سمعنا كثيراً في العام والنصف المنصرم ومنذ بداية الدعوة لمظاهرات الخامس والعشرين من يناير 2011 الكثير من الفتاوى التي أطلقها بعض شيوخ التيار السلفي في مصر و خارجها والتي تحرم الخروج في تلك المظاهرات و تحرم الخروج على الحاكم، حتى أن بعض اولئك الشيوخ ذهبوا الى تكفير شباب الثورة و إهدار دمهم وهم في ميادين مصر .. وبعيداً عن التحول التام في موقف بعض اولئك المشايخ بعد نجاح الثورة و تنحي الرئيس السابق حيث أصبح بعضهم يتحدث باسم الثورة و شباب الثورة الذي سبق وكفروهم .. وبعيدا عن آخر تلك الفتاوى التكفيرية التي اطلقها الشيخ إسلام هاشم عشية الدعوة للخروج في مظاهرات ضد ما اسماه منظم التظاهرة ( محمد ابو حامد ) بأخونة الدولة و بعيداً ايضا عن ردود الفعل المتباينة ما بين مؤيد لتلك الفتاوى أمثال الشيخ وجدي غنيم وبين معارض كافة القوى السياسية و المدنية في مصر، دعونا نستعرض سوياً أول وأهم الثورات في تاريخ الحكم الإسلامي لنعرف مدى صدق تلك الفتاوى التكفيرية التي يطلقها البعض من اجل إرساء قيم الطاعة العمياء للحاكم حتى وأن كان فاسداً.... هل تعلم عزيزي القارئ أن اول ثورة على حاكم في الإسلام قامت بعد ما يقل عن خمسة و عشرين عامل من وفاة الرسول صلوات الله عليه... و هل تعلم أن الحاكم الذي قامت ضده اولى هذه الثورات تطالب بعزله او قتله هو صاحب رسول الله و زوج ابنتيه و وأحد من العشر المبشرين بالجنة والملقب بذي النورين.... و هل تعلم أن الأمر لم يقف حد الثورة و محاصرة منزله ما يقرب من شهرين ثم قتله من قبل المسلمين الثائرين المحاصرين منزله .. بل أمتدت الإساءة الى جثمانه بعد مقتله ؟ نعم أول حاكم تقام ضده ثورة في التاريخ الإسلامي هو سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه ليس هذا فحسب بل ان الثائرين ضده كانوا من صحابة رسول الله ومن المسلمين الذين عاصروا نزول آيات الله عليه و يعرفون اين نزلت تلك الآيات واسباب نزولها .. و إن كان هناك ما يحرم الخروج على الحاكم كما يدعي البعض الآن لما تجرأوا ان يخرجوا على خليفة المسلمين مطالبين اياه بالتنحي عن الخلافة تارة ومهددين اياه بسحب البيعة تارة آخرى .. بل ان بعضهم ذهب الى ضرورة قتله قصاصاً لما ارتأوه حينها حياداً عن تحقيق العدل و خروجاً عن شرع الله... و لكن ماذا فعل عثمان حتى يخرج عليه المسلمون يطالبونه بالرحيل ؟ و كيف تطورت الأمور حتى أنتهت على ما أنتهت اليه من قتل الصحابي الجليل ؟ فور تولي سيدنا عثمان الخلافة والتي آلت اليه بعد وفاة سيدنا عمر بن الخطاب رضوان الله عليهم وقع عليه الإختيار من بين الستة الذين اسماهم عمر قبيل وفاته (علي و عثمان و طلحة والزبير و ابن عوف و سعد) بدأت الخلافات تدب بعد ان ولى عثمان اقاربه من بني أمية على الكثير من الأمصار التي فتحها المسلمون في عهدي ابو بكر و عمر مما اثار الضغائن ضده لكنه في محاولة لأسترضاء الصحابة قام باستقطاع مبالغ ضحمة لهم من بيت مال المسلمين نذكر من تلك الهبات انه اعطى للزبير بن العوام ستمائة الف درهم و اعطى طلحة مائة ألف و وهب لأبنه الحارث مثلها، ودعوني استعرض معكم ما ذكره ابن سعد في كتابه الطبقات الكبرى عن ثروة عثمان ( كان لعثمان بن عفان عند خازنه يوم قتل ثلاثون الف الف درهم - ثلاثون مليون بحساباتنا هذه الأيام - و ستمائة الف درهم و خمسون و مائة ألف دينار - الدرهم عملة فارس و الدينار عملة الروم - فانتهبت وذهبت، و ترك ألف بعير بالربذة و ترك صدقات كان تصدق بها ببراديس و خيبر و وادي القرى قيمة مائتي ألف دينار ) .. اما عن ثروات الصحابة الذين اجزل لهم العطاء فان المجال لا يسمح هنا لذكرها و لكن دعني اذكر لك على سبيل المثال ما قيل عن ثروة الصحابي الجليل و احد المبشرين بالجنة ( عبد الرحمن بن عوف ) بانه ترك ذهب قطع بالفؤوس حتى مجلت منه ايدي الرجال، و لعل هذا يفسر قول الرسول الكريم عن أبن عوف أنه يدخل الجنة حبوا.... كل ذلك كان بعض مما رآه المسلمون يستلزم الخروج على عثمان لعدم قدرته على إقرار العدل و خروجه عن صحيح الدين في كثير من الأمور وقد وصل الأمر الى خطف السيف من يده وكسره نصفين .. والى قذفه بالحجارة وهو على المنبر حتى سقط مغشياً عليه وصولا الى محاصرته فيما بعد و منع المياه عنه وعن اهل بيته بل وصل الأمر الى ابعد من ذلك حين أرسل اليه مالك ابن الحارث خطابا يفتتحه بالعبارة الآتية (من مالك بن الحارث الى الخليفة المبتلى الخاطئ الحائد عن سنة نبيه النابذ لحكم القرآن وراء ظهره) انها ثورة بكل ما تعنيه كلمة ثورة .. ثورة على حاكم رغم صلاحه الديني أرتكب اخطاء سياسية جعلت الرعية يخرجون عليه مطالبين بعزله فيجيبهم ( و الله لا أنزع ثوباً سربلنيه الله ) فيجتمعون على سحب البيعة منه فيجيبهم بانه لم يجبرهم على البيعة من قبل بل هم الذين جاءوا اليه طائعيين .. و بعد طول حصار لمنزله يقدمون على قتله و هو جالس يقرأ القرآن فتتناثر دماءه على المصحف الشريف ... لعلك عزيزي القارئ تعرف كل ما سبق و لعلك تعرف ايضا ان الإساءة امتدت لعثمان حتى بعد موته حيث يذكر الطبري في كتابه تاريخ الأمم والملوك (لبث عثمان بعدما قتل ليلتين لا يستطيعون دفنه ثم حمله أربعة - حكيم بن حزام ، و جبير بن مطعم و نيار بن مكرم و ابو جهم بن حذيفة - فلما وضع ليصلى عليه جاء نفر من الأنصار يمنعونهم الصلاة عليه فيهم أوس بن بجرة الساعدي و ابو حية المازني .. ليس هذا فحسب فلقد منعوه ان يدفن في مقابر المسلمين فدفنوه في حش كوكب ( مدافن اليهود ) .. وهناك رواية عن قيام عمير بن ضابئ بضرب جثمان عثمان فكسر له ضلعا من أضلاعه) ... إنها ثورة و أن اخطأت طريقها ثورة مكتملة الأركان .. رعية متظلمة لديها مطالب، حاكم لا يستجيب لتلك المطالب و يرفض التنحي عن الحكم، قتل الحاكم وهو من هو ليس اي حاكم انه خليفة المسلمين صاحب المواقف التي لا تنسى في نصرة الإسلام و رسوله ... و الثائرون هم ايضا من هم صحابة رسول الله ومعاصريه ... فاذا كانت مراجعة الحاكم حين يحيد عن الحق و تحقيق العدل حرام و اذا كان الخروج عليه اذا استشرى الفساد في عهده حرام .. فهل من تفسير لتلك الثورة التي غيرت التاريخ الإسلامي و تاريخ المنطقة الى يومنا هذا ... وهل رجال الدين في عهدنا اكثر دراية و معرفة بجواز الخروج على الحاكم من عدمه من صحابة الرسول الذين عاصروه أم أن فتواهم لا تتجاوز اجتهادات تخدم أغراضا سياسية ليس اكثر ؟....