الشعارات الرنانة لم تكن يومًا معيارًا لقياس دعم الشعوب التي تعاني تحت وطأة احتلال أو ممارسات قمعية أو إبادة جماعية كما يحدث في دول شقيقة، هنا في مصر أصبحت الازدواجية شعار المرحلة، نتحدث عن دعم فلسطين ونهدم الأنفاق ونغلق المعابر بلا بدائل، نتحدث عن دعم سوريا ونعتقل من يتظاهر تضامنا مع شعبها الذي يواجه الأمرَّين بوجود حاكم ظالم تعدى حدود الإنسانية وبات إعلان موقف ضده مسموح للقائد الرئيس مرسي وممنوع للمتظاهرين حول السفارة السورية في القاهرة. أي ازدواجية تلك التي يمارسها النظام الجديد في مصر في حقبة الإخوان يبدو أن الازدواجية باتت نهجًا وسياسة تتبع في كل شيء، طابور من الأمن المركزي يطوق السفارة السعودية ومدرعات من قوات الجيش تقف بالمرصاد للمتظاهرين الذين يهتفون ضد الظلم، ضد جلد مواطنة مصرية في السجون السعودية، ضد الاحتجاز للعشرات من المصريين في المملكة العربية السعودية بتهم لا تمت بصلة للقانون الجنائي أو الدولي أو حتى الجنح البسيطة. في واقع الأمر تلك الازدواجية تصدر للعالم مدى الهشاشة التي يعاني منها النظام الجديد صاحب الشعارات الرنانة في كل المؤتمرات الإقليمية والدولية، ناهيك عن خطابه الأبدي للبسطاء والفقراء من الأمة المصرية الذين يثقون بالحاكم ثقة البعير براعيها. آخر كلمات الرئيس مرسي في مؤتمر القمة الأخير كان سوريا سوريا سوريا، وكانت قوات الأمن المصرية قد قبضت على عدد كبير من الناشطين الذين يحاصرون السفارة السورية بالقاهرة تضامنا مع القضية السورية والشعب الأعزل الذي يتعرض لأبشع درجات العنف الإنساني الوحشية قبل ساعات من حصاره، بل وتم تحويلهم إلى النيابة باعتبارهم مخربين كما ادعت السفارة السورية في بيانها الذي وزعته ع وسائل الإعلام وتقدمت بنسخة منه كشكوى رسمية للسلطات المصرية ضد المتظاهرين. الغريب في الأمر استجابة السلطات لهذه الضغوط ضاربة بخطاب الرئيس عرض الحائط، والسؤال هنا أيهما يمثل مصر؟ السلطات التنفيذية التي لا تسمح بالتظاهر وتقاومه كجريمة منظمة وتتصادم معه وتعتقل أفراده النشطين ، أَمْ رأس النظام الذي يتغنى بدعم القضايا العربية في كل مناسبة وآخرها القضية السورية. نريد خطابًا معبرًا عن الإرادة الشعبية،نريد دعما حقيقيا للقضايا العربية، نريد كرامة للمواطن في بلده وخارجها، نريد حفظ حق المواطن في التظاهر بشكل سلمي وحمايته في كل المواقع حتى أمام القنصليات والسفارات التي تتحجج باتفاقية فينا، نريد حفظ لكرامة بناتنا وأبنائنا في الخارج والسعي ورائهم كما تفعل الدول المتحضرة التي تهتم بمواطنيها ولا تسمح لأي نظام أجنبي بالمساس بهم أيا كانت الجريمة التي يتورطون بها. الخلاصة مخيبة للآمال في الوقت الراهن، خطاب سياسي يفتقد المصداقية، وسلوك داخلي يفتقد الشفافية، وفي كل الأحوال استهتار بالمواطن وبحقوقه وحرياته وتنصل من مسئولية الدفاع عنهم داخل وخارج مصر. سياسة الازدواجية عادة ما تكون قصيرة المدى، لكنها تترك أثرًا سلبيًّا بالداخل والخارج إلا أنها في النهاية تكشف النقاب عن قوة النظام من عدمه، وتعجل برحيله لأنها تفقده الشرعية مع الوقت تمامًا كما تفقده مصداقيته وتقلل ممن يلتفون حوله ويدعمونه، نريد سياسة واضحة تنفذ من أجل مصلحة مصر ومصلحة الشعوب الشقيقة التي تستحق الدعم الحقيقي، لا خطابات لا قيمة لها تنفذ بالعكس على أرض مصر. افرجوا عن المعتقلين في أحداث التظاهر حول السفارات إذا كنتم جادين في خطاباتكم، ولا تضيقوا الخناق عليهم، إذا كان موقف النظام هو نفسه موقف الشعب دعم سوريا فلماذا تشتبكون مع المتظاهرين وتعتقلونهم وتصفوهم بالمخربين، مسيرات دعم الشعوب الشقيقة في محنها يجب أن تلقى الدعم والتشجيع لا التفريق والحصار حتى يتسق الخطابُ مع الفعل وتنتفي الازدواجية.