سعر الريال السعودي اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالتزامن مع إجازة البنوك وبداية موسم الحج    مصرع أكثر من 29 شخصا وفقد 60 آخرين في فيضانات البرازيل (فيديو)    ارتفاع عدد ضحايا القصف الإسرائيلي على منزلًا شمال رفح الفلسطينية إلى 6 شهداء    تركيا تعلق جميع المعاملات التجارية مع إسرائيل    الخضري: البنك الأهلي لم يتعرض للظلم أمام الزمالك.. وإمام عاشور صنع الفارق مع الأهلي    جمال علام: "مفيش أي مشاكل بين حسام حسن وأي لاعب في المنتخب"    "منافسات أوروبية ودوري مصري".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    10 أيام في العناية.. وفاة عروس "حادث يوم الزفاف" بكفر الشيخ    كاتبة: تعامل المصريين مع الوباء خالف الواقع.. ورواية "أولاد الناس" تنبأت به    اليونسكو تمنح الصحفيين الفلسطينيين في غزة جائزة حرية الصحافة لعام 2024    "نلون البيض ونسمع الدنيا ربيع".. أبرز مظاهر احتفال شم النسيم 2024 في مصر    هل يجوز الظهور بدون حجاب أمام زوج الأخت كونه من المحارم؟    حكم البيع والهبة في مرض الموت؟.. الإفتاء تُجيب    بعد انفراد "فيتو"، التراجع عن قرار وقف صرف السكر الحر على البطاقات التموينية، والتموين تكشف السبب    العثور على جثة سيدة مسنة بأرض زراعية في الفيوم    تعيين رئيس جديد لشعبة الاستخبارات العسكرية في إسرائيل    أيمن سلامة ل«الشاهد»: القصف في يونيو 1967 دمر واجهات المستشفى القبطي    بركات ينتقد تصرفات لاعب الإسماعيلي والبنك الأهلي    مصطفى كامل ينشر صورا لعقد قران ابنته فرح: اللهم أنعم عليهما بالذرية الصالحة    مصطفى شوبير يتلقى عرضًا مغريًا من الدوري السعودي.. محمد عبدالمنصف يكشف التفاصيل    سر جملة مستفزة أشعلت الخلاف بين صلاح وكلوب.. 15 دقيقة غضب في مباراة ليفربول    الإفتاء: لا يجوز تطبب غير الطبيب وتصدرِه لعلاج الناس    محمد هاني الناظر: «شُفت أبويا في المنام وقال لي أنا في مكان كويس»    نكشف ماذا حدث فى جريمة طفل شبرا الخيمة؟.. لماذا تدخل الإنتربول؟    قتل.. ذبح.. تعذيب..«إبليس» يدير «الدارك ويب» وكر لأبشع الجرائم    برلماني: إطلاق اسم السيسي على أحد مدن سيناء رسالة تؤكد أهمية البقعة الغالية    أحكام بالسجن المشدد .. «الجنايات» تضع النهاية لتجار الأعضاء البشرية    رسميًّا.. موعد صرف معاش تكافل وكرامة لشهر مايو 2024    عز يعود للارتفاع.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    فريدة سيف النصر توجه رسالة بعد تجاهل اسمها في اللقاءات التليفزيونية    ملف رياضة مصراوي.. هدف زيزو.. هزيمة الأهلي.. ومقاضاة مرتضى منصور    انقطاع المياه بمدينة طما في سوهاج للقيام بأعمال الصيانة | اليوم    السفير سامح أبو العينين مساعداً لوزير الخارجية للشؤون الأمريكية    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدده    الأرصاد تكشف أهم الظواهر المتوقعة على جميع أنحاء الجمهورية    معهد التغذية ينصح بوضع الرنجة والأسماك المملحة في الفريزر قبل الأكل، ما السبب؟    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    ضم النني وعودة حمدي فتحي.. مفاجآت مدوية في خريطة صفقات الأهلي الصيفية    "عيدنا عيدكم".. مبادرة شبابية لتوزيع اللحوم مجاناً على الأقباط بأسيوط    محمد مختار يكتب عن البرادعي .. حامل الحقيبة الذي خدعنا وخدعهم وخدع نفسه !    الحمار «جاك» يفوز بمسابقة الحمير بإحدى قرى الفيوم    أول ظهور ل مصطفى شعبان بعد أنباء زواجه من هدى الناظر    اليوم.. الأوقاف تفتتح 19 مسجداً بالمحافظات    قفزة كبيرة في الاستثمارات الكويتية بمصر.. 15 مليار دولار تعكس قوة العلاقات الثنائية    سفير الكويت: مصر شهدت قفزة كبيرة في الإصلاحات والقوانين الاقتصادية والبنية التحتية    جامعة فرنسية تغلق فرعها الرئيسي في باريس تضامناً مع فلسطين    الغانم : البيان المصري الكويتي المشترك وضع أسسا للتعاون المستقبلي بين البلدين    مجلس الوزراء: الأيام القادمة ستشهد مزيد من الانخفاض في الأسعار    خالد منتصر منتقدًا حسام موافي بسبب مشهد تقبيل الأيادي: الوسط الطبي في حالة صدمة    برج السرطان.. حظك اليوم الجمعة 3 مايو 2024: نظام صحي جديد    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    بطريقة سهلة.. طريقة تحضير شوربة الشوفان    مدير مشروعات ب"ابدأ": الإصدار الأول لصندوق الاستثمار الصناعى 2.5 مليار جنيه    القصة الكاملة لتغريم مرتضى منصور 400 ألف جنيه لصالح محامي الأهلي    صحة الإسماعيلية تختتم دورة تدريبية ل 75 صيدليا بالمستشفيات (صور)    بالفيديو.. خالد الجندي يهنئ عمال مصر: "العمل شرط لدخول الجنة"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السلطات المحلية في نيجيريا تقرر ترجمة خطاب "الطيب" التاريخي
نشر في المشهد يوم 18 - 05 - 2016

قررت السلطات المحلية في نيجيريا ترجمة الخطاب التاريخي الذي وجهه الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب ، شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين ، إلى الشعوب الإفريقية والمسلمين في العالم أجمع ، مؤكدة أن هذا الخطاب يعزز من قيم التسامح والوسطية والسلام .
وأوضحت السلطات النيجيرية أن هذه الترجمة ستكون إلى عدة لغات على أن يتم التركيز على ما جاء في خطاب الإمام الأكبر في خطبة الجمعة خلال الفترة المقبلة وذلك للتأكيد على سماحة الدين الإسلامي الحنيف .
يذكر أن التليفزيون المصري سيقوم بإذاعة الخطاب التاريخي الذي ألقاه الإمام الأكبر بقاعة المؤتمرات الدولية بالعاصمة النيجيرية أبوجا واستهدف الشعوب الإفريقية والمسلمين في جميع أنحاء العالم .
وفيما يلي نص كلمة الإمام الأكبر إلى الشعوب الإفريقية والمسلمين في العالم أجمع من العاصمة النيجيرية أبوجا :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
في بداية كلمتي هذه يسعدني أن أتقدم بخالص الشكر الجزيل، للسيد الرئيس محمد بوهاري ونائبه الدكتور يمي أوسينباجو، على دعوتي لزيارة دولة «نيجيريا»، والالتقاء بعلمائها ومفكريها ومثقفيها، من أجل توطيد العلاقات الأخوية بين شعب مصر وشعب نيجيريا، وهي كما تعلمون علاقات تاريخية قوية تميزت بالتعاون المشترك على مختلف الأصعدة إقليميا ودوليا ، هذا وتأتي زيارة الأزهر الشريف لتؤكد لكل طوائف الشعب النيجيري العريق، على أن الإسلام الحنيف، كما تعلَّمناه وكما نُعلِّمه لأبناء المسلمين في أروقة الأزهر، هو دين الإنسانية، ودين الأمن والأمان، ودين السلام الإقليمي والعالمي، وأنه لم يكن في يوم من الأيام –ولن يكون أبدًا- دعوة إلى العنف والقتل والثُكل واليُتم والترمل والحزن، والكوارث التي تُلم بالآمنين والوادعين وتكرثهم صباح مساء..
جئنا ليزداد المسلمون هنا علمًا ويقينا وتأكيدًا، وليعلم عنا غير المسلمين، وليتأكدوا أيضًا، أن ديننا هو دين «سلام»، لا أقول يُسالم الناس فقط، بل أقول: إنه يسالم الحيوان والنبات والجماد والكون كله، وأن عقيدتنا في الأديان السماوية هي كذلك أيضًا، فقد نزلت كلها من عند الله تعالى، الذي وصف نفسه في القرآن الكريم بأنه الرحمن الرحيم الودود اللطيف الرؤوف العفو الغفور، الذي يغفر الذنب ويقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن المسيئين، ويعذر من عرف الحق ورجع إليه، وأقرّ بخطئه وندم عليه، وأنه تعالى طيِّب لا يقبل إلَّا طيبًا، ثم هو القادر المقتدر الجبار المنتقم من كل من بغى على عباده، واستطال عليهم، وأراق دماءهم ويتّم أطفالهم ورمَّل نساءهم وفتح عليهم أبواب الحزن والكمد والحسرة والألم، في غير جريرة اقترفوها ولا ذنب ارتكبوه.. وقضى الله ألَّا يُفلت الجُناة من عدالة القوي العزيز التي إن أمهلت فإنها لا تهمل ولا تنسى أبدًا ﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ ﴾{إبراهيم: 42}.
أيها الإخوة الفضلاء!
ما كان يجول بخاطر المسلمين: علمائهم وخاصتهم وعامتهم أن يجئ عليهم يوم يضطرون فيه للتجوال في الآفاق دفاعًا عن دينهم وكشفًا عن جوهره وحقيقته، بعد أن وضعته في أقفاصِ الاتِّهام ظُلمًا وزُورًا طائفة من المُنتَسِبين إليه شَوَّهُوا مُحَياه الجميل ولَطَّخُوا صُورته النقيَّة الرَّاقية، بألوانِ الدِّمَاءِ وصُور الأشلاء، وحَرَِصُوا على أن يبثُّوا مناظر قطع الرؤوس على شاشات الفضائيات العالميَّة، في إصرار لافت للنظر، وفي وحشية لم يعرف التاريخ لها مثيلًا، هذا الإصرار الذي يدل دلالة قاطعة على أن الهدف من هذه البشاعة المتلفزة عالميًّا مُوظَّف لغرض محدَّد، هو: تشويهُ الإسلام عالميًّا، وتصويره بحسبانه دين عنف ودماء وتوحش، وابحثوا عن المستفيد من هذا العبث مِمَّن يقفون وراء هذه الجرائم النكراء، يمدونها بالمال حينًا، وبالسلاح والعتاد والتخطيط حينا، ولا تعدم من يقدم لها غطاء شرعيًّا ضالًّا مُضلًّا حينًا آخر..
أيها الإخوة!
أرجو ألَّا أعيد على مسامعكم كلامًا مكرورًا ومُعادًا لو رُحت أُذَكِّركم بما تعلمونه، بل ربما تحفظونه، عن سماحة الإسلام، واحترامه للآخر المُختلف عنه، دينًا وعقيدةً وجنسًا ولونًا ولغةً، فالمقام وإن كان لا يقتضي البيان إلا أنه –لا شك-يقتضي البلاغ والإعذار والتذكير، لأن هذه الآفة، أو هذا البلاء المبين، أو هذا النبت الشيطاني الخبيث - بدأ يؤتي ثماره المُرَّة في انتشار كراهية الإسلام والمسلمين، بين أبناء الديانات الأخرى، وعامة الغربيين الذين صاروا إلى حال من الحيرة لم يعودوا يعرفون معها وجه الحق والصواب: هل الإسلام هو ما يصوره لهم العلماء المسلمون؟ أو هو ما تصوره لهم شاشات الفضائيات؟. وأمر مؤكد أن المعلومة المصوَّرة أسرع إلى وعي الناس وأثبت في ذاكرتهم من الأقوال المسموعة، والكتابات المقروءة.. لذلك أجدني مضطرًّا إلى أن أضع بين أيديكم بعض الحقائق التي يجب أن يعيها المسلمون وغير المسلمين، والتي يتحتم أن نتنادى بها اليوم لمحاولة الخروج من الأزمات الدموية التي تضرب عالمنا من أقصاه إلى أقصاه، ويدفع ثمنها الفقراء والبسطاء والمساكين، من كل مِلَّة ومن كل مذهب وعقيدة، يدفعون ثمنها دمًا ودموعًا وموتًا وخراب ديار، وفقد أعزة وأحبة وفلذات أكباد..
ولنا أن نطرح تساؤلًا رئيسًا أرى الإجابة عليه إجابة أمينة هي الخطوة الأولى، لاستعادة فهم الإسلام فهمًا صحيحًا، وتصوره تصورًا صادقًا.. هذا السؤال هو: ما علاقة الإسلام بالأديان السماوية السابقة عليه؟ هل هي علاقة توتُّر وارتياب وتوجُّس؟ أو هي علاقة مَودَّة وتآخٍ والتقاء؟
وربما يأخذكم شيء من الدهشة لو أجبت بأن هذا السؤال قد يُنْظَر إليه بحسبانه سؤالًا غير منطقي، لأن الإسلام في لغة القرآن ليس عنوانًا على دين خاص، بل هو «اسم للدين المشترك الذي هتف به كل الأنبياء، وانتسب إليه كل المؤمنين برسالاتهم» ، فقد وصف القرآن الكريم «إبراهيم» عليه السلام بأنه حنيف ومسلم، ومعلوم أن وصف إبراهيم عليه السلام بأنه مسلم ليس باعتباره واحدًا من أتباع الإسلام بمعنى الرسالة المحمدية، التي نزلت بعد إبراهيم عليه السلام بآلاف السنين، كما وصف الأنبياء السابقين بالوصف ذاته، فقال حاكيًا عن إسماعيل وإسحاق: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ﴾ {البقرة: 128}، وعن أبناء يعقوب وهم يخاطبون أباهم: ﴿نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾{البقرة: 133}، وعن نوح: ﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾{يونس 72}، وعن موسى: ﴿يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ﴾ {يونس: 84}، وعن حواريي عيسى ابن مريم:﴿ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ {آل عمران: 52}.
وترتيبًا على هذه الحقيقة يقرر القرآن الكريم حقيقة أخرى تبين اشتراك رسالة الإسلام مع الرسالات السابقة في الجوهر والحقيقة والمضمون، وأن الله تعالى لم يشرع للمسلمين دينًا جديدًا، بل أوحى إليهم بما أوحى إلى الأنبياء والرسل والأمم السابقة عليهم: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ﴾ {الشورى: 13}، والقرآن مصدق للكتب الإلهية السابقة عليه، وفيه وصف لكل من التوراة والإنجيل بأنه هدى ونور للناس، كالقرآن تمامًا بتمام فقال: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا ﴾ {المائدة: 44}، وقال: ﴿ وَآَتَيْنَاهُ اْلإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ﴾ {المائدة: 46}. كما بيَّن أن كل لاحق من هذه الكتب الثلاثة المنزلة مصدق للسابق منها، وقد صور النبي -صلى الله عليه وسلم- علاقته بالأنبياء السابقين عليه، على ما بينهم من تقادم الزمان وفواصل المكان، في عبارات بالغة الروعة والجمال يقول فيها: «أنا أولى الناسِ بعيسى ابنِ مريمَ في الدنيا والآخرةِ، والأنبياءُ إخوةٌ لِعَلَّات، أمهاتُهم شتَّى، ودينُهم واحدٌ»، أي: أن الأنبياء يشبهون إخوة من أب واحد وأمهات شتى، والأب الواحد في هذا التصوير البديع هو الدين الذي يجمعهم، والأمهات التي تفرقهم هي الشرائع التي تختلف، حسب اختلاف الأقوام وتطورات الأزمان والأحوال التي يُبْعث فيها الأنبياء والمرسلون.. ونحن نحفظ في هذا المجال القاعدة الشهيرة «شرع مَن قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ».
ولعلي لا أبالغ لو قلت إنه تأسيسًا على موقف القرآن الواضح وضوح الشمس من الأديان والأنبياء والكتب الإلهية السابقة عليه، لا يبقى مجال للسؤال عن علاقة الإسلام بالأديان الأخرى، لأن هذا السؤال - حالتئذ- يشبه أن يكون سؤالاً عن العلاقة بين الشيء ونفسه، وهو أمر يرفضه العقل الرشيد والمنطق السديد..
وقد تسألونني: إذا كانت علاقة الإسلام بالأديان السماوية هي ما سمعنا من المودة والاحترام المتبادل والإنصاف وحفظ الحقوق، فماذا عن أتباع الملل والمذاهب الخلقية والوضعية؟ وجوابي أن القرآن الكريم، إن كان قد فصَّل القول في ضبط علاقة المسلمين باليهودية والمسيحية، فلأنهما كانا يمثلان أكبر دينين سماويين يعرفهما الناس في شبه جزيرة العرب، وما جاورها من حواضر الفرس والروم، أمَّا بقية الأديان الأخرى كالهندوسية والبوذية والكنفوشْيوسية وغيرها، فقد كانت أديانًا مجهولةً عند العرب، ومع ذلك وسعتها نصوص القرآن الكريم والسنَّة النبوية حين قررت هذه النصوص قاعدة عامة تحكم علاقة المسلمين بغيرهم، وحصرتها في علاقة البر والقسط مع أبناء أي ملة أو مذهب أو فلسفة ما داموا لا يعتدون على المسلمين أو يخرجونهم من ديارهم: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ {الممتحنة: 8-9}، «والأساس الذي ترتكز عليه هذه الرؤية القرآنية الشاملة هو أن القرآن ينظر إلى الناس جميعًا نظرة متساوية، وأنهم أبناء أب واحد وأم واحدة، وأن غير المسلم إما أخ للمسلم في الدين أو نظير له في الإنسانية، فهاهنا وحدة إنسانية يتعارف بعضُها ببعض، ولا تفاضل بين أفرادها إلا بالعمل الصالح».
أيها السادة!
لا يمكن لدين يقوم على نصوص محكمة كالتي ذكرناها، أن يوصف بالعنف والإرهاب والقتل، ومن الظلم البيِّن، بل من الخطل في الرأي أن تُحاكم الأديان إلى تجاوزات القِلَّة الجاهلة من أبنائها، من الذين عموا وصموا وضلوا وأضلوا، ومن الأفضل لغير المسلمين أن ينصفوا وينفوا عنه المزاعم الباطلة، وإلَّا لن يسلم دين من الأديان الإلهية من تهمة الإرهاب وشن الحروب على الآمنين باسم هذا الدين أو ذاك.
وهنا تمس الحاجة للتعرف على فقه الإسلام في تكييف العلاقة بين المسلمين وغيرهم، وهل هي علاقة السلام أو علاقة الدم؟ والإجابة على هذا السؤال تستلزم أولًا الإشارة بإيجاز –أرجو ألَّا يكون مخلًّا –إلى دلالات بعض النصوص القرآنية المحكمة على قوانين إلهية حاكمة لهذا الأمر.. وأول ذلك: ما يمكن أن نسميه قانون الاختلاف، أو مشيئة الله تعالى في أن يخلق عباده مختلفين، وانه لو شاء أن يخلقهم مجتمعين على دين واحد أو لون واحد أو لغة واحدة لفعل، لكنه لم يشأ ذلك، وشاء عكسه، وهذا هو نفس الأمر وواقع الوجود وحقائق الأشياء، ونحن نعلم أنه لا يوجد اثنان يمكن أن يتفقا في بصمة الأصابع أو بصمة الأعين، والقرآن إذ يؤكِّد حقيقة الاختلاف هذه يؤكِّد أيضًا على بقائها ما بقي الناس:﴿ وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾..
وإذن فاختلاف الناس سُنَّة إلهية يقررها القرآن في نصوص محكمة، ومقتضى ذلك أن تجئ العلاقة بين المختلفين متوائمة ومتسقة مع طبيعة الاختلاف والتباين، ولا تضاده ولا تنقضه، إذ ليس من المعقول ولا من الحِكمة في شيء أن يريد الله اختلاف الناس ثم يأمر باكراه الناس على ما ينقض فطرتهم التي طبعهم عليها، أو يأمر بقتالهم ليضطرهم إلى الكدح إلى ما يخالف مشيئته فيهم.. وهنا يقرر القرآن حرية العقيدة، وأنه:﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾،﴿ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ﴾، ﴿أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ﴾، ﴿وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾، ﴿لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ﴾.
وهنا -أيضًا – تأتي إجابة القرآن على سؤالنا عن العلاقات الاجتماعية والدولية في الإسلام لتقرر أنه إذا كان الله قد خلق الناس مختلفين ومنحهم ما يترتب على ذلك من حق حرية الاعتقاد فلا مفر من أن تكون العلاقة هي علاقة السلام، أو علاقة «التعارف» بلُغة القرآن الكريم.. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾{الحجرات: 13}.
وهكذا تترتب القضايا الكبرى في القرآن الكريم ترتيبًا منطقيًّا لا مجال فيه لتأويل أو تحريف، الاختلاف في الطبائع المستلزم لحرية الاعتقاد، المستلزمة بدورها لعلاقة السلام بين الناس.. ومن هنا كان الإسلام هو دين السلام بامتياز، كما كان دين المساواة بامتياز، وإذن فليس صحيحًا ما يُقال وما يطبَّق للأسف الشديد الآن من أن سبب مشروعية القتال في الإسلام هو كفر الآخرين، فهذا كذب محض على الإسلام وعلى سيرة رسول الإسلام، والحق الذي يجب قوله وتتحتم معرفته في هذه القضية هو أن مشروعية قتال الآخر في الإسلام هي ردّ «الاعتداء والعدوان»، وليس الكفر أو عدم الإسلام أو الخلاف في الدين، وإلَّا فكيف نصَّت كل كتب الفقه التي حفظت لنا أحكام الفتوحات على حق بقاء أهل البلاد على أديانهم وتمتعهم بكامل حقوق المواطنة، وتطبيق قاعدة: «لهم ما لنا وعليهم ما علينا»، ولم يحدثنا التاريخ بفتح واحد من فتوحات الإسلام خيَّر المسلمون فيه أهل البلاد بين أمرين: إمَّا الإسلام وإمَّا السيف، وكان الخياران على قدم المساواة لا إكراه فيهما على قبول الإسلام، ولا إرغام على نبذ المسيحية أو اليهودية، وهذا ما يُقرره كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن والذي يقول فيه «إِنَّهُ مَنْ كَانَ عَلَى يَهُودِيَّةٍ، أَوْ نَصْرَانِيَّةٍ، فلا يُفْتَنُ عَنْهَا» وفي رواية عبد الرزاق، «مَنْ كَرِهَ الْإِسْلَامَ مِنْ يَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ، فَإِنَّهُ لَا يُحَوَّلُ عَنْ دِينِهِ»، وتطبق كتب التفسير على أن آية «لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ» نزلت في رجل من الأنصار كان له ابنان نصرانيان وكان هو رجلا مسلما فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: «ألا أستكرههما فإنهما قد أبيا إلا النصرانية؟» فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ونزلت الآية الكريمة. ولا عبرة بعد هذه النصوص القاطعة، والمطبقة على الواقع من النبي صلى الله عليه وسلم نفسه لا عبرة بعد ذلك بالفهوم السقيمة والمغرضة والمغلوطة التي تصور الإسلام في صورة الدين المتعطش لسفك الدماء وهتك الأعراض وأسر الحرائر، وخطف الصغيرات وعرضهن للبيع في الأسواق في مشهد يندى له الجبين وتنتحب عليه الفضائل والشرائع والأديان.
.. .. ..
السَّاَةُ العُلَمَاء!
ولعلكم تتفقون معي في أنه لا مفر –لنا الآن-من أن يعلو صوت الفقه الصحيح الذي درج عليه المسلمون قرونًا متتالية وأعمارًا متطاولة، ولا مفر من أن ينزل العلماء للواقع، ويمسكوا بأيديهم أزمة الفتوى في الدين، ولابد لعلماء المسلمين من تحمل مسؤولياتهم في توضيح حقيقة هذا الدين دعوته الواضحة للأخوة والتعارف والسلام بين الناس شرقًا وغربًا، ولتحريم دماء الناس وأعراضهم وأموالهم تحريمًا لا نكاد نجد له نظيرًا في غير هذا الدين، فالإسلام منفرد في باب تشديد العقوبة على القتل العمد في الدنيا قبل الآخرة..
ولا مفر لنا أيها العلماء الأجلاء من أن نستعيد فقه الاختلاف «الصحيح»، وأعني به اختلاف التنوع والثراء الذي كان من أقوى عوامل نهضة الأمة الإسلامية، لنفرق بين الاختلاف المحمود والاختلاف المذموم، الذي أصاب فقه الأمة في مقتل، وانقلب معه الظني إلى قطعي، والمتشابه إلى مُحكم، وخفيّ الدلالة إلى واضح الدلالة، والعام إلى خاص، وأن نستعيد على ضوء هذا الفقه الأصول المشتركة التي التقى عليها المسلمون عقيدة وشريعة، بحثًا وتأصيلاً، وأن نترك الناس وما نشؤوا عليه مما أجمع عليه علماء الأمصار وأهل البلاد، وأن يكون ما أجمعت عليه الأمة هو فيصل ما بين الصواب والخطأ، وألا نحدد للناس مذهبًا واحدًا في العقيدة والعبادة نفرضه عليهم ثم نغريهم به بالترغيب مرة وبالترهيب مرة أخرى، وأنْ نُعَلِّم أبناءنا كيف أن السلف الصالح بدءًا من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وطيلة القرون المفضلة اختلفوا لكنهم لم يفترقوا.. وأن فوضى الاختلاف المنفلت من ضوابط العلم، هو الذي بعث في المسلمين نزعات التكفير والتفسيق والعنف، ومكَّن قوى متربصة من محاولات العبث بوحدة هذه الأمة.
السادة الأجلاء!
أعلم أني قد أفضت قليلًا أو كثيرًا في بيان أمور معلومة لحضراتكم، لكنها في أغلب الظن غير واضحة في أذهان الكثير من شبابنا، وبخاصة طُلَّاب الجامعات من المسلمين وغير المسلمين، ولا أعلم –حتى الآن – مقرَّرًا دراسيًّا جامعيًّا أو ما قبل جامعي، ناقش هذه القضايا وهي كثيرة، نقاشا جادًّا، يُجلِّي حقائقها ويزيل اضطراب مفاهيمها وأغاليطها من أذهان الشباب، ويعصمهم من الوقوع في براثن دعوات العنف المسلح باسم الإسلام، وقد بدأ الأزهر الشريف منذ العام الماضي بتقديم مقررين لطلاب المعاهد الأزهرية للتصدي لقضايا الإرهاب ، مثل: التكفير ، والهجرة، والحاكمية، والجاهلية والخلافة وسائر القضايا التي يوظفها الإرهابيون ،هذا ، بالإضافة إلى قوافل السلام التي تجوب العالم ، وكان آخرها في نيجيريا أبريل الماضي، وتدريب الأئمة والدعاة من مختلف بلاد العالم في رحاب الأزهر الشريف ، وكذلك المؤتمرات التي شارك فيها أبرز علماء المسلمين من بلدان العالم ، ومنهم علماء نيجيريا وعلى رأسهم سماحة المفتي الشريف إبراهيم صالح الحسيني مفتي الديار النيجيرية.
أيها السادة أعتذر عن الإطالة، وأختم كلمتي بأن زيارة الأزهر هي زيارة في رحاب شعب نيجيريا الكريم بكل أطيافه وعناصره، لدعم وحدته واستقراره ونهضته العلمية والتعليمية، وهي نهضة قوية ستعود بإذن الله تعالى للخير والنماء والتقدم العلمي والتقني، على كل ربوع أفريقيا، ويستعيد بها الشعب النيجيري ماضيه المجيد في الجمع بين علوم الدين والدنيا في تناغم وانسجام.
وإن الأزهر ليسعده أن يقدم كل ما يدعم هذه المسيرة الحضارية ، وقد تعلمون أنه يدرس بالأزهر الشريف أكثر من ثلاثة آلاف وخمسمائة طالب وطالبة من أبنائكم، منهم أكثر من أربعمائة طالب على منح من الأزهر الشريف، ومنذ سنوات والأزهر يخصص ثلاثين منحة كل عام لأبنائكم، وبمناسبة هذه الزيارة قرر الأزهر الشريف زيادة المنح الدراسية إلى خمسين منحة كل عام للطلاب الذين يرغبون في الدراسة بجامعة الأزهر،على أن توجه هذه الزيادة إلى الكليات العلمية كالطب والصيدلة والهندسة وغيرها، هذا والأزهر الشريف ببعثاته التعليمية والدعوية ينشر الفكر الديني السليم البعيد كل البعد عن الأفكار الطائفية البغيضة التي تثير الأحقاد وتزرع الفرقة والشقاق بين أبناء الشعب النيجيري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.