نهر تدفق فى القلب رقراقًا غسل الأوجاع وتنفست معه الروح أشواق عطر مغاير فى ليلة قمرية على أوتار النجوم؛ بل هى نسائم من وجد.. هكذا الكتابة تأسرنى برحيقها العذب.. هدوئها تارة وصخبها أخرى كموسيقى شرقية أعزفها على عود روحى فتنسجم اللحظة برقة الطالع وشجن الذكريات. وأتساءل أثرانى سأظل أعشقها حتى ينتهى الأجل؟ أتمرد عليها حين أشعر بمدى ما أعانيه معها فأجد الرقى أحيانًا ليس له رصيد بين بنى البشر.. فأزهد فى قلمى وأقرر أن أغلقه بإرادتى ولكن هيهات تمر اللحظة تلو الأخرى فأشتاق لروح القلم ومداد الأشعار وأعانق قصيدتى بمودة محب غاب عنه من يهواه وأهيم بين أشعارى. فإن غاب مدد الإلهام شعرًا أُرسِل غيث الكتابة النقدية بديلًا يدعم الروح بمداد أرواح كتابات الآخرين، ليتدفق القلم ويلهث وراء المعنى، يفك طلاسمه، ويبعث إشارات للعقل كى تستمر الكتابة تارة على شكل قصيدة وأخرى قصة وثالثة قراءة نقدية ورابعة مقال وهكذا تستمر الروح فى اللهاث وراء الحرف وقيمة الكلمة... و برغم كل المحن التى نلقاها كمبدعات من الصعيد ما بين صعوبة السفر للمشاركة فى فعاليات معظمها يكون فى العاصمة دون وجود مكان للإقامة مما يقتضى أن نقتطع من وقتنا وجهدنا ومالنا بل وعودتنا أحيانًا فى غياهب الليل ومخاطره لبلادنا ليكون ذلك ثمن تواصلنا مع عالم الإبداع ؛ ليس ذلك فحسب بل نكون بين نيران عدة.. فعدم تقدير المبدع بالشكل الذى يليق به وصعوبة النشر التى توازى معها النشر الخاص بكثافة ولا مُنجد لمن قصرت يده ولا يملك ثمن نشر كتابه ؛ ناهيك عن نظرة الكثيرين فى المجتمع إلى المرأة على أن الثقافة قد تكون عيبًا فيها وأن شطارة المرأة ليس فى عقلها أو إبداعها ولكن فى تفننها فى نظافة بيتها ورعاية زوجها وأبنائها وشطارتها فى مطبخها فإن أخذ منها الإبداع أو القراءة أو حتى حضور بعض الفعاليات الثقافية بعض الوقت فهى مقصرة فى حق كل الأشياء حتى ولو كانت متممة لكل الأشياء على خير وجه.. فهناك دائمًا رد جاهز: "إذا كنتِ قد أنجزت كل شيء ولديك الوقت بدلًا من إهداره فى قراءة وكتابة وندوات ثقافية فلتتعلمى ما يفيد أبنائكِ ولتكن الخياطة أو الأشغال اليدوية على الأقل نتاجهما مفيد لأهل بيتك ؛ أما القراءة والكتابة فما فائدتهما...!!". وقد لا تكون للقيمة فى النهاية نتاج فى مجتمعات لديها نسبة عالية من الأمية الثقافية لم يدركوا معها أن المرأة المبدعة أكثر قدرة على رعاية أبنائها حين تمارس هوايتها فينعكس ذلك على روحها وتربية أبنائها ورعاية بيتها بالإيجاب؛ وربما كنت محظوظة أنى نشأت فى بيت يقدر العلم ويعشق مداد القلم... ولكن دائمًا ما يفاجئنى سؤال إلى متى تبقى مبدعة الصعيد بعيدة عن المشهد الإبداعى إلا فى فعاليات قليلة أو تقبض على إبداعها كأنها قابضة على جمرة فى القلب...؟! وإلى متى سيكون تكريم المبدعة فى بلادنا بنظام (الكوتة) فى مؤتمر يعبر عن مبدعين مصر جميعًا... وإلى متى سيصنف الإبداع على أنه لرجل أو امرأة دون النظر إلى القيمة والرقى الذى يحمله ذلك الإبداع لمجتمعاتنا...!!