تستمد الميليشيات الشيعية في العراق قوتها من المد الإيراني المباشر لها، خاصة تحت رئاسة وزراء "حيدر العبادي" الأكثر اعتدالا مقارنة ب"نور المالكي"، حيث كشفت احداث الايام القليلة الماضية عن بروز الميليشيات على حساب قوات الجيش العراقي، فاليوم أثار التضارب بين التلفزيون الرسمي العراقي وبين ما يعرف ب"إعلام الحشد الشعبي" حول الإعلان عن بدء عملية عسكرية كبيرة لتحرير مناطق بالأنبار من سيطرة داعش تساؤلات المراقبين بشأن من يمتلك فعليا قرار الحرب في العراق، وما صلاحيات الميليشيات لما اظهرته من استقلال تام في اتخاذ أخطر القرارات، فيما يبدو تناقضا مع ما تؤكّده حكومة بغداد بشأن دخول الميليشيات تحت إمرة القائد العام للقوات المسلّحة، وخضوعها لأوامره. فبينما كان التلفزيون الرسمي العراقي يبث خبرا عاجلا صباح اليوم الثلاثاء، على شاشته معلنا عن "بدء عملية لبيك يا رسول الله الثانية باتجاه شمال تكريت لتحرير ما تبقى منها"، فاجأ ما يُعرف ب"إعلام الحشد الشعبي" العراقيين ببيان يؤكّد أن "ما يحدث بالأنبار وصلاح الدين هو عمليات تمهيدية وليست عمليات ‘تحرير"، وأن العملية العسكرية ستكون تحت اسم "لبيك يا حسين"، الأمر الذي أثار شكوك ملاحظين في أن تلك القوات خاضعة أصلا لقيادة الحشد وليس العكس. وكان رئيس الوزراء العراقي "حيدر العبادي" اضطر خلال الفترة الماضية تحت ضغط ما يوجّه لميليشيات الحشد الشعبي من انتقادات داخلية وخارجية واتهامات بالانفلات من سلطة الدولة، إلى إعلان نيته توحيد قيادات الحشد تحت إمرته، دون أن يتم ذلك بشكل عملي، علما أنّ الحشد معلن أصلا بصفة شكلية "هيئة تابعة لمكتب رئيس الوزراء". ومع تدهور الوضه الامني بالعراق بتهديد المحافظة بغداد مع سيطرة داعش على مدينة الرمادي، بات ظهور كبار قادة الميليشيات من أمثال "هادي العامري"زعيم ميليشيا بدر، و"أبي مهدي المهندس" نائب قائد الحشد الشعبي، و"قيس الخزعلي" زعيم عصائب أهل الحق، على المنابر الإعلامية وهم بصدد الإعلان عن قرارات عسكرية خطيرة أو توجيه انتقادات لقيادات عسكرية وسياسية كبيرة بما في ذلك رئيس الحكومة ووزير الدفاع أمرا مألوفا بشكل يومي. ويردّ عارفون بالشأن العراقي القوة السياسية التي يتمتّع بها قادة الميليشيات على حساب الحكومة ورئيسها إلى كون هؤلاء مدعومين من قبل إيران التي توصف بأنها صاحبة القرار الفعلي في العراق، فالتضارب بين الحكومة والميليشيات بشأن العملية العسكرية في صلاح الدين والأنبار ليس الأول من نوعه حيث سبق للطرفين أن اختلفا في العلن بشأن مسائل أكثر أهمية مثل مشاركة طيران التحالف الدولي في عملية استعادة مدينة تكريت منذ أشهر، حين خرج هادي العامري على إحدى القنوات التلفزية ليعلن رفضه دعوة قائد عمليات صلاح الدين آنذاك عبدالوهاب الساعدي إلى مشاركة التحالف في معارك تكريت بتقديم الدعم الجوي. ويرجع مراقبون جانبا من أسباب انهيارات القوات المسلّحة العراقية، إلى ضعف القيادة وتشتتها بفعل كثرة مراكز القرار في البلاد. وقال المستشار السابق في القيادة المركزية للجيش الأميركي علي خضيري إن لديه معلومات تشير إلى انهيار ستة آلاف عنصر من القوات العراقية أمام 150 مقاتلا من تنظيم داعش في الرمادي، مفسّرا بذلك الانتقادات التي كان وجهها الأحد وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر للقوات العراقية واتهامه إياها بعدم الرغبة في القتال، وشدد على أن "داعش يمثل ميليشيات دينية سنية متطرفة لا يمكن هزيمتها من قبل ميليشيات دينية شيعية" معتبرا ان اشتراك الحشد الشعبي لاستعادة الرمادي خطأ. ومن جانبه قال ضابط في الجيش العراقي السابق الذي حُل سنة 2003 بقرار أميركي إنّ وجود ميليشيات الحشد الشعبي وحصول قادتها على قدر كبير من السلطة يساهم في بث شعور الأحباط بين كبار ضباط وقادة القوات المسلّحة، كون القيادات العسكرية في مختلف دول العالم لا تقبل بوجود من ينازعها سلطاتها العسكرية ويتدخّل في خططها للحروب، واصفا مشاركة قادة الميليشيات في اتخاذ القرار العسكري ب"الشاذ".