تأكدت أننا قد نعتاد على العنف وعلى منظر الدماء عندما كنت مستلقياً على الأريكة أشاهد التلفاز مع ابني ذو الأربعة أعوام في إسترخاء تام، وفجأة غيرت القناة سريعاً عندما بدأ البطل في إخراج سكيناً قد استقرت في فخذه، وتفجرت الدماء، فصرخ ابني اعتراضاً "حولت ليه؟". فبدأت أعطي الأمر إهتماماً و تركيزاً أكبر دون أن يشغلني الجدل الفلسفي حول ما إذا كان الإنسان عنيفاً بطبعه أم لا، ففكرت قليلاً و وجدت أن هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى إعتياد ابني على منظر الدماء حتى أصبحت أمراً عادياً وغير ملفت بالنسبة له، ووجدت أنني أحد تلك الأسباب، فأنا أشاهد التلفاز أمامه، وكل ما نشاهده متشابه على الرغم من اختلاف القنوات. فنحن نشاهد إما فيلم اجنبي، بطله أمريكي عظيم يحارب عصابة أو جماعة إرهابية، ويستخدم في هذا كل أنواع الأسلحة بدايةً من الأسلحة البيضاء ووصولا إلى المدافع الثقيلة، أو فيلم هندي ملئ باللكمات والركلات، أو حتى فيلم عربي ملئ بالبلطجية و العاهرات. أما إذا حاولنا الابتعاد عن هذه الأجواء في محاولة منا للإلمام بما يحدث في العالم حولنا سنجد إما مذيعاً يصرخ في وجوهنا وهو يعرض علينا رجلاً يُحرق حياً، أو مذيعة لايمكن أن نصف أداءها إلا بأنه وصلة من ردح وهي تعرض علينا كلباً يذبح بالسكاكين. أما البرامج فيكفينا ذلك البرنامج الذي ينتهي إعلانه برأس تُقطع وإمراة تصرخ عندما تسقط الرأس عند قدميها. أما الألعاب الالكترونية فلا يختلف محتواها كثيراً، فهي عادة ما تدور حول العنف و القتل و المطاردات، ونحن نترك أبناءنا يلعبون بغير حساب، وكل ما يشغلنا في الأمر سرعة تعلمهم للعبة، وكيفية تحكمهم العظيمة في اللعبة، وهذا على اعتبار انها مجرد لعبة، ولكنها في الواقع ليست كذلك. أما الواقع فهو أن العالم عرف العديد من الوسائل التي تغير حالة العقل و الحس منذ زمن بعيد، فبدأ الأمر بالخمور و المخدرات، ثم تطور الأمر إلى تغيير الثقافات و اختراقها من خلال الإعلام و الأفلام، ثم اللعب على وتر الأخلاق من خلال الأفلام الإباحية، ثم وصلنا أخيراً إلى العمل على تغيير الإتجاهات والسلوك من خلال تبني العنف والترويج له بشكل مباشر أو مستتر. وتحول الأمر إلى تحدٍ كبير، تحدٍ لكل أسرة في تربية أبنائها، فبعد أن كان العنف يتولد عند الأطفال غالباً بسبب وجود توتر أسري، أو ممارسة الأب و الأم للعنف ضد أطفالهم أو ضد بعضهم، أصبح الأمر الآن أكثر خطورة من هذا، ففي إحدى القصص للأديب "شريدان" و التي أشار إليها الكاتب و الفيلسوف العظيم "أنيس منصور" في مقالةٍ له بعنوان "في يوم القرود" نجد أن معنى القصة يتلخص في أن رجل ضرب زوجته، فضربت هي ابنها، فضرب الابن الطاهي، والذي ضرب زوجته فضربت هي ابنها، فضرب ابنها رجل مار في الشارع بحجر، وبلا أي مبرر أو سبب واضح. أي أن هناك تسلسلٌ واضح للعنف يؤدي في النهاية إلى إستنتاج واحد وهو أن الرجل الأول هو الذي زرع العنف وهو السبب الحقيقي في ضرب الرجل المسالم الذي كان ماراً في الشارع. فهل من المنطق أن نزرع العنف في أبنائنا ثم نتسائل لماذا يلعبون لعبة جديد اسمها "داعش" في المدارس؟