المصطلحان أو التعبيران مزعجان للبعض جدًا.. وعلى الأقل غير مريحين، لكن سمه ما شئت: الربيع العربى.. أو الثورات العربية.. أو التغيير الثورى العربى.. أو حتى حلم التغيير العربى!. أما من لديهم حساسية من تعبير المؤامرة، ومما يسمونه ساخرين متأففين: "نظرية المؤامرة".. فلتسمها أيضًا ما شئت: المؤامرة.. أو المخطط.. أو التصور.. أو التدبير!. لنقل حتى: التغيير العربى.. والتدبير الأمريكى!. لكن المهم هو الجوهر.. وأصل الحكاية، وهو جوهر وأصل: كل الذى يجرى فى منطقتنا، فى هذه الحقبة من الزمان. رغبات وآمال شعبنا فى هذه المنطقة العربية (أو الأمة أو الوطن أو العالم العربى!).. من أجل تغيير أحوال سياسية واقتصادية واجتماعية، صارت على امتداد السنين بل العقود الأخيرة، تزداد قسوة وبؤسا وانحطاطا عاما بعد عام، وعقدا بعد آخر.. على نحو وصلنا معه، إلى ما يفوق احتمال أى شعب أو منطقة فى العالم.. من التخلف الحضارى، والظلم الاجتماعى، وسيطرة حفنة على كل المقاليد والسلطات، وكل المقدرات والثروات.. وحرمان الجموع من أبسط حقوقهم فى الحياة والدخل القومى، وفى التعبير بحرية عن أنفسهم، وفى إيجاد مناخ صحى معقول تتقدم فيه حياتهم ومواهبهم.. لقد صار كل شئ خانقا. ومن هنا كان انفجار الأوضاع فى تونس ومصر على التوالى، فى عام 2011 طبيعيًا لازمًا.. وكانت بقية الشعب العربى فى مختلف الأنحاء ترنو إلى الثورتين المصرية والتونسية بأمل أن تكللان بالنجاح، وأن تتبعهما بقية المواقع والأوضاع فى الأمة!. على الجانب الآخر من "الشطرنج" (أو الصراع أو المواجهة التاريخية الممتدة) كانت تقبع وتتربص الإدارة الاستعمارية الأمريكية، على رأس كل قوى وأطراف وذيول المعاداة لمصالح الشعب العربى، فى البداية فوجئت الولاياتالمتحدةالأمريكية، بما أطلق عليه مبكرًا، مع الثورتين فى تونس ومصر، باندلاع الربيع العربى.. ولم يكن فى حسبان كل أجهزتها، بما فيها وكالة مخابراتها، الجهاز العاتى والأكثر استعدادًا وإعدادًا وشرًا فى عالمنا.. بكل هذه الطاقة والعنفوان لدى الشعب العربى، وإصراره على (إسقاط النظامين)، وبناء المستقبل والوطن الجديد و(نظام الحرية والكرامة والعدل الاجتماعى والاستقلال الوطنى). ولم يكن أمام واشنطن وأجهزتها وأذنابها، سوى إحناء الرأس مؤقتا للعاصفة.. العربية. لكن الهدف الأمريكى ظل كما هو: الهيمنة على المنطقة واستمرار نهب مواردها خاصة البترول.. وضمان تفوق وحماية رأس الحربة للقوى الاستعمارية القديمة والجديدة: كيان "إسرائيل". وفى سبيل ذلك يمكن دائمًا فى نظرهم، أن يطاح بكل شئ وحتى بأى نظام.. وليست أنظمة الحكم العربية فى نظرهم، ووظيفتها، سوى أدوات ينبغى أن تؤمر فتطيع، وتتبع. وبغير هذه التبعية الكاملة فإنه لا لزوم لها بل ولا أمان تستحق!!.. وسوف تتعقبها بالاغتيالات والانقلابات أو حتى الحروب العدوانية إن لزم الأمر!. ولقد كان السؤال أمام البيت الأبيض وال"سى.آى إيه"، خلال العقدين الأخيرين: ماذا بعد مبارك؟.. ماذا بعد زين العابدين؟.. ماذا بعد عبد الله صالح؟. إلى آخر كل هذه الأنظمة والحكام المطيعين "التابعين"؟. لأنه سيأتى يومًا، لن يتأخر كثيرا، ينتهى فيه عمرهم الافتراضى أو صلاحيتهم.. وسوف ينزاحوا لا محالة بطريقة أو أخرى، كان السؤال الأمريكى: ما البديل؟. وقد توصلت إدارات وأجهزة الأمريكان خاصة منذ السنوات الأولى للقرن (21)، إلى أن البديل المناسب للحفاظ على سياستهم وسيطرتهم ومصالحهم فى المنطقة.. هو الدفع بقوى ما يعرف بالإسلام السياسى.. خاصة "الإخوان" وصعودهم للحكم، وهؤلاء لم يتوانوا أو يقصروا، فى طمأنة الأمريكان على أنهم سوف يكونون.. نعم "الحليف الأليف".. وحتى الخاضع والتابع!. ومشكلة منطقتنا.. أن الأمريكان ما زالوا حتى الآن عند تصورهم واختيارهم (ومؤامرتهم!).. ولا يريدون أن يقتنعوا بأن شعبنا لفظ كليا (رجالهم الملتحين الملتحفين بالإسلام)!.. وحتى بعد صدمتهم بخروج الشعب فى مصر على أوسع نطاق: مطيحًا بهؤلاء "الإخوان" وحكمهم!.. فى ثورة 30 يونيو 2013 العظيمة، منقذًا ثورته العظيمة فى 25 يناير 2011. والحقيقة أن أطرافًا كتركيا أو قطر.. مجرد أذناب أو ذيول وأدوات، مازالت تحركها الإدارة الأمريكية.. من أجل استمرار (المؤامرة الأمريكية) التى لا يزال هناك إصرار عليها.. ضد (الربيع العربى) أو ثورات وتطلعات الشعب العربى!. من العدد المطبوع من العدد المطبوع