نفس الحشود في الساحة الخضراء ... تهتف ل"ديجول" كما هتفت ل"بيتان" أمضى بقية ملوك العرب والطغاة ليلة ثانية من الليالي الطوال. كيف سيؤثر تحرر طرابلس على تحرير كل من دمشق وحلب وحمص؟ عمان؟ القدس؟ البحرين؟ الرياض؟ لن تتم بنفس الطريقة بطبيعة الحال. وقد أثبت الربيع والصيف والخريف العربي ان الحدود الاستعمارية القديمة لم تعد محصنة - و هو جزاء فظيع للامبريالية كما أفترض - حيث لكل ثورة خصائصها الخاصة. إذا كانت كل الانتفاضات العربية قدمت ضحايا من الشهداء، فان بعض حركات التمرد أكثر عنفا من الأخريات. حيث قال سيف الاسلام القذافي في بداية الثورة الليبية "ليبيا ليست تونس، انها ليست مصر... وسوف تصبح حربا أهلية، وسيكون هناك سفك الدماء في الشوارع". وقد كان ذلك. لذا اذا نظرنا في كرة بلورية مستطلعين المستقبل، سنجد ليبيا دولة عظمى في الشرق الأوسط- ما لم يتم فرض احتلال اقتصادي كثمن لقصف حلف شمال الاطلسي "او ما سمي بالتحرير"- كما ستصبح أقل توجها نحو الأفرقة ، حيث سيعود التوجه عربيا أكثر من عهد الهوس القذافي بوسط وجنوب افريقيا. و من المحتمل أن تصيب عدوي الثورة كل من الجزائر والمغرب للدفاع عن حرياتها.كما ستكون دول الخليج أكثر سعادة- إلى حد ما- لأن معظمهم اعتبر القذافي غير متوازن عقليا فضلا عن كونه مؤذيا . لكن عملية خلع الحكام العرب المستبدين تعد لعبة خطرة عندما ينضم اليها الحكام العرب غير المنتخبين، من يتذكر الآن أن الحرب المنسية عام 1977 عندما أرسل أنور السادات قاذفتين لسحق القواعد الجوية للقذافي- هي نفس القواعد الجوية التي قصفها حلف شمال الاطلسي خلال الأشهر الماضية- بعد أن حذرت اسرائيل الرئيس المصري من تخطيط القذافي لاغتياله؟ ولكن ديكتاتورية القذافي عاشت اكثر من السادات ب 30عاما. حتى الآن مثل كل الدول الأخري عانت ليبيا من سرطان : المال- الفساد- تردي الأخلاق.هل سيختلف المستقبل؟ أمضي الآن الكثير من الوقت في دراسة الطبيعة المتوحشة ل "القذافي"، وللمجلس الوطني الانتقالي الذي من المفترض انه قائد الثورة، بالرغم من ان مصطفى عبد الجليل لم يتمكن بعد من توضيح ما إذا كان رفاقه المقربين قد تواطأوا في قتل قائد جيشهم الشهر الماضي. بالفعل، قدم الغرب دروسا في الديمقراطية لليبيا الجديدة، سيتكرر سيناريو العراق حيث سيتواجد المرتشون في النظام الجديد- سواء اكان ديمقراطيا أو غير ذلك-- بمجرد الاستقرار؟ ومثل جميع الأنظمة الجديدة تحتوي على بقايا مظلمة من الماضي - المانيا كونراد تماثل تماما عراق المالكي-من حيث ان ليبيا قد لا تستوعب قبائل القذافي. المشاهد في الساحة الخضراء امس كانت مشابهة الى حد مؤلم بالعشق المجنون للقذافي الذي عرض على الشاشة في نفس الموقع قبل أسابيع قليلة. و في نفس السياق عندما سئل ديجول من قبل أحد مساعديه عن كيفية تحية الحشود له بعد تحرير فرنسا عام 1944 كانت كبيرة مماثلة للحشود المصفقة لبيتان قبل بضعة أسابيع.ثم قال أن ديجول اضاف "انهم هم أنفسهم." هذا ليس كل شيء ، سيكون علي العالم مناقشة موضوع المقراحي -إذا كان فعلا مذنبا في جريمة –لكشف سر طول مدة خدمته ونشاطه داخل خدمة قوات القذافي السرية؟ كما سيكون علي محرري طرابلس وضع ايديهم على ملفات النفط و ملفات وزاراء الخارجية الليبيين لمعرفة أسرار علاقة المودة بين كل من بلير وساركوزي وبرلسكوني مع مؤلف الكتاب الأخضر؟ أم ستنتصر بريطانيا وفرنسا للعملاء و الجواسيس علي حساب ثائري ليبيا؟ و قبل أن يطالب الأوروبيون بمساءلة حكوماتهم، يجب ان نعرف مدي نجاح حلف الناتو في ليبيا- كما يدعي كاميرون و مناصروه الآن- لانه لا يمكن استخدامه ضد جحافل الأسد في سوريا، وذلك باستخدام قبرص باعتبارها محطة انطلاق حاملات الطائرات، و8 الاف دبابة وعربة مدرعة بسبب حصار المدن في سوريا. يجب أن نستمع و نستجيب لجيراننا حيث لا تزال تأمل اسرائيل سرا (كما فعلت بشكل فاضح في حالة مصر) ببقاء الديكتاتورعلى قيد الحياة ليكون صديقا يمكنه فرض السلام في نهاية المطاف فى الجولان. اتسم السلوك الإسرائيلي بخصوص الصحوة العربية بالانحراف و عدم النضج - لم لم يرحب قادتها بالثورة المصرية، وفتح أذرعهم لشعب اظهر انه يريد الديموقراطية التي تفتخر دائما بها اسرائيل، بدلا من اطلاق النار و قتل خمسة جنود مصريين في احدث تبادل لاطلاق النار في غزة؟ أعتقد لدي اسرائيل الكثير للتفكير فيه. بن علي ذهب و كذا مبارك وصالح بشكل او بأخر ذهب وأطيح القذافي والأسد في خطر، عبد الله عاهل الاردن ما زال يواجه معارضة، النظام الملكي في البحرين لا تزال الأقلية السنية تأمل بالحكم إلى الأبد. لا شك ان هناك أحداثا تاريخية ضخمة تمر بالمنطقة بينما استجابة اسرائيل تتسم بنوع من اللامبالاة و روح العداء. في اللحظة ذاتها عندما كانت إسرائيل قادرة على الادعاء بأن جيرانها العرب يغبطونها علي الحريات التي تطبقها بالفعل تعمل هي نفسها علي نزع شرعيتها و تتهم العالم بمحاولة تدميرها عن طريق بناء المستعمرات على أراض عربية. كما لا يمكن أن ننسى أن الإمبراطورية العثمانية في أوج قوتها كان من الممكن السفر تحت ظلها من المغرب إلى القسطنطينية دون أوراق رسمية. و مع تحقق الحرية في سوريا والأردن سيصبح السفر من الجزائر الى تركيا ثم الى اوروبا دون تأشيرة دخول امر يسير. الإمبراطورية العثمانية تولد من جديد! ما عدا بالنسبة للعرب - سكان الجزيرة- بالطبع سيظلون بحاجة لتاشيرة الدخول. نحن لم نصل الي تلك المرحلة حتى الآن. متى يمكن للشيعة في البحرين و جماهير البدون السعودية الوصول للثروات. نسأل : لماذا لم يتمكنوا من السيطرة على بلدانهم والضغط على حكامها لاسقاطهم؟ كيف لماهر الاسد شقيق بشار وقائد لواء 4 في سوريا الا يستمع الى مكالمة الهاتف البارحة لمحمد القذافي علي الجزيرة. واضاف "اننا تفتقر الحكمة والبصيرة" شكا محمد إلى العالم قبل ان يقطع إطلاق صوته.واضاف "انهم في المنزل "ثم" : "الله أكبر" وذهب لخط النار. سيظل هذا الصوت ذكرى - لكل زعيم عربي غير منتخب - أو أي زعيم مسلم "انتخب" عن طريق الاحتيال. الحكمة مفتقدة كثيرا في الشرق الأوسط والبصيرة مهملة من قبل كل من العرب والغرب على حد سواء - إذا كان يمكن تقسيم الكرة الأرضية بهذه الصورة الفجة جدا - على حد سواء فقدنا القدرة على التفكير في المستقبل. ستكون ال 24 ساعة القادمة هي الأهم.هل ستكون هناك احتجاجات في حماه غدا؟ ما هي تصريحات أوباما؟ ما هي تصريحات كاميرون للعالم؟ نظرية الدومينو وضعت للاحتيال فقط. اما الربيع العربي فسيدوم لسنوات لذا نعتقد علي أفضل نحو أنه ليس هناك "نهاية للتاريخ".