطيع أحد الوقوف في طريقة ولا تفلح مخاوف الآباء والأمهات في كبح جماحه. وكنت أتعجب .. كيف أن رجل أمن يطاوعه قلبه فيطلق الرصاص على رؤوس وصدور صبية ، لاشك أن ضمن عائلته صبي صغير مثلهم .. كيف يطاوعه قلبه ، والمرء يخشى وهو يقود سيارته في الشارع أن يروع طفلا رأى أن يعبر الطريق ، فمابالك بمن يمسك في يده آلة قتل. هل تتوقف ساقية الدم هذه .. ونقنع الصبية الصغار في محمد محمود وفي كل أماكن الاحتجاج بأن يهدأوا ، فلن يضيع حق ولن تهدر دماء شهيد .. هل نربت على أكتافهم ونقول لهم في سنكم كنا نثور ونتظاهر ونتمرد على البيت والمدرسة والحكم ، أم نواصل إطلاق الرصاص ، فنقتل ماتبقى للوطن من أمل .. إن لم تتوقف ساقية الدم هذه ويحال القتلة إلى القضاء ويقتص منهم ، فإني أخشى في المرة القادمة أن أنعي لكم أبنائي.