بحبر الروح طاعنة حقاً تلك اللحظات التى تكشف عراء الحقيقة بعيداً عن التجمل والرتوش ورياء الإنفعالات ...فماذا لو انزلق القناع تاركاً الملامح عارية كالخطوط الهلامية التى تتضارب بلا هدى ؟ وماذا لو فاجأتك العيون الكاذبة بطلة لا محل لها من الإعراب وكأنها ترمقك بجحيم الدرك الأسفل من النار فتلفح وجهك بغبارها الأسود؟ وماذا لو وجدت نفسك فى منطقة عالقة تتقاطع بها الخصال ونقائضها وكأنك تخون إدراكك وبصيرتك بتقييمك المتخبط بين الشك واليقين ؟ لكى تعفى نفسك من ديلاما الأقنعة المتناثرة عليك تمييز تلك الفئة من البشر ممن يعشقون إرتداء العديد من الأقنعة ، فيُخرِجون من جُعبتهم المزدحمة ألف وجه ووجه ليخفون وجوههم الحقيقية وغالباً ما يكون صاحب الأقنعة العِدة مُصاباً بالكثير والكثير من الندبات الروحية التى تبوح بها ملامحه الأصلية . وفى محاولة تمتلىء بالرياء والإلتواء يتوهم خلالها ذلك (الآخر) أنه لا يكذب ولكنه يتجمل، حيث تمتلىء غرفة الماكيير الإفتراضية التى يترجل بها ذهاباً وإياباً بالكثير من أدوات التجميل والماسكات والعدسات اللاصقة التى تحجب شعاع عيونه ليظل صامتاً خلف قضبانه الزجاجية ، وبذلك يصبح صاحب المائة وجه مستعداً تماماً لإخفاء تلك الندبات أينما طفت ولفتت الإنتباه للقماءة السجينة خلف حُلته الخاطفة للأنظار . آه لو يعلمون ... فما العيب بندباتهم بل فى خداعهم وإلتباس أرواحاً تتنافر مع روحهم الأولى ....فتكاد تشعر وكأنك تتعامل مع أشباح متدثرة بوشاح خادع ، يشبه شبكة العنكبوت العملاقة، فإذا ما شرعت فى إعتلاء درجات خيوطها ، كان مصيرك السقوط بذلك الشرك الصامت الحذر الذى يتوق للحظة إنزلاقك إشباعاً لنواقصه الكامنة . والسؤال كيف نرى ندبات الروح من خلف الأقنعة المختلفة ؟ ومتى تسقط هذه الأقنعة المحكمة التى هى أقرب لصاحبها من أنفاسه ؟ أنه حقاً فخ شديد الصعوبة، يستلزم مَرانا نفسيا قاسيا، كى يصح الإنقضاض على تلك الحقيقة الجاثية قهراً خلف الملامح المشوهة والمستترة قسراً خلف القناع المُنتقى بعناية . اليكم بعض التمارين ... لابد من قياس وزن الكلمات الرنانة والمزينة بوزن الأفعال وما تحمله من دلالات فلا يخطفك قوس قزح الجرافيكى ،فما هو سوى خداع بصرى وروحى محترف ... وسأظل أرددها ملياً ، لابد من قراءة العينين ، فمهما احتبس شعاعها خلف العدسات اللاصقة ذات الألوان الجذابة ، لابد له دوماً أن يعثر على منفذ للهروب . وفى ذلك الحين يتصدر المنطق المشهد بأكمله فينكشف أمر العدسات الكاذبة، فتكون بداية التعثر عندما ينهار السلم الموسيقى بعد أن عزف مقطوعته المزيفة ليوارى خلف أنغامها المسترقة لحناً مُقبضاً قبيح التفاصيل.... كذلك لا تُغفلِون لغة الجسد ، فالأقنعة لا تخفى سوى الوجه القبيح، وتعجز عن ستر عورات الجسد المحمل بخطايا الروح، لكنها الحركات اللارادية التى تقص الكثير عن جنون النفس وتُشخِص مئات العلامات الواشية بالمرض، مُلتقِطة صوراً ضوئية لتلك الندبات والنتوءات الروحية التى يصعب استوائها . أراكم وقد أدركم الإجهاد ولكن الأمر ليس صعباً حقاً ، فهو لا يحتاج سوى نفساً رائقة معافاة وبصيرة صافية نافذة وشفافية بكر، حيث يمكن لصاحبها الإستناد للحدس اولاً ثم المضى قدماً مع كافة المعطيات والمقدمات الملتقطة والتى تقود حتماً لنتائج صادقة عن هؤلاء المزعومون، أصحاب الإدعاء الكاذب بفضائل أفلاطون فى مدينته الفاضلة ... ولتكونوا على ثقة من سقوط الأقنعة مهما طال أمد أرتدائها ، فهى تعزف كثيراً عن أصحابها وقد تتأهب لمساعدتكم أملاً فى تحررها . قد تَهم لكشف خبايا هؤلاء الوهميون، طمعاً فى سقوط ولو مؤقت ينهى معاناتها ويفك حصارها من قيد ندبات ظلت تتأوه كثيراً خلفها ، فأصحاب الأقنعة لا هم يشتاقون لوجوههم الحقيقية ولا هم يوقنون حقيقة الأوجه المستعارة التى ينقضى زمن استعارتها بالتقادم ... فاللحظات السجينة مع مشوهى الأرواح تفقد هويتها وحدودها ....!! من العدد المطبوع من العدد المطبوع