كما إعتاد منذ بداية فترة ولايته لمصر حضر الرئيس "عبد الفتاح السيسي" الندوة التثقيفية التي تنظمها القوات المسلحة للضباط.. ويبدوا أن هذا هو المكان المفضل للرئيس فهو لم يتخلف يوماً عن حضور تلك الندوات, والتي إعتاد من خلالها أن يتحدث أمام الضباط والجنود في أدق تفاصيل السياسة والشأن المدني المصري. استوقفتني في هذه الكلمة الطويلة تلك الرسائل الموجهة للإعلاميين ولكتاب مقالات الرأي, وضرب مثلاً معبراً عن غضبه من عبارة قالها أحد الإعلاميين والتي لا ترتقي لأن نسميها نقد للرئيس, وإعلن غضبه هذا للناس, بل وحريض الناس ضد الإعلام. إعلام الشؤون المعنوية نحن هنا أمام رئيس أصبح يعيش في غيبوبة و لا يرى أن أداء الإعلام سيء ولا أريد أن أستخدم كلمة أخرى أكثر قسوة.. لكن سوء الإعلام هذا ليس كما يدعي الرئيس بأنه لا يبرز الإيجابيات ومجهودات الرئيس.. بل لأن هذا الإعلام يبيع الوهم للناس بتملقه للرئيس وبالحديث عن إنجازات وهمية له ولحكومته وعن مشاريع ليست موجودة سوى في هذا الإعلام وتخوين المعارضين والتحريض ضدهم والتعامل معهم كأعداء للوطن, ويبدو أن هذا لا يُغضب الرئيس بل بات واضحاً أنه يسبب له السعادة والبهجة فلم نراه يخرج ليقول للإعلاميين "عيب .. ما ينفعش كدا .. هذا أمر لا يليق .. انتو بتعذبونى انى جيت هنا ولا ايه .. أنا هشتكي للشعب المصري منكم".. لكن غضب الرئيس منطقي.. إذا كان القياس مع إعلام الشؤون المعنوية الذي يجرم ويُحاكِم عسكرياً كل من يتجاوز وينتقد القائد؟! من هو الإعلامي الذي أخطأ في حق الذات الرئاسية؟ هذا الغضب لأن إعلامي محسوب على الرئيس وهو "خالد أبو بكر" والذي تم ضربه ولعنه في أمريكا من بعض من الجالية المصرية هناك لأنه ينافق الرئيس والنظام على طول الخط مثله مثل جميع الإعلاميين.. لأنه قال في وقت كارثة غرق الإسكندرية "الرئيس قاعد مع شركة سيمنس وسايب إسكندرية بتغرق" والحقيقة أنه من العبث أن يجلس الرئيس مع ممثل لشركة مهما كان حجمها فهناك وزير كهرباء أو حتى رئيس وزراء هم المنوط بهم القيام بهذا الدور التنفيذي التقني.. لكن الرئيس يريد أن يبرز الإعلام أنه هو من يأخذ على عاتقه الشيء الوحيد الجيد وهو تطوير محطات الكهرباء وأنه لولا تولي الرئيس لهذا الملف بنفسه لما أنجذ هذا العمل الذي يسميه الرئيس "إعجاز" وكأن إنقطاع الكهرباء هو أمر طبيعي في كل دول العالم ومصر تحقق الإعجاز لأن الكهرباء لا تنقطع.. فيخرج الرئيس ليشكو للناس بأن الإعلام لا يدعم الرئيس! والمريب في الأمر خروج الإعلاميين بدلاً من شن حملة ضد تشويه الرئيس لهم بل لصبوا غضبهم على زميلهم في النفاق الذي لم يلتزم بالتعليمات التي توجه لهم من قبل أجهزة الأمن لأن هذا تسبب في غضب الرئيس والذين ظلوا طوال عامين يفعلون من أجله المستحيل كي يرضى عنهم وها هم يشعرون بأن زميلهم ضيع مجوداتهم هباءاً بكلمة أغضبت سيادته. النقد قلة أدب "عاوز حد يقولى أنا أساءت لمين، اتحدى إن حد يطلع أى تعبير غير مناسب أنا قلته لأى حد" الرئيس يرى أن النقد قلة ادب في حقه, إنه رجل في غاية الادب لأنه لم يخطئ بكلمة في حق أحد ولهذا لا يريد من أحد أن ينتقده.. مفهوم شافي وكاشف ويعني أن "عبد الفتاح السيسي" لا يعرف ما هو منصبه, ولا يفهم أي شيء بعيداً عن العسكرية.. هو يؤمن بداخله أنه القائد الأعلى لمصر والمصريون جنود يأتمرون بإمرته دون ثمة نقاش أو حتى إبداء علامات التذمر.. وليس رئيس جمهورية وهو منصب سياسي ومن ثم مهام المنصب خدمة الناس وواجب عليهم إبداء رأيهم ي الخدمة ما إن كانت جيدة فيحافظ على الأفكار والأليات والأدوات التي جعلته في هذا المستوى, أو رديئة فيغير من الفكر ويتخذ أليات أخرى تنفذ بأدوات مختلفه. وبمناسبة أن الرئيس يقول أنه لم يسيء لأحد.. ماذا قال للإعلاميين الذين يتحدثون باسمه ويجاهرون ليل نهار بالهيام في عشقه ويصطحبهم معه كلما ركب الطائرة محلقاً بسفراته العديدة؛ وهم يسبون عياناً بياناً جميع المعارضين السياسيين ويخونونهم ليل نهار عبر جميع الشاشات كنوع من الدفاع والوقوف مع الرئيس ضدهم؟ أليست هذه إساءة تستحق منك التدخل؟ إلا إذا كما قلت ترى المعارضة قلة أدب ومن ثم يجب مواجهتها بأقصى درجات الإهانة وإذا لم تجدي الإهانة نفعاً, فالإعتقال بالقانون والتهم المتراصة هي مصيرهم ومن ثم سيتم تأديبهم من خلال سنوات الحبس الإحتياطي المفتوحة في أقذر سجون مصر التي جميعها غير أدمية إلا بعض العنابر المخصصة لكبار الزوار. ماذا يريد عبد الفتاح السيسي من الإعلام؟ مثله مثل أي مسؤول على وجه الأرض .. لا يريد أحد إنتقاده لأنه يرى أنه يفعل الأمثل في ظل المعطيات المتاحة لديه. لكن الجديد عند عبد الفتاح السيسي هو أنه يرى أن النقد مؤامرة ضده ويعلنها صريحة للناس وهذا بالقطع بسبب طبيعته العسكرية التي لم تعتداد على المعارضة داخل الجيش وانعدام الخبرة السياسية لأنه إنتقل مباشرة من العسكرية للسياسة.. ولكن المثير أيضاً هو هو أنه لا يوجد نقد في الإعلام للرئيس إلا فيما ندر وربما هو لا يريد أن يفسح المجال لتصبح عادة, فتعامل بمنطق ذبح القطة من البداية. السيسي يريد من الجميع رفع الشعار العسكري الشهير "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" حتى ولو لم تكن هناك أي معركة سوى معركته مع الأخضر/الدولار الذي تسبب في رفع الأسعار بصورة بالغة الخطورة والتي فشل في الفوز بها حتى الأن. سيدي الرئيس كما تحب أن تسمعها.. لسنا عديمي التربية كي نكون قليلي الأب.. لكنك عديم الحنكة والخبرة التي تجعلك قليل الحكمة وعديم التمييز بين المعارضة والمؤامرة. للتواصل مع الكاتب أضغط هنا