فسر مراقبون حركة التواصل التركى القطرى بأن بمثابة توجيه رسالة من تركيا إلى روسيا بعدم قطع إمدادات الغاز نظراً لتوافر بدائل أخرى، مع الضغط على موسكو بإمكانية التخلى عن غازها مع نجاح الموردين الأخرين فى تأمين احتياجات تركيا من الغاز. وجاء هذا التحرك فى أعقاب أزمة العلاقات الروسىة التركىة والتى تلت إسقاط الطائرة الروسىة بقيام مقاتلات إف 16 التابعة للجيش التركى بإسقاط طائرة حربية روسية من نوع "سوخوي 24" على الحدود مع سوريا، بحجة انتهاكها للأجواء التركىة. وقدمت دراسة لمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المستقبلية رؤية مهمة حالة التصعيد الروسى التركى وسقف التوقعات لحالة التوتر،.. ولاشك أن المحاولات التركىة في التهدئة مع روسيا، فشلت فشلا ذريعا، سواء ما تعلق بإعراب عدد من القيادات التركىة على رأسهم أردوغان وداود أوغلو عن حزنهم على إسقاط الطائرة، مروراً بالإعلان عن أن الطائرة الروسىة كانت مجهولة الهوية للأتراك. وفشلت محاولات ترتيب لقاء بين بوتين وأردوغان، والإصرار الروسى على تقديم تركيا الاعتذار، فيما تسعى تركيا لمواجهة الآثار السلبية المتوقعة على اقتصادها جراء العقوبات الروسىة. وفي البحث عن بديل مهم للتداعيات الاقتصادية المترتبة على التوتر في العلاقات التجارية منها بشكل خاص، قام الرئيس التركى أردوغان بزيارة إلى قطر مطلع ديسمبر الجارى، وقع خلالها اتفاقية مد تركيا بالغاز الطبيعى القطرى، كما زار رئيس الوزراء داود أوغلو أذربيجان فى اليوم التالى لزيارة رئيسه لقطر، واتفق مع الرئيس الأذربيجانى "إلهام علييف" على ضرورة تسريع موعد إنهاء مشروع "تاناب" والذى سينقل إلى أوروبا 16 مليار مكعب من الغاز، وستحصل تركيا التى يمر خط المشروع من أراضيها على 6 مليار مكعب من الحجم الإجمالى للغاز المنقول، وتأمل تركيا أن يتم التنيفذ قبل العام 2018. وكل ذلك يأتي في إطار خلق عناصر ضغط على روسيا بأن أنقره قادرة على إيجاد البدائل للغاز الروسى، وأنها قادرة على إيجاد بدائل لتأمين احتياجاتها من الغاز، فيما يبدو أن تركيا لديها هاجس من تنفيذ روسيا عقوبات اقتصادية تمتد إلى قطع إمدادها بالغاز، والذى لم يدخل ضمن العقوبات المعلنة حتى الآن، والذى يرتبط باتفاقيات دولية. واليوم روسيا أهم مورد للغاز الطبيعى لتركيا، وبما يعادل نصف وارداتها منه وبنحو 30 مليار متر مكعب من استهلاكها السنوى الذى يبلغ حوالى 50 مليار متر مكعب، فيما توفر روسيالتركيا نحو 12% من وارداتها النفطية، وربما لو توصلت تركيا لإتفاقيات مع دول أخرى قد تستغله ضد الضغوط الروسىة، في وقت يمثل النفط أهم موارد موسكو الإقتصادية، بالرغم من انخفاض أسعاره العالمية. ومن المهم القراءة الجيدة للتحرك التركى نحو الغاز القطري، وغاز أذربيجان، في الوقت الذي قال فيه مساعد وزير الطاقة الروسى أن الحكومة الروسىة ستستمر في ضخ الغاز الطبيعي إلى تركيا، كما يستبعد خبراء تعليق روسيا تصدير الغاز إلى لما يسببه ذلك من سلبيات على الاقتصاد الروسى قبل التركى، مع إستمرار العقوبات الاقتصادية الأوروبية المفروضة على روسيا فى ضوء تداعيات الأزمة الأوكرانية الروسىة. واضح أن قطر هي المنقذ لتركيا في مختلف التداعيات المترتبة على العقوبات الروسىة، فقد سارع أردغان بالتعهد لقطر بتوريد إحتياجاتها من العمالة والتي تقدر بنحو نصف مليون عامل، ضمن المشروعات المتعلقة بالتحضير لمونديال 2022. وذلك بعد قيام الرئيس الروسى بوتين بإصدار قرار فرض عقوبات اقتصادية على تركيا، منها حظر تشغيل العمال الأتراك فى الشركات الروسىة اعتبارًا من يناير 2016، بخلاف حظر سفر السياح الروس إلى تركيا ومنع بيع تذاكر السفر إلى تركيا وتجميد دخول المواطنين الأتراك إلى تركيا بدون تأشيرة من الشهر المقبل. وتسعى تركيا في الوقت ذاته إلى فتح أسواق جديدة أمام منتجاتها واستثماراتها فى الدول العربية والأفريقية لمواجهة العقوبات الروسىة. ويبقى السؤال، هل ستسعى تركيا إلى لعب دور ضد مصالح روسيا، والدخول فى "لعبة القط والفار" .. كل شىء متوقع في لعبة قذرة اسها السياسة.