الرواية العربية لن تضع مساحيق تجميل لواقعنا المأساوي؛ في رسالة مناقضة تماما لإحسان عبد القدوس في رائعته " أنا لا أكذب ولكني أتجمل"؛ هذا ما وقر تماما في نفسي؛ عقب الندوة التي نظمها اتحاد كتاب وأدباء الإمارات؛ احتفاءً بالمرشحين الْسِت لنَيل جائزة البوكر العالمية للرواية العربية، فقد طغى المشهد العربي بأجوائه المأساوية؛ وهيمنت قضاياه العامة الوطنية والسياسية والجماهيرية على مضمون معظم الروايات المتقدمة هذا العام، وامتد التناول ليشمل الذات الإنسانية والأسئلة الوجودية والفلسفية؛ مما يعكس حال قلق المُبدع تجاه الأزمات التي تعصف به وبالعالم العربي؛ وهي أزمة هوية ووجود ومعاناة عميقة، تَمثل ذلك في الوضع العراقي المُقَسّم والمُشَرذم، والثورة المصرية وأثرها على الوطن اجتماعيا وسياسيا، وسورية التي تخضع لآلية التدمير على يد الميليشيات الأصولية والنظام في آن، ولبنان الراذح تحت وطأة الاضطراب الوجودي، كذاك الوضع الفلسطيني وقضية الهوية في الداخل والخارج، ومحاولة التشبث بالذاكرة والتى تلعب المرأة فيها دورا لافتا. تِسْعُ سنواتٍ هي عُمر جائزة البوكر العالمية للرواية العربية؛ مُذ أطلقتها ابوظبي بالشراكة مع " مؤسسة جائزة بوكر" البريطانية؛ حتى أضحت أهم جائزة أدبية عالمية عربية يسعى الأدباء للحصول عليهأ، حيث يتم ترشيح ستة روايات من القائمة الطويلة المُقدمَة؛ تدخل بعدها مرحلة التصفية النهائية: "القائمة القصيرة" لاختيار الفائز بجائزة قدرها خمسين ألف دولار أمريكي، لتتم ترجمة روايته للغات الأجنبية، وتسليط الضوء عليها لنشرها عالميا، بينما يحصل باقي المرشحون الست على عشرة آلاف دولار. في تطواف سريع مُختزل؛ نُبحر حول أهم المشاريع الإنسانية المُقَدمة في الروايات المُرَشَحة... ففي سابقةٍ هي الأولى من نوعها؛ يتم ترشيح الكاتب الفلسطيني محمود شُقيرالمُقيم بالقدس؛ ليكون ضمن المرشحين الست في القائمة القصيرة على مدى عامين متتاليين، لذا تعلو التكهنات بأن تفوزروايته "مديح لنساء العائلة" ببوكر هذا العام، الرواية تمثل مشروع البحث عن الذاكرة الفلسطينية الصافية، والممتدة منذ الانتداب البريطاني حتى النكبة، وتسعى إلى تجذير الذاكرة؛ من خلال الحكايات المتوارثة التي تحضر فيها المرأة بقوة. أما "مصائر.. كونشرتو الهولوكست والنكبة" للكاتب الفلسطيني كذلك ربعي المدهون؛ فهي تطرح مسألة حق العودة؛ والهوية الفلسطينية المنفصمة في الداخل وفي الشتات، فالفلسطينيون في الداخل فُرضت عليهم الهوية الإسرائيلية رغما عنهم، أما فلسطينيو الخارج فيعيشون في حال من الحنين إلى أرض لم يبق منها إلا الذكرى. "سماء قريبة من بيتنا" للكاتبة السورية شَهلا العجيلي؛ تستعيد في روايتها اللعنة القدرية- على حد تعبيرها - التي حَلَّت بسوريا مذ الانتداب الفرنسي؛ ومرورا بحكم البعث الذي صادر البشر والأملاك؛ وُصُولا للظلاميين الإرهابيين الذين يعيثون في سوريا خرابا، لا سيما منطقة الرِقَّة ومدينة حلب، وقد جمعت الرَّاوِيَة بين مرض السرطان الذي يضرب جسد البطلة المُقتلعة واللاجئة إلى الأردن؛ وبين السرطان العام الذي يضرب جسد الوطن؛ وتُلقي الكاتبة نظرة قريبة على الأحداث في سوريا وفلسطين والعراق وصربيا وفيتنام. "عطارد" للروائي المصري محمد ربيع؛ وفيها يجمع بين الفانتازيا والتخييل؛ ليُصَوِّر حال الخراب- على حد وصفه- الذي نتج عن الثورة المصرية، ويرى مشهدا كابوسيا سيحل بمصر بعد عشر سنوات من عمر ثورة يناير، وأن القاهرة مُرشحة لأن تصبح الجحيم بِعَينه؛ وذلك من خلال رؤية البطل الذي هو أحد أفراد الشرطة المصرية. أما الروائي اللبناني جورج برق بروايته " حارس الموت"؛ فيدخل الواقع اللبناني -الذي دمرته الحرب الأهلية- من خلال بطل روايته الذي يعمل قناصا، ثم يترك سلاحه بعد وفاة صديقه في ظروف غامضة، ويبحث عن عمل آخر؛ فلا يجد إلا في ثلاجة موتى بإحدى المستشفيات، فيقترب بصورة أكبر من الموت، لتصبح الثلاجة والجثث المجمدة نوعا من الحالة المجازية التي تُمثل خير تمثيل للوضع اللبناني الراهن. وإلى حيث يتقابل ضياع الشخصية مع ضياع الهوية الجماعية؛ تنقلنا رواية "نوميديا" للروائي المغربي طارق بكاري؛ إلى مأساة الفرد في مواجهة ماضٍ من الذل والاقتلاع الاجتماعي، فيقرر الانتقام بالعشق؛ عبر أربع مغامرات عشقية مفتوحة؛ نتعرف من خلالها على الواقع التاريخي والسياسي والديني للمغرب، إلى أن ينتهي إلى الوقوع في حب فتاة أمازيغية تنتمي بدورها إلى طبقة مهمشة مأزومة. جدير بالذكر أن الجائزة فاز بها على مدار السنوات السابقة: بهاء طاهر عن روايته "واحة الغروب" عام 2008، ويوسف زيدان " عزازيل" 2009، وعبده خال "ترمي بِشَرَر" 2010، محمد الأشعري " القوس والفراشة" مناصفة مع رجاء العالم " طوق اليمامة" ،2011 وربيع جابر "دروز بلغراد" 2012، سعود السنعوسي "ساق البامبو" ،2013 أحمد سعداوي "فرانكشتاين في بغداد" 2014، شكري مبخوت "الطلياني" 2015 . اتحاد كتاب وأدباء الإمارات يحتفي بالروايات الست المرشحة للبوكر العالمية اتحاد كتاب وأدباء الإمارات يحتفي بالروايات الست المرشحة للبوكر العالمية