يكتب: الشيخ شَرَم الانكلاب لا يعلم "صابر" لماذا خلى المقهى من رواده بعد صلاة هذه الجمعة، حيث كان قد اعتاد الجلوس فى المقهى وسط العشرات بعد خروجه من المسجد وشراء معظم الصحف المنشورة على حبل عم "ضياء" بائع الجرائد والمثبتة بمشابك الغسيل الخشبية.. إنها حقًا جمعة استثنائية ! صابر.. اسم على مسمى لشاب على بعد خمس سنوات من أن يكون على أشده ويبلغ الأربعين سنة، بعد أن تخرج منذ 12 عامًا من كلية الهندسة جامعة الإسكندرية قسم الهندسة النووية والإشعاعية، الذى كان عبارة عن حجرة واحدة وعدة كراسى متهالكة وطلبة فاشلين بالفطرة، تخرج "مهندس نووى" ويعمل فنى أشعة منذ 10 أعوام فى إحدى مراكز الأشعة الطبية بعد أن فشل كسابقيه فى أن يكون مهندسا فعليا. عاجبك كده يا باشمهندس وقف الحال ده؟ هكذا استقبله شاب عشرينى ينادى ب"أمون" واسمه "وليد" خريج كلية الأداب قسم الأثار، والذى يحب عمله كمقدم مشروبات فى أحد المقاهى البسيطة كى يعمل ما يحب. الناس فين يا "أمون" القهوة فاضية ليه؟ الزباين خايفة تيجى النهاردة ويحصل انفجار زى اللى حصل من كام يوم فى القهوة اللى فى شارع الجيش. إشمعنى النهاردة الناس كلها خايفة؟! عشان المؤتمر الاقتصادى، والمفروض إن الإرهابيين مش هيفوتوا اليوم ده يعدى على خير. ظل الحديث دائرًا بينهما حتى جاءت الرابعة عصرًا وبدأت فعاليات اليوم الأول للمؤتمر الاقتصادى فى شرم الشيخ. مع بداية كلمة الرئيس "عبد الفتاح السيسى" دخل المقهى رجل خمسنى بلحية متوسطة الطول يرتدى جلبابًا أبيض قصير، بصحبة آخر يقترب من عمره وجهه الأسمر أملس ويرتدى بلوفر أخضر أنيق فوق بنطال من القماش السميك/الجينس، وجلسا سويًا تحت شاشة التليفزيون المعلقة على عمود خرسانى فى منتصف المقهى.. وخلفهم من بعيد "صابر" يتأمل ما يحدث بينهما. بدا على الاثنين الاختلاف الشديد الذى يصل إلى حد الخلاف الجذرى رغم صلة الرحم فى الأنساب بينهما فالأخير زوج أخت الملتحى وهاهم بعد تناول الغذاء العائلى جاءوا سويًا إلى المقهى لمتابعة ما يحدث فى شرم الشيخ. بدأ "صابر" الانصات للحوار الدائر بينهما عندما قام ما يناديه الملتحى بالعميد "سامى" الذى تبين أنه ضابط متقاعد بالقوات المسلحة، بالتصفيق الحاد بعد كلمة الرئيس "عبد الفتاح السيسى" فى مشهد يحدث على المقاهى فى هذه الأيام سوى عندما يحرز اللاعب "محمد صلاح" هدفًا فى إحدى الفرق الأوروبية، وبدا الغيظ مكظومًا فى حلق ما ينادى بالحاج "مصطفى" الذى ظل على هذه الحالة لفترة طويلة إلى أن قال سامى بصوت الجندى المنتصر فى الحرب: الله أكبر.. الله أكبر.. 12 ونص مليار دولار، يا ما انت كريم يا رب. فقال "مصطفى" متهكمًا: هو إيه أسلوب الشحاتة ده، هو هيقضها تسول كده ! تسول إيه.. ده اسمه استثمار يا حج.. انت ماتعرفش الاقتصاد ولا إيه ! ده لو مش عايز تسميه شحاتة، يبقى اسمه نقوط فى فرح بلدى.. هو الاستثمار والاقتصاد بيقى بودايع تتحط فى البنوك وفلوس تتبعت للرئيس وعليهم شوية بنزين وسولار. انتوا هتفضلوا كده يا بتوع مرسى.. عايزين توقعوا البلد.. مش كفاية إن كل الدول بتتأمر على مصر ومش عايزة المؤتمر ينجح.. لأ كمان البلد ناقصاكم! هنا اضطر صابر للتدخل من بعيد قائلًا: كل دول مين اللى عايزين يفشلوا المؤتمر الاقتصادى.. هو حضرتك مش واخد بالك إن الدول اللى بتتكلم عليها موجودة فى شرم الشيخ دلوقتى ؟! هنا أدار الحاج مصطفى وجهه مبتسمًا للخلف كى يتأمل من أطرب أذنيه بكلماته وقال متحفزًا: قوله يا أستاذ.. ده بيصدق كلام الإعلام. انت كمان يا حج.. ناسى إن "مرسى" لما بقى رئيس كان عايز يجيب الفلوس بنفس الطريقة، وفشل، وكل اللى جابه 2 مليار من قطر، وكان بيقول إنه هيجيب 200 مليار أول ما يبقى رئيس.. يعنى الحال من بعضه. مهو كان هايجيب.. بس مالحقش يقعد.. وعملوا عليه انكلاب ومشوه. انكلاب!! طيب السيسى جاب 24 مليار فى أول يومين وهو هياخد 12 مليار اليومين اللى جايين. هنا تنفس العميد سامى الصعداء وقال ضاحكًا: صح يا أستاذ والله.. ولسه لما تتعمل العاصمة الإدارية الجديدة.. هنتنقل نقلة تانية خالص. رد صابر ضاحكًا: قصدك اللى هتبقى عند مدينة بدر ؟ أيوه هى دى. الى هتبقى حوالى 700 كم مربع ؟ بالظبط كده. لأ.. دى زى "أرابتك" كده. يعنى إيه؟ يعنى عبد العاطى.. يعنى كفتة.. يعنى بلح. هنا أصابت الحاج "مصطفى" نوبة من الضحك الشديد جراء خيبة الأمل التى لاقاها العميد "سامى" عن كلمات "صابر" المهندس لقبًا والفنى عملًا، وكأنما أعطى لكمات متتالية للعميد بالنيابة عنه، فما كان من "صابر" سوى توجيه لكمة للملتحى قائلًا: أخبار الانكلاب إيه.. بيترنح.. ولا الشيخ شرمه ؟ فنظر العميد إلى زوج أخته باندهاش وبادله الأخر نفس النظرة ثم قال منزعجًا: انت تبع مين يا أستاذ.. مرسى ولا السيسى ولا إنت إيه بالظبط؟! هنا ابتسم صابر إبتسامة الواثق من معلوماته قائلًا: أنا إنسان عادى وبسيط جدًا لكن بضع الأمور فى نصابها.. اللى سموه مؤتمر اقتصادى ده هدفه الأساسى سياسى، الدول اللى قالت إنها هتمنح مصر 12 مليار دولار هى نفس الدول اللى منحت مصر قبل كده 24 مليار دولار.. يعنى مفيش جديد غير إن الرئيس "عبد الفتاح السيسى" قدر يرسخ حكمه ويفرض نظامه كأمر واقع أمام العالم، وكل اللى بيحصل ده والأرقام اللى سمعتوها عبارة عن مساعدات ومنح ليس أكثر، أما الاستثمار فهو حاجة تانية خالص، ومفيش حد من ممثلى الدول اتكلم عن أجندة استثمارية واضحة ومحددة الخطوات والتوقيتات، كله كلام عام زى اللى كنتوا بتسمعوه أيام مبارك.. وبالمناسبة المنح اللى خدتها مصر الفترة اللى فاتت ماتجيش 10% من اللى خده حسنى مبارك من دول الخليج ومحدش شاف منهما حاجة خالص ولا حسينا بيهما.. وطول ما النظام زى ما هو مش هتحسوا بحاجة.. اللى أقصده.. إن مبارك هو مرسى هو السيسى طالما النظام بيقضى يوم بيوم من غير خارطة اقتصادية وسياسية واضحة.. لكن فيه حاجة واحدة مش فاهمها! رد الاثنين فى آنٍ واحد: إيه هى ؟! هما الإرهابيين وطنيين لدرجة إنهم عملوا هدنة عن التفجيرات عشان المؤتمر ينجح.. ولا البارود خلص ؟ وهنا انصرف "صابر" من أمامهم وخرج من المقهى.. تاركًا الاثنين ينظر كل منهما للأخر وفمهما مفتوحا. من العدد المطبوع من العدد المطبوع