إحالة الموظف المضرب أو المحتج إلى المعاش هدية الدولة فى عيد العمال "الولاء للنظام" أو "المعاش المبكر".. منحة الرئيس للعمال عاملون: الحكم "صفعة" سياسية للحركة العمالية القوانين لن توقف الاحتجاجات أو الاضرابات حال حدوثها خبراء: مصر خالفت الاتفاقيات الدولية.. وتجاهلت الدستور الحكم انتهاك لحقوق الإنسان والمواثيق السياسية القرار ينتج رد فعل عنيف وشرس من جانب الموظفين والعمال فى الأول من مايو من كل عام حتى سنة 1996 اعتاد العمال والموظفون وذويهم فى مصر المحروسة الجلوس أمام التلفاز منصتين إلى كلمة رئيس الجمهورية بمناسبة عيد العمال، ولم يكن يعنيهم ثناء ومدح الرئيس على العاملين بأنهم عصب الاقتصاد والنمو قدر ما يعنيهم ما سيعلن عنه، ولسان حالهم يردد "المنحة ياريس" والتى لم تكن تقل عن 20 جنيها، ولا تتعدى 150 جنيها، وفى 1996 ألغى المخلوع مبارك المنحة، وتمت إضافة مبلغ محدد إلى الراتب الأصلى، فى الوقت الذى كان يخطط فيه لتصفية القطاع العام بحجة خسائره المتزايدة، وهو ما نتج عنه تشريد وتصفية كثير من العاملين به، و لم يجرؤ مبارك ولا القضاء فى عصره على تجريم احتجاجات العاملين بالدولة، وإن واجهها بالقمع الأمنى، كما واجهها السادات، وعبد الناصر، بل على العكس أصدرت محكمة أمن الدولة العليا فى عام 1986 حكما بحق عمال السكة الحديد فى الإضراب. والآن وبعد ثورتين، فى سابقة هى الأولى فى تاريخ مصر العمالى، والقضائى، وقبيل عيد العمال بأيام، أصدرت المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة يوم الأحد 26/4/2015، حكما بإحالة الموظف المضرب، أو المحتج إلى المعاش، وكانت المحكمة الإدارية العليا أصدرت حكمها بإحالة 3 مسئولين بالوحدة المحلية بقورص مركز أشمون، للمعاش وتأجيل ترقية 14 آخرين لمدة عامين من تاريخ استحقاقها، بعد ثبوت صحة تحقيقات النيابة الإدارية بشأن إضرابهم عن العمل وتعطيل سير المرفق، عن أداء مصالح المواطنين، واستندت المحكمة إلى أحكام الشريعة الإسلامية، مع تجاهلها الحديث الشريف "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه"، وجاء بالحكم أن إضراب الموظفين العموميين جريمة جنائية، وإن كانت الحكومة تعهدت فى الاتفاقية بكفالة حق الإضراب فى حدود ما تجيزه أحكام الشريعة الإسلامية، وأشارت المحكمة إلى أن طاعة الرؤساء تعتبر العمود الفقرى فى كل نظام إدارى، وإذا تسرب هذا الخلل فلن يجدى فى إصلاح الإدارة أى علاج، والإبلاغ عن المخالفات التى تصل إلى علم أحد العاملين أمر مكفول، بل واجب عليه، توخيا للمصلحة العامة، ولو كانت تمس الرؤساء. من جانبهم اعتبر عاملون وحقوقيون، أن الحكم صفعة موجهة إلى العمال والموظفين، وفى توقيت يكاد تختفى فيه أى احتجاجات، أو إضرابات، مؤكدين أن الحكم ضربة استباقية لمن سيعارض فى المستقبل، دون استبعاد أن يكون الحكم سياسيا، وكأن الدولة تنبأت بما سيحدث من رد فعل تجاه ما ستتخذه من قرارات مجحفة، فقررت فرض العقوبات القانونية، قبل وقوع الأحداث، وأقنعت الدولة ومعها وسائل الإعلام، وبعض السياسيين، والمسئولين، الشارع المصرى بمقولة القضاء المصرى "شامخ.. ولا يمكن التشكيك فيه"، وجعلته من التابوهات المحرمة يحظر على أى أحد الاقتراب أو التعليق عليه. قال عاطف مكرم، مدرس بمحافظة المنيا أن الإضرابات بمثابة بعبع لكل الحكومات حتى صدور حكم محكمة عام 86 لإعطاء عمال السكة الحديد الحق فى الإضراب، لكن أنظمة الحاكمة المتعاقبة على التعامل مع الإضرابات غفلت الحكم، وفى دستور 2014 جاءت المادة 15 تؤيد حق الإضراب ويعد الحكم الأخير بمثابة عدم احترام الدستور الذى صوت عليه الشعب ويرسخ لفكرة الدولة الدينية، متسائلا هل المحاكم تحكم بالشريعة أم بالدستور وكيف يكون الحال لو العامل غير مسلم وأضرب أو اعتصم. واعتبر مكرم، الحكم صفعة للحركة العمالية، كما أنه يعيدها للوراء لكن الواقع أقوى من أى حكم فلو هناك ظروف تستدعى الخروج عن حكم المحكمة سيقوم العمال بذلك، متابعًا: "طوال الوقت الحكومات ورجال الأعمال يرون أن الوقت غير مناسب للإضرابات، والاحتجاجات، وعلى مدار التاريخ يطالبون بالصبر والتأنى"، مؤكدًا أن القوانين لن توقف الاحتجاجات أو الإضرابات حال حدوث أحداث تستدعى ذلك. ولا يشكك محمود عبد العليم، مدرس تربية دينية بمدرسة الكمال بإدارة سمالوط بالمنيا، فى حكم الإدارية، بدعوى أن القاضى الذى أصدره مسيحى لكنه يرى أن "المحكمة تستدعى الدين لتبرير وتمرير القوانين المطلوبة بسبب سيطرة النغمة الدينية فى الفترة الأخيرة فى سياق تجديد الخطاب الدينى"، مؤكدا أن هناك تناقضا بين الدينى والمدنى، والخطاب الدينى "مطاط"، ويسهل الالتفاف على النص، فالدولة تستند إلى إجماع من الأئمة بعدم الخروج على الحاكم، وبالتالى أخطأ كل من خرج على مبارك، ومن بعده مرسى. وأكد عبد العليم، أن هذه الأحكام تحمى السلطة، وبمثابة ضربة استباقية، لأى محتج فهى تهديد سابق قبل القيام بأى فعل. كما اتفق أحمد مصيلحى، الخبير الحقوقى والقانونى ورئيس شبكة الدفاع بنقابة المحامين، مع وجهة النظر التى ترى أن الحكم "صفعة" للعمال، مؤكدا أن المحكمة تطرقت إلى أجزاء غير مطلوبة وخرجت عن الأمر التقليدى للمحكمة، القضاء يقر قواعد الحريات طبقا للدستور، وعندما يخرج عن الدور الطبيعى للدستور، فهو خروج عن المألوف خاصة مع منع التظاهر، فيعد بذلك فرض مزيد من القيد على العمال حال مطالبتهم بحقوقهم المشروعة. وتابع مصيلحى: "مصر وقعت على اتفاقيات دولية تقر بالحق فى الإضراب وبهذا الحكم تخالف ما وقعت عليه"، مشيرًا إلى أنه من الممكن أن ينتج رد فعل عنيف وشرس من جانب الموظفين والعمال، مطالبا منظمات المجتمع المدنى والجمعيات الأهلية بالتضامن ضد هذا الحكم لرفع الظلم عن الموظفين لتجنب أية مواجهات محتملة لتجنيب مصر أى خسائر. ورفض دكتور فخرى لبيب، المفكر السياسى، مقولة عدم التعليق على القضاء، مؤكدا أن الحكم سياسى بالدرجة الأولى شئنا أم أبينا وربط الحكم بالشريعة بحجة درء المفاسد، وعدم الخروج على الحاكم هو ترديد لمقولة الرأسماليين لقمع العمال باسم الدين، لعدم اعتراضهم على أصحاب المؤسسات. وتساءل الخبير الاقتصادى دكتور إبراهيم نوار، "هل كان يوجد فى العصور الإسلامية القديمة مصانع وهيئات ليضرب العمال، أو الموظفين، فأفتى العلماء بتحريم الإضراب؟"، ومن الوجهة الحقوقية حق الإضراب مكفول طبقا للقانون وتوجد قوانين منظمة لعلاقات العمل، كما أن مصر وقعت على وثيقة الحقوق المدنية والاقتصادية بما فيها حق الإضراب السلمى، فالحكم بمثابة انتهاك لحقوق الإنسان والمواثيق السياسية.