انتهت دراسة مهمة إلى أن تيارات الإسلام السياسى ستفقد الكثير من مصداقيتها خصوصا جماعة الإخوان المسلمين، وذلك لعدم إدانتها بوضوح صريح لتنظيم داعش، وهو ما يعتبر "إقرار سكوتى" بالتنظيم، حيث لفتت الدراسة إلى أن المتتبع لتصريحات معظم قادة الإخوان حول سلوكيات داعش سيلحظ على الفور أنه لا إدانة صريحة وقاطعة للتنظيم. وقالت الدراسة التى نشرها مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة إن مواقف التيارات الإسلامية تباينت من الحرب ضد داعش، فلا يوجد توجه واحد، والمفارقة أن بعض التنظيمات الجهادية توافق على الحرب عمليا، بينما يرفضها على الحرب الإخوان وقطاع من السلفيين ضمنيا ويرجع ذلك إلى تداعياتها من وجهة نظر كل تيار، إذ يتوقع أن تؤدى تلك الحرب إلى تداعيات سلبية على وضع الإخوان، وغالبا قد تؤثر إيجابيا على وضع السلفيين الذين دخلوا العملية السياسية، فضلا عن السلفية التقليدية. وتجسد موقف الإخوان من داعش فى موقف الشيخ يوسف القرضاوى الذى طالب "داعش" فى أغسطس 2014 بالعودة إلى اتحاد علماء المسلمين فى موضوع إعلان الخلافة الإسلامية، فمع أنه اعتبر أن داعش تنظيم إرهابى، إلا أنه لم يكن سوى من باب الترويج لجماعته التى يجب أن تعلن هى الخلافة. كما ظهر هذا الموقف أيضا لدى توجيه انتقادات حادة من القوى السياسية الأردنية المختلفة على البيان الغامض لجماعة الإخوان لدى حرق داعش للطيار "معاذ الكساسبة"، وظهر كذلك فى استغلال إخوان مصر لممارسات داعش الإجرامية، فى محاولة بتشبيهها بفض اعتصام "رابعة العدوية" عام 2013. ومن هنا يمكن القول إن الحرب الدولية ضد داعش قد تترك عدد من التداعيات السلبية بالنسبة لجماعة الإخوان، لأنها تؤدى إلى انحسار نشاط التنظيم فى المنطقة، وذلك لسببين رئيسيين. الأول أن هناك أعضاء فى التحالف الدولى ضد داعش يضعون جماعة الإخوان ضمن التنظيمات الإرهابية التى يجب مواجهتها، إضافة إلى ربطها بين وصول الإخوان للحكم وبين الصعود الجهادى الكبير فى تلك البلدان، خاصة مصر وتونس واليمن وليبيا، مما سيجعل من الصعوبة الاقتناع بفكرة أن الإخوان يمكن أن يمثلوا الإسلام الوسطى عند مقارنتهم بداعش، وبالتالى لن يتم إتاحة الفرصة أمامهم مرة أخرى للوصول للحكم. والسبب الثانى من وجهة نظر الدراسة أن بعض الدول سوف تستغل الربط بين الإخوان والتنظيمات الإرهابية فى القضاء على تنظيم الإخوان فى بلدانهم أو على الأقل تحجيم قدراتهم قدر المستطاع، وهو ما سيؤدى إلى انحسار نشاط الإخوان، كما تمت ملاحظته فى تراجعهم فى المشهد السياسى فى تونس والأردن واليمن وغيرها. وذكرت الدراسة أن تيارات الإسلام السياسى، خاصة جماعة الإخوان تعتبر على نقيض التنظيمات الجهادية التى دخلت فى عداء مع داعش فى إطار ما يعرف بالتنافس الجهادى أن لديها مصالح محددة تجنبها الإدانة الصريحة والحاسمة لداعش، حيث ترى هذه التيارات أن داعش يمثل خط الدفاع الأول عنها فى تلك المرحلة، وإذا تم القضاء عليه ستكون هى الهدف المقبل، نظرا لأن عددا منها وعلى رأسهم جماعة الإخوان، متهم بالإرهاب وبوجود روابط فكرية وعقائدية مع داعش، وبعضها يوفر الغطاء الإعلامى له، بل ويصفهم البعض بالمجاهدين فى مواجهة الصليبيين، وبالتالى فإن هذه التيارات من مصلحتها عدم القضاء على داعش على الأقل فى المدى القريب. ومن أهم ما انتهت إليه الدراسة أن عدم وجود تنافس بين هذه التيارات وتنظيم داعش خلافا للتيارات الجهادية فى المنطقة، والتى يوجد بين البعض منها وبين داعش تنافس شديد على القيادة ومناطق النفوذ، وبالتالى فليس هناك ما يدعو هذه التيارات إلى تقبل فكرة نهاية داعش فى الوقت الحالى. ومن الأمور المشتركة رفض أبناء التيار الإسلامى بصفة عامة، الاعتداء على أى تيار إسلامى من القوى الغربية، خاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية، حتى لو كانت تختلف معه، وترى أن ذلك يمثل حربا صليبية ضد الإسلام، خاصة أن داعش صورها هكذا، وهو ما يجبر قادة هذه التيارات على عدم الإعلان صراحة عن تأييد الضربات العسكرية ضد داعش أو غيره من التيارات الإسلامية الأخرى. ويصبح السؤال، هل من تأثيرات إيجابية لهذا التباين على التيارات الإسلامية السياسية، تشير الدراسة إلى أن هذا واضح، فالمستفيد هم "التيارات السلفية"، خاصة أن التحالف الدولى مثل حدثا فارقا فى تاريخ الجهادية العنيفة، لأنها المرة الأولى التى تنقسم فيها هذه التنظيمات حول توجيه ضربة عسكرية ضد إحدى التيارات الجهادية ما بين مؤيد ومعارض، وهو ما لم يحدث فى الماضى فى أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2003. ورغم إعلان كل التيارات الجهادية فى المنطقة رفضها للضربات العسكرية، لكن توجد بعض التنظيمات الجهادية قد رحبت من خلف الستار بها، خاصة التنظيمات الموجودة فى سوريا مثل الجبهة الإسلامية وأحرار الشام وجبهة النصرة وغيرهم من التنظيمات الجهادية فى العراق، إضافة إلى بعض التنظيمات الجهادية البعيدة جغرافيا عن منطقة الشام، مثل تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى، الذى يحاول تنظيم داعش التوسع على حسابه فى مناطق شمال أفريقيا. وتنتهى الدراسة المهمة إلى أنه وبالنسبة إلى بعض التيارات السلفية غير الجهادية، فإن الحرب سيكون لها آثار إيجابية على التيارات السلفية التى دخلت العملية السياسية، والتيارات السلفية التقليدية "السلفية الدعوية" فى المنطقة، وستكون فرصتها لتطرح نفسها كبديل فى الفترة المقبلة.