رغم تسليم السلطة بشكل كامل من قبل حكومة ما يُعرف بفجر ليبيا، بقيادة خليفة الجويل، التي تحكم في طرابلس منذ صيف عام 2014 وغير المعترف بها دوليا، إلى فايز سراج رئيس حكومة الوفاق الوطني المنبثقة عن اتفاق الصخيرات بالمغرب، ما زال شبح العنف وبوادر الانقسام تخيم على ذلك البلد الواقع إلى الغرب من مصر، والذي يعيش منذ 5 سنوات فوضى غير مسبوقة حولته إلى صومال كبير كما تصفه الصحف الغربية. فجر ليبيا وهي كتلة عسكرية-سياسية، نشأت تحت مسمى الحفاظ على مكتسبات ثورة السابع عشر من فبراير التي أطاحت بمعمر القذافي من الحكم أواخر عام 2011، كانت ترفض حتى اللحظة الأخيرة تسليم السلطة لحكومة سراج المدعومة من الأممالمتحدة، علما بأن حكومة الوحدة الوطنية التي يقودها سراج لها مهمة أساسية ممثلة في عقد مصالحة بين حكومة طرابلس وحكومة طبرق المعترف بها دوليا، وتعيش ليبيا فوضى عارمة منذ عامين بسبب مواجهات مسلحة على الأرض بين الميليشيات المسلحة الموالية لكل حكومة، ويكمن السر في قبول حكومة الجويل بتسليم السلطة في أن الفصائل المسلحة الرئيسية بطرابلس أعلنت موالاتها لسراج وحكومته.
انتصار سياسي
وإذا كان الانتصار السياسي قد تحقق لسراج بشكل شبه كامل في طرابلس (غرب ليبيا)، فإن الأمر ليس كذلك في الشرق المعروف باسم برقة، وتبدو التفاصيل غاية في الأهمية في هذا الإطار، حيث إن برلمان طبرق فقط من الشرق هو من أعلن تأييده لحكومة سراج، ولكن هناك عسكريين يرفضون إبداء أي نوع من الدعم وهم أنصار الجنرال خليفة حفتر القائد العام للجيش الليبي، وحسب ما يوضح محمد الجارح، الباحث الليبي في معهد أتلانتك الأمريكي للعلوم السياسية، فإن «حفتر هو الرجل الأكثر شعبية في الشرق، وأنصاره يريدون ضمانات بأن بطلهم الذي يخوض حربًا على الإرهاب لن يُطاح به من منصبه»، وتكمن المعضلة في أن غالبية الميليشيات المسلحة في الغرب تطالب برحيل حفتر باعتباره «انقلابيا» بينما سيكون المساس به مضرًّا بفايز سراج وحكومته في الشرق على مستوى الشارع والقيادات العسكرية على حد سواء.
وتبدو المسألة أكثر تعقيدًا وحساسية إذا علمنا أن الشرق الذي يحتوي على ثلثي بترول ليبيا تتملكه نزعة انفصالية منذ عامين، ومن المرجح أن تلك الرغبة في الانفصال ستتأجج من جديد حال وقوع أي مواجهة بين حفتر رجل الشرق وسراج رجل الغرب، وبحسب تصريح عوض عبد الصادق نائب رئيس المجلس الوطني العام، التابع لحكومة طرابلس المنحلة، لصحيفة لوموند الفرنسية، حيث يحذر من أن «ليبيا تواجه خطر الانشطار إلى نصفين». بعبارة أخرى فإن الشرق الغني بالبترول قادر على زعزعة الاستقرار المالي للغرب وإضعاف حكومة من المفترض أنها مركزية ويعول عليها الغرب في تكوين ميليشيات موحدة لمحاربة ما يُعرف بتنظيم الدولة الإسلامي «داعش».
وفي المقابل لو ترك فايز سراج الجنرال حفتر على رأس الجيش فإنه من المتوقع أن يدخل في صدام مع ميليشيات الغرب، وبعيدًا عن الجنرال حفتر فإن بقاء تلك الميليشيات في حد ذاته يهدد استمرار حكومة سراج، حيث إن لتلك الميليشيات مخصصات مالية ومناطق نفوذ ليس من السهل أن تتنازل عنها، وهو ما يُنذر بصدام داخلي في الغرب.
مع زيادة الانقسام السياسي في ليبيا وفي ظل حرب أهلية تدور في البلاد، باتت مواقع التواصل الاجتماعية التفاعلية وسائل لتعميق الصراع وتغذية أحداث العنف بين الليبيين بتوجهاتهم المختلفة، حيث انتقلت الخلافات والصراعات من الأرض إلى الفضاء الافتراضي العصي عن المراقبة والعكس صحيح.
مواقع التواصل
طلال بن عيسى، وهو طالب بكلية الهندسة ببنغازي، أعرب عن أسفه عن تحول مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما فيسبوك، إلى مساحات لتعزيز الفوضى وتأجيج الفتنة وتصفية الحسابات سواء بين الأطراف السياسية أو بين الأشخاص أو حتى بين القبائل، وهو أمر يراه أنه يعكس الواقع.
وقال في مداخلة لمحطة CNN الأمريكية «المواقع الاجتماعية تعج بالعديد من الصفحات المشبوهة والحسابات الوهمية، أكيد هناك ميليشيات إلكترونية تقف وراءهم هدفها نشر الكراهية والاضطرابات والرفع من منسوب التفرقة بين فئات الشعب الليبي لغايات عديدة، وما يؤسف فعلا هو أن لديهم الكثير من المتتبعين والمعجبين وأن العديد من الليبيين يصدقون ما ينشر في هذه الصفحات مما يجعلهم ينساقون وراء هذه المضامين ويتفاعلون معها لتكون النتيجة سلبية، مثلما نشاهده اليوم وما يحصل في ليبيا وهو راجع بدرجة كبيرة إلى ما تبثه مواقع التواصل الاجتماعي خاصة الفيسبوك».
أما حمد الشبلي أبو أحمد، المدرس بإحدى ثانويات مدينة الزاوية، فقال إن الفيسبوك هو المساحة الاجتماعية الأكثر استعمالا في ليبيا، وهم ما يعني أن كل خطابات العنف تمر عبر هذا الموقع، معتبرا أن العنف الافتراضي طوال السنوات الماضية مثل خطرًا كبيرًا، وكان له دور في رسم وبلورة مستقبل الدولة، مشيرا إلى أن «في ليبيا تم اغتيال كثير من النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان انطلاقا من الشبكات الاجتماعية عندما قاموا بتتبعهم ورصد تحركاتهم انطلاقا من حساباتهم الشخصية، بالإضافة إلى أعمال أخرى وجرائم، وحقيقة كل من عاش فظاعتها لا يصدق أن هذه الأعمال تم التحريض عليها وتنظيمها عبر شبكات التواصل الاجتماعي».
وأرجع الشبلي الانفلات في وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن أغلب مستخدمي الشبكات التكنولوجية الحديثة في ليبيا هم من فئة الشباب الذي ينقصهم النضج والثقافة الكافية والاتزان، وتسيطر عليهم حالات الانفعال وهو ما يجعلهم مستعدين للاستجابة والانجرار لأية دعوات عنف ضد الآخر المختلف سياسيا، مضيفا أن المواقع الاجتماعية تعدّ سلاح ذا حدين ويمكن أن تتحول إلى نقمة وأداة مخيفة إذا أسيء استخدام حرية تدفق المعلومات فيها وتم تسخيرها للهدم وإثارة الفوضى.
بسبب تلك المعطيات المعقدة كانت تصريحات مارتن كوبلر، مبعوث الأممالمتحدة إلى ليبيا، بنبرة لا تحمل الكثير من التفاؤل، حيث دعا إلى التعجيل بتسليم السلطة بشكل كامل إلى حكومة الوفاق، التي وصلت إلى طرابلس منذ أيام، محذرًا من أن اتفاق السلام الهش القائم في المدينة قد لا يصمد إذا لم تتمكن الحكومة الجديدة من تحقيق إنجازات.