حينما ترد سيرة تولى الوظائف العامة فى مصر، يصحبها الحديث عن "ثبات" و"تطبيق" مبدأ تكافؤ الفرص، كذلك الحال فى شأن تعامل الجهات الحكومية مع رجال الأعمال والمستثمرين، واختيار الأحزاب للمرشحين والناخبين لنوابهم. ويقر الدستور "تكافؤ الفرص" بين الأفراد إلا أن الممارسات والتطبيقات له تنكر وتتجاهل كافة هذا الحق، بل وتهدره بما يتسبب فى خسارة مصر الكثير من الفرص والكفاءات فى سبيلها لإنجاز مستقبل أفضل لأبنائها. ففى الوظائف الدبلوماسية يتم رفض تعيين المرحوم الدكتور عبد الحميد شتا قبل 10 سنوات لكونه "غير لائق اجتماعيًا"، ومؤخرًا وقفت قرارات المجلس الأعلى للقضاء أمام مستقبل 138 شخصًا اجتازوا اختبارات القبول بالنيابة العامة، دون توليهم وظائفهم بحجة أن آبائهم وأمهاتهم لا يحملون مؤهلات عليا، وفى النقابات العامة تشترط قوانين بعضها مرور عدد معين من السنوات على تسجيل أعضائها ليكتسبوا حق الترشح لمجالسها، وبالأمس نشهد تمييزًا حكوميًا لفئة المضاربين فى البورصة المصرية بإعفائهم من دفع ضرائب صدر قرار فعلى بتحصيلها عن أرباحهم، رغم أنهم لم ينجزوا شيئًا مضافًا للاقتصاد المصري جراء عملية "إنتاجية" مستمرة، مقابل استمرار سداد الفلاحين والعمال والموظفين وأصحاب المصانع والشركات والتجار والحرفيين وغيرهم ضرائب كبيرة عن أعمالهم وأرباحهم. ويمثل إهدار مبدأ تكافؤ الفرص سببًا مباشرًا فى هروب كل أسباب النجاح وثمار وعائد الأرباح إلى الخارج، فمثلًا نتج عن إرجاء تطبيق قرار تحصيل الأرباح عن عمليات التداول بالبورصة، عمليات بيع كبيرة للأجانب جنوا منها مكاسب غير محدودة، بينما تهلل وسائل الإعلام لصعود أرباح البورصة لنحو 20 مليار جنيه، رغم أن عمليات الشراء لم يقم بها إلا المصريون والعرب..!! ويمكن أن تطابق بين ما جرى بالبورصة ويجرى فى مصر منذ عقود طويلة، فمن يجني فعليًا ثمرة الاستفادة بعالم أو نابغة أبعدته بيروقراطية غبية عن فرصته فى تولي منصب ومكانة يستحقهما؟ وكم من الدول هرب إليها مصريون ناجون من كارثة البيروقراطية وأكذوبة مبدأ تكافؤ الفرص، واستفادت دول أخرى منهم فى مختلف المجالات، قبل أن نسعى لاستعادتهم بغرض "التكريم" فقط دون الاستفادة منهم فعليًا؟ هل يمكن لأحدنا أنا يتذكر جدوى واحدة لجلسات واجتماعات مجلس علماء مصر التى تتحول تلقائيًا إلى مكلمة طالما تعامل علماؤه مع بيروقراطية حاكمة لمستقبل البلاد؟ وكيف يمكن لوطن يبحث عن إصلاح مؤسسة العدالة أن يثق بها بينما يهدر القائمون عليها مبدأ تكافؤ الفرص، حتى أن وزير "العدل" تحدث عن استحالة تولى ابن "جامع القمامة" أى منصب قضائي؟ وكيف نتحدث عن إصلاح جهاز إداري بينما توريث الوظائف حتى عبر الأبواب الخلفية المخترقة للقانون لايزال مستمرا؟ وكيف نطالب بإصلاح الجهاز الأمني بينما طريقة قبول طلاب كلية الشرطة تحيطها الشبهات حول الوساطة والمحسوبية؟ هل تتوقعون أن يحضر فى هذا المجتمع المهدرة طبقاته الحاكمة لمبدأ تكافؤ الفرص، مجلس نواب متزن به من العقلاء من يستطيعون القيام بمهام الرقابة والتشريع، بينما التمييز قائم ومستمر ضد المرأة والأقباط والبسطاء ومتحدى الإعاقة؟ أعتقد أن حديثي عن أكذوبة مبدأ تكافؤ الفرص لا يعني أننى أرتدى نظارة سوداء، لكن ربما يعنى وبالتأكيد أن الإفراط فى التفاؤل داء تمكن منا، لن نتقدم لحظة دون الخلاص منه.