تساءل "ليون بانيتا" مدير وكالة الاستخبارات السابق في حوارا له مع صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية قائلا "هل الديمقراطية الأميركية مريضة؟"، موضحا أنه خلال السنوات الأربع الأخيرة الّتي أمضاها في واشنطن، كان قلقًا جدًا، "فالانقسام كان شديدًا كما لم أشهده من قبل، خلال 50 عامًا من حياتي السياسة، وكانوا يرفضون أي تسوية لأي مسألة متصلة بالميزانية أو الهجرة، وقد عملت من أجل توافق بين الجمهوريين والديمقراطيين حول الأمن القومي ومكافحة الإرهاب، لكن الطرفين كانا حريصين على الوصول إلى الحكم، خصوصًا أن الانتخابات الرئاسية حاصلة بعد 18 شهرًا وهذا وقت طويل، في حين تعتمد السياسة الأميركية اليوم على المال وهذا تطوّر خطير على الديمقراطية إذ يوسّع الفجوة بين الشعب ونوّابه، ما من شأنه التشجيع على التطرّف، كما حصل عند ظهور حزب الشاي في انتخابات 2010". ويوضح بانيتا إنّه جال كثيرًا في واشنطن، فشغل جميع الوظائف السياسية التي يمكن أن يتبوأها موظف عام، إذ عاصر الرؤساء من ريتشارد نيكسون إلى باراك أوباما، وأشرف على ملاحقة أسامة بن لادن وقتله، ثمّ صار وزيرًا للدفاع بين 2011 و2013، وأنه نسق الانسحاب النهائي من العراق، رغم معارضته، والانسحاب التدريجي من أفغانستان، وأنه الداعي الدائم لدعم كثيف للمعارضة السورية المعتدلة، من دون أي صدى لدعواته. ويرى بانيتا أن مسألة الأمن القومي الرئيسية التي تواجهها الولاياتالمتحدة يكمن سببها في فشل الكونغرس العاجز عن التصويت على ميزانية الأمن الداخلي، والحد من العجز، والإصلاح الطموح للهجرة لتسوية وضع 11 مليون مهاجر غير شرعي، وتمويل أشغال البنية التحتية للطرق، على الرغم من حالة الطرق السريعة المزرية، هذا الى جانب دور الإعلام لتعزيز هذا الانحراف، فيقول إنه في عصر المعلومات المستمرة، يجد المرشحون أنفسهم في حملة دائمة تحت مجهر الإعلام وعيون الجهات المانحة وتحت مراقبة المتطرّفين، "وينتج هذا جيلًا من القادة لا يحب ركوب المخاطر، فقد خسر قادتنا شجاعتهم عندما سمحوا بتخفيض الميزانية بمليارات الدولارات في 2013، بعد فشل الاتفاق على الميزانية، وذهبت لرؤية شخصيات مؤثرة في الكونغرس، ولقاء الرئيس في البيت الأبيض، لأتوسّل إليهم تجنّب هذا التخفيض، لكن ما سمعته من رفض ضمني أخافني، فأي من هؤلاء لم يبذل جهدًا لإجراء نقاش جاد، ولم يفكر إلا في زيادة المكاسب الشخصية، حتّى لو بقيت البلاد تعاني، وانا لست ساذجًا، فالحكم مسألة صعبة، تضطر الحاكم إلى محاورة أناس عقولهم صعبة المراس، لكن هذا جوهر السياسة، أي لا أحد يحصل على كل ما يريده". ويرى بانيتا أن "هيلاري كلينتون" تملك المميزات التي تقدرها ان تكون رئيسة ممتازة لما تملكه من "حسّ القيادة، ورؤية مكانة أميركا في عالم متعدّد الأطراف، والخبرة الوثيقة بدوائر السلطة في واشنطن، والقدرة على التكيف مع أي وضع مستجد، مضيفا أن "آل كلينتون لا يقبلون الهزيمة ويقاتلون حتّى النهاية، والرئيس القادم يجب أن يظهر الروح القتالية، كما أن العمر لا يهمّ، فقد أعيد انتخاب رونالد ريغان في العمر نفسه في العام 1980، وأمضى ولايتين بعد ذلك، وقدّم الكثير للرئاسة"، وأضاف: "سأقول لكم سرًا، ما تحتاجه أميركا اليوم هو رئيس لا يضطر إلى تعلم عمله ساعة يصير رئيسًا". وحول إدارة "باراك أوباما" الحالية يقول بانيتا "هناك طريقتان للحكم، في الأزمة الدائمة أو في ممارسة قيادة حقيقية، ومن السهل الحكم في ظلّ أزمة دائمة من دون تفاوض مع الخصوم، لكن الثمن باهظ هنا، إذ سيصرف الأميركيون الأنظار عن الرئيس وعن المؤسسات، كما يجب استعادة الثقة المفقودة والتوقّف عن الحكم بمراسيم رئاسية، كما يجب الصبر واجتراح الحلول الوسط والتحلي بالمسؤولية دوليًا، من خلال استعادة صلاحيات أميركا في العالم، خصوصًا بمواجهة الإرهاب في العراق وسوريا، وكان من الضروري تسليح المقاومة المعتدلة وفقًا لما أوصيت به في 2011، وما أوصت به هيلاري كلينتون ايضًا بلا جدوى، وإذا ما أعلنتم عن خط أحمر، يجب أن تحترموه وأن تكونوا مستعدين للتدخل، فالحكم يعني ركوب المخاطر". وعن الاتفاق حول نووي إيران والّذي يراجعه الكونغرس حاليًا على أساس الاستقطاب الثنائي قال بانيتا "هو أوّل علامة فعلية على أنّ أوباما يسير في اتجاه صحيح، فالجمهوريون الّذين فازوا في انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر الماضي يريدون إثبات قدرتهم على الحكم، وإذا استغلّ أوباما هذه الفرصة للتوصل إلى حلّ وسط، يمكنه أن يتقدم في مسألة الهجرة والميزانية وكوبا"، وشدد بانيتا قائلا "يجب إعادة بناء الثقة، والتوقّف عن سياسة الطعن في الظهر عند كل منعطف".