تكتب : على شفا منحدر تعثرت كثيراً فى الكتابة هذه المرة وكأن هاتفاً خفياً بداخلى يقول : " لا تبوح .. لا تبوح " وقتها شعرت أن قلمى أكثر حساسية واستجابة منى فى تلبية هذا النداء العجيب الذى لم اتمكن من رصد مصدره داخلى، كان يشبه صافرة إنذار فحسب دون كشف الأسباب، فإذا بالقلم يزمجر، ويعلن عصيانه فى وقت حرج ويضعنى أمام نفسى فى اختبار ليرى إذا ما كنت سأنصاع له أم سأتجاهل تخليه عنى وأمضِ؟ لم أجد سبيلاً لى سوى أن ألوذ بالنوم كى أصفع كافة الأفكار التى داهمتنى، ربما استيقظت وعقدت هدنة مع (قلمى) المتوجس، الذى يعطى وزناً دائماً للرسائل الخفية التى يتلقاها فى غياب وعيي.. والواقع لا يمكننى تجاهل حدسه، فهو يستشعر ما يغيب أحياناً عن محيط إدراكى، لذا كان يجب أن أستضيفه أولاً فى جلسة بوح، ثم أقرر بعدها إذا ما كنت سألبى هذا النداء الغامض ب (عدم البوح)، الذى آتانا من حيث لا نحتسب.. ربما أمكننى فك اللغز وهدهدة مخاوفه.. ربما !! يا صديقى.. لمَ تستعصِ علىَ ؟ أتخشى شيئاً ؟ قال لى: " نعم .. فالعيون تتربص والعقول تستحكم.. والجميع يتأهب لكى يطيح بالرأى الأخر إلى فوهة بركان، ستبتلع يوماً ما الأخصر واليابس.. انتظرى فحسب، ربما أتت لحظة انقشع فيها الشتات واتحدت فيها الرؤى وتخلى المصريون عن مسلسل التخوين الذى يُدار بحرفية واضحة على مدار خمس سنوات مضت" أطلقت تنهيدة طويلة وقلت له : " ماذا أصابك ؟ أبلغنى ؟ وما أدراك بنواياى فى البوح ؟ ألم نعتزل معاً عالم السياسة منذ أمد ؟ ألا ندور فى موكبنا الخاص بعيداً عن الجلبة والضوضاء حتى ينتهى العرض وتُسدَل الستائر ؟ لمَ انتفضت جَزِعاً الأن ؟ " جاءتنى ردوده مختنقة حبيسة تفضى بما يعانيه من حصار نفسى عنيف جراء صمته الطويل.. اقترب من أوراقى وسطر بدموعه لا بأحباره : (بلادى على شفا منحدر سحيق.. والصخب الأسود يلف جوانبها.. تدور حول نفسها فى طواف الدراويش.. وتنتظر وحى السماء كى ينتشلها من جلبة أوشكت أن تصيبها بالصمم.. واحتراق كاد يلتهم ردائها.. وصراع يحتل ذرات الهواء من حولها.. من ذا الذى يمكنه الصمت وسط أجواء الموت يا صديقتى؟ قد يكون موتاً بطيئاً طويلاً كالذى يلاقيه المصاب بالغيبوبة، لكن القلب سيتوقف معه يوماً ما من طغيان الهموم والتفاف الأطماع وتفتت الشعب واختفاء مركب "الثقة" من حياتنا بغير رجعة) اتكأت بظهرى الى الخلف وتمنيت لو أننى ما طاردته بأسئلتى وكشفت ستر أوجاعه وأفرغت مكنونات نفسه الضائقة المتوجسة، وتيقنت من كونى أفسدت عليه ذلك الخدر المؤقت السارى بأوصاله جراء ذلك الهاتف الخفى الذى أوصاه بالصمت. وهاتفته مواسية : " يا صديقى إذا ما توقفنا عن البوح سنكون أيضاً نواجه الموت البطىء الطويل.. دعنا لا نرهب الصدام بل ندعو بالوئام والتلاحم.. وأن يحمى الله مصر ليس من المصريين بل من أعدائها الكلاسيكين والمُستحدَثين الذين يتلاعبون بسيكولوجية هذا الشعب الذى إذا ما توحدت رايته سحق الجميع كعادته دائماً " المشهد .. درة الحرية المشهد .. درة الحرية