عامان ونصف على الثلاثين من يونيو ومنذ ذلك اليوم والشاشات والصحف والمواقع الإلكترونية تملأ الأرض ضجيجاً عن المتأمرون على الوطن.. الشباب الشباب الشباب ... إمسك شباب .. الشباب متأمرون .. الشباب ممولون .. حتى أصبحت كلمة شاب تهمة تلاحق صاحبها! منذ بداية إعطاء الأوامر لتلك الجوقة الإعلامية بتكسير عظام الشباب وذبحه شعبياً ووضعه في خانة الإتهام بالتأمر؛ كانت المؤامرة الحقيقية تحاك في مكاتب من يحملون على عاتقهم والمنوط بهم كشف المؤامرات، وحاكوا مؤامرة تلو الأخرى حتى خرجوا لنا بالبرلمان. قبل يومين خرجت شهادة صادمة ليست لمن لم يكن لهم القدرة الكافية على قراءة المشهد خلال العامين الماضيين فحسب.. بل لمن كان على دراية تامة بما يحدث لكن التفاصيل صادمة ومدوية وفاضحة لحجم الخلل الهائل في أحد أهم أجهزة الدولة. يقول الدكتور "حازم عبد العظيم" الشاهد على مؤامرة كان جزء منها دون أن يدري.. في جزء من شهادته: (1) التاريخ: الثلاثاء 3 فبراير 2015 – الساعة السابعة مساءا. المكان: قاعة اجتماعات داخل جهاز المخابرات العامة المصرية في دور أرضي. الغرض من الاجتماع: الإعلان عن قائمة انتخابية جديدة لخوض انتخابات مجلس النواب. الحضور: على رأس الطاولة وكيل من الجهاز مع أربعة من رجال المخابرات (ثلاثة منهم شباب بين ال30 وال 40 عاما) وعلى الطرف الآخر مستشار قانوني مقرب جدا من الرئيس والده عضو مجلس النواب من المعينين – احد المساعدين في مكتب الرئيس برئاسة الجمهورية وهو صاحب الدعوة لي بالحضور – والباقون حوالي 15 من الشخصيات العامة المؤسسة لهذه القائمة وكنت أحدهم. من كان يدير الجلسة و يوجهها هم وكيل جهاز المخابرات من ناحية والمستشار القانوني من ناحية أخرى.. تم توزيع أوراق على جميع الحاضرين بها اسم القائمة و وثيقة مبادئ تعبر عن القائمة الانتخابية الجديدة ! وكانت "حب مصر" والأخت الكبرى "دعم مصر" هي المولود في هذا الاجتماع.. نعم داخل جهاز المخابرات العامة المصرية، وسبب حضوري الاجتماع كان بناءا على دعوة موجهة لي من رئاسة الجمهورية . واليكم القصة : ففي مطلع يناير 2015 اتصل بي احد المساعدين المقربين لرئيس الجمهورية ربما يكون الثالث في الرئاسة فالرجل الثاني الوسيم اختفى تماما ولا نسمع عنه شيئا ! وكنا سويا في حملة الرئيس وقال لي انه يريد مقابلتي لأمر هام جدا في الاتحادية مع رئيسه وهو الرجل الكبير في الرئاسة ! وذهبت الى الاتحادية في الساعة الخامسة يوم الأحد 4 يناير 2015 بحضور اثنين من مساعدي الرئيس واعتذر الرجل الكبير لان لديه ارتباطات مع الرئيس وابلغني تحياته نيابة عنه ! "نحن نريدك في موضوع في غاية الأهمية عن الانتخابات البرلمانية القادمة وهي على الأبواب" .. بدأ حديثه .. "لقد كنت في اجتماع على مستوى عالي وجاء الحديث عن أخطر لجنة في مجلس النواب القادم وهي لجنة الشباب وكان هناك شبه اجماع حولك" .."فأنت الأقدر على تولي رئاسة لجنة الشباب في مجلس النواب وستكون من المعينين في هذا المجلس" في البداية.. هل هذه هي الطريقة الإدارة داخل أخطر جهاز بالدولة بهذه الطريقة "طريقة المساطب" مجموعة من العوام مهما كانت الكينونة السياسية لهم يتم دعوتهم داخل المبنى السري للغاية للحديث في الشأن السياسي.. ولم تكن في قاعة من قاعات فنادق القوات المسلحة المنتشرة في البلاد؟! ثانياً.. كيف لجهاز معلوماتي مفترض منه أن يكون في منتهى الحيادية والتجرد من الإنحياز سوى للوطن أن يدير الشأن السياسي ويتدخل في اختيارات الأشخاص ويعطيهم صبغة الوطنية دونما غيرهم ويجعلهم جزءاً من إدارة الدولة والتخطيط لمسارها دون صفة؟! ثالثاً.. من أنتم ومنذ متى تقومون بهذا الدور الذي لا يحدث في أي دولة لديها شعب له إرادة يُسمح فيها لجهاز بأن يكون ليس فقط رقيب عليه؛ بل ومُصَّير شعبه لإرادة هذا الجهاز؟! رابعاً.. هل جاء بكم الرئيس للقيام بهذا الدور.. أم أنتم من أتيتم بالرئيس؟! (2) يوم الاجتماع التأسيسي للقائمة داخل جهاز المخابرات كان الكلام على ان القائمة هي العمود الفقري لبناء تكتل داخل مجلس النواب فالأهم هو التنسيق مع الفردي..ففهمت طبعا ان الثلثين هما الهدف (حوالي 400 عضو ) ولم نكن نعلم وقتها باقي أسماء القائمة وقالوا ستعرفوا في حينه .. والجدير بالذكر ان قبل الاجتماع في الجهاز بعدة ساعات قرأت على هاتفي خبر الإعلان عن القائمة الجديدة في اليوم السابع فقط واستغربت جدا رغم انه تم التأكيد على السرية الشديدة لهذا الاجتماع لحساسيته مما أكد لي ما استشعرته سابقا بعلاقة اليوم السابع تحديدا بأجهزة المخابرات سواء العامة والحربية والكثير ممكن ان يقال في هذا الصدد .. وخاصة ان ممولها هو احد رجال الاعمال المقربين جدا للرئيس والمخابرات وهو ممول حزب مستقبل وطن..ونقلا عن لسان احد مساعدي الرئيس في رئاسة الجمهورية قال لي بنفسه بالحرف "حزب مستقبل وطن وكان في الأصل جبهة مستقبل وطن أسسته المخابرات الحربية ككيان شبابي لدعم الرئيس وده تبعنا" .. وتم تحديد يوم الأربعاء 4 فبراير لعمل مؤتمر صحفي في فندق سونستا للإعلان عن القائمة ثم بعد ذلك في فندق الماريوت ولا انسى عندما كانت تأتي الأسماء لسامح سيف اليزل بالتليفون من احد افراد المخابرات وهو شاب كان حاضر في جميع الاجتماعات وساعتها كنا بنسمع هذه الأسماء لأول مرة على مرأى ومسمع الجميع اثناء العشاء الفاخر ! بدأت أشعر بشعور سيء جدا ...لقد كانت الليلة الكبيرة في مسرح العرائس ولم اكن احد المتفرجين للأسف بل أحد العرائس .. وبدأ يتحول الشعور لصراع نفسي داخلي وعدم ارتياح شديد .. ثم في اول وآخر اجتماع لي مع اللجنة التنسيقية في مقر القائمة في 21 فبراير 2015 ..وكنا حوالي أربعة عشر عضوا وكان حاضرا معنا في هذا الاجتماع مندوب من المخابرات العامة فوجئت بإعلان ضم مصطفى بكري للقائمة في آخر لحظة وكان باقى على غلق تقديم الأوراق يومين للجنة العليا للانتخابات. كان يُصَدر لنا الرئيس في تلك الفترة التي كان يصنع فيها ذلك البرلمان داخل مبنى المخابرات أنه على مسافة واحدة من الجميع وليس له تكتل أو قائمة، والجميع يهتف للرئيس راعي الديمقراطية والكثيرون لا يريدون برلمان كي لا يصتدم مع الرئيس ويعرقل خطواته وإنجازاته، وفي الخلفية كان يقرأ الرئيس قائمة الأسماء ويضع علامة "صح" على المبشرين بجنانه وعلامة "غلط" على المغضوب عليهم والضالين. من هذا الخالد صلاح الذي يخرج على الناس ليلقي عليهم تخوفاته ونصائحه ويحدد لهم الصواب والخطأ ودموع التماسيح تسبح في عينه خوفاً على الوطن من المتأمرين وهو في الأخير عسكري مراسلة يحمل في يده رسائل المؤامرة الكبرى؟! أربعمائة عضو إجتازوا كشف الهيئة ليلبسوا أصابع الرئيس بعد أن أصبحوا أراجوزات يحركهم بها على مسرح في وسط العاصمة المنكوبة مكتوب عليه "مجلس الشعب" أي شعب هذا الذي أصبح نوابه يلعب بهم الرئيس بأصابعه؟! هل هناك في أي دولة محترمة تشكل المخابرات حزباً سياسياً لها فضلاً عن أحزاب أمن الدولة.. في أي دولة نحن وهل هي دولة بالأساس؟! والسؤال الأخير عندي هو العنوان الكبير: إذاً..من يتأمر على الوطن؟! المشهد .. درة الحرية المشهد .. درة الحرية