عندما تسود العشوائية في المشهد السياسي، فان المراقبين يميلون إلي وصفه بالغموض، حيث لا يمكن حسم أو توقع أياً من التطورات القادمة، ولو حتي علي المدي القريب. ويبدو أن هذا هو الحال السائد في منطقة الشرق الاوسط في الوقت الحالي. فمن الصعب القول بأن المنطقة تسير إلي الاستقرار، وان المفاوضات قد تؤدي إلي حل، ومن الصعب القول ايضا بان المنطقة متجهة إلي الحرب.وبينما يجري الحديث عن احتمال قيام إسرائيل بهجوم عسكري علي قطاع غزة، وجنوب لبنان، وايران، بدأ الحديث يجري بشكل مباشر عن الاعداد لتوجيه ضربة عسكرية إلي سوريا، بدعوي أن ثمة مواقع سرية تخفي فيها سوريا الترسانة الاسلحة الكيميائية والبيولوجية التي كان يملكها الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، ونجح في تهريبها إلي سوريا في الساعات الاخيرة قبل دخول قوات الاحتلال الامريكي إلي العراق. وتواصل الالة الاعلامية الإسرائيلية في القاء الضوء علي هذا الموضوع لاختلاق تبرير مبكر لاي هجوم اسرائيلي عسكري يقع قريبا، بما يدفع إلي التساؤل عما اذا كان هجوما كهذا سيؤدي إلي اندلاع حرب شاملة في المنطقة. وهناك من يقول إن الامر ليس سوي جزء من خطة عسكرية إسرائيلية تقضي بشن هجمات لتقليم أظافر سوريا وحزب الله في جنوب لبنان وحماس في قطاع غزة، تمهيدا للهجوم علي ايران لتدمير المنشآت النووية هناك. وفي المقابل تحسنت العلاقات الامريكية الإسرائيلية في الاونة الاخيرة، وبدأ الحديث تارة عن اعادة فهم امريكي لسياق الامور في الشرق الاوسط، واستبدال الضغوط بالمداعبات، وعودة الدفء إلي شبكة العلاقات الباردة بين إسرائيل والولايات المتحدة، بعد التصريحات الايجابية الاخيرة للرئيس الامريكي باراك اوباما ومبعوثه ميتشيل تجاه اسرائيل، وبعد لقاء الرئيس بوزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك والقرار بتحويل ملايين الدولارات لمشروع "قبة حديدية"، وتأكد الامر بوصول دعوة رسمية تلقاها بنيامين نتنياهو للقاء قمة في البيت الابيض. ويقول البعض في إسرائيل إن اللقاء يأتي لوضع حد للازمة الخطيرة التي اندلعت قبل نحو شهرين بين ادارة اوباما وبين نتنياهو علي خلفية النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، لا سيما في موضوع استمرار البناء في شرقي القدس، ولاصلاح الانطباع المغلوط الناشيء وكأن إسرائيل "لم تعد حليفا مطلقا للولايات المتحدة". واعتبرت صحيفة يديعوت احرونوت الإسرائيلية تسليم الدعوة إلي نتنياهو تمثل ذروة التغيير في موقف ادارة اوباما من نتنياهو، واكدت أن الاسابيع الاخيرة شهدت تغيير البيت الابيض استراتيجيته تجاه إسرائيل بعد أن فشلت هجمة الضغوط في احراز اهداف اوباما. وهناك من يرجع التحول الامريكي إلي التخوف من الفشل في انتخابات الكونجرس التي تجري في نوفمبر القادم. ونقلت صحيفة معاريف عن مصدر في واشنطن قوله أن "صندوق الحزب الديمقراطي فارغ، وان اعضاء كونجرس وسيناتورات ديمقراطيين كثيرين اشتكوا من أنه اذا استمرت الازمة مع اسرائيل، فلن يتلقوا اي تبرعات من اليهود، وبالتالي سيخسر الديمقراطيون معركة الانتخابات. ونقلت صحيفة يديعوت عن مصدر في البيت الابيض قوله انه "بدلا من الضغط علي نتنياهو، بات المنهج الآن هو معانقته، ولكن الهدف ما زال هو نفسه دون تغيير، وهو تحقيق نتائج". ويبدو التصريح وكأنه رسالة تستهدف طمأنة الجانب العربي حتي لا يصاب بالقلق من هذا التحول الامريكي.وربما يؤيد ذلك الدعوة المفاجئة التي تلقاها رئيس السلطة الفلسطينية ابو مازن لزيارة واشنطن في الاسبوع الثاني من شهر يونيو. ومع ذلك ينقل البعض عن نتنياهو قوله للمحيطين به انه نجح في الانتصار علي الادارة الامريكية، وان الامريكيين لم ينجحوا في اخضاعه وانه في النهاية لم يتنازل عن خطوط إسرائيل الحمراء. ولكن الكاتب الإسرائيلي يوئيل ماركوس، يرفض مزاعم نتنياهو بالانتصار، فيقول في مقال بصحيفة هآرتس الاسرائيلية، تحت عنوان "لا نصر ولا بطيخ"، أن اوباما تراجع عن الضغط علي إسرائيل باقترابه من انتخابات نصف الولاية في مجلس النواب، وادراكه مدي احتياجه إلي القوة اليهودية، المتمثلة في قوة المنظمة اليهودية "ايباك" وتبرعات اليهود واصواتهم. ودلل علي صحة ذلك بالاشارة إلي أن اوباما جمع مرتين عشرات النواب الديمقراطيين المرشحين للانتخابات وحاول أن يقنعهم بانه يلتزم أمن إسرائيل واعترف بأنه أخطأ في طريقة تعامله مع الملف الفلسطيني الاسرائيلي. وتنقل صحيفة معاريف عن مصادر إسرائيلية رفيعة المستوي قولها إن نتنياهو توصل إلي اتفاق مع الامريكيين، بموجبه لا تعلن إسرائيل عن تمديد تجميد البناء في المناطق، والامريكيون "سيحرصون" علي الا ينسحب الفلسطينيون من المحادثات، علي أن تلتزم إسرائيل بعدم العمل بعدوانية تجاه الفلسطينيين، واستئناف البناء فقط في مناطق الاجماع الواضحة في الكتل الاستيطانية. ومع ذلك، اشارت مصادر في واشنطن إلي أن نتنياهو يخشي من الدخول في فخ جديد خلال اللقاء مع اوباما لانه يعلم انه في الغرف المغلقة سيتعين عليه الاجابة علي اسئلة صعبة مثل "كيف تري نهاية المفاوضات مع الفلسطينيين". حاكم عسكري تأتي هذه التغيرات في الموقف الامريكي في الوقت الذي تتعمد فيه إسرائيل المبالغة في تقدير ترسانة الاسلحة التي تملكها حركة حماس، والتمهيد علنا، بالقول والفعل، لشن هجوم واسع علي قطاع غزة، يتم من خلاله الاطاحة بحركة حماس، واعادة حركة فتح للحكم في قطاع غزة، في ظل وجود حاكم عسكري! وتحدثت وسائل الاعلام الإسرائيلية علنا عن أن الجيش الإسرائيلي طلب من محافل في الشرطة العسكرية العثور علي "حاكم لغزة". والسبب: هو الاستعداد لتنفيذ خطة لاجتياح غزة تتضمن تعيين حاكم عسكري في صورة ضابط للعناية بالسكان الفلسطينيين في اطار حكم عسكري. ويبرر قادة الجيش الإسرائيلي نزوعهم إلي اجتياح غزة بدعوي انه لا يجوز تجاهل سباق التسلح الذي تخوضه حماس وباقي المنظمات الفلسطينية الكفيلة بمهاجمة إسرائيل في لحظة تدهور اقليمي، تنطلق خلاله الصواريخ نحو الاراضي الإسرائيلية من لبنان ومن سوريا ايضا. وبناء علي ذلك، تتدرب قوات الجيش الإسرائيلي والشرطة العسكرية علي امكانية أن يجتاح الجيش الإسرائيلي كل قطاع غزة، بما فيه مدينة غزة والمدن الفلسطينية الاخري ويضطر إلي حكمها لزمن طويل. في اطار التدريبات، قيل للضباط في الشرطة العسكرية أن علي الوحدات المختلفة أن تستعد لامكانية أن يعين الجيش الإسرائيلي حاكما عسكريا لغزة. ونقلت صحيفة معاريف عن مصدر بالجيش الإسرائيلي قوله: "قيل لنا إنه في اطار الاستعداد لمختلف السيناريوهات اختير منذ الآن ضابط للمهمة، يعرف كيف يدير الوضع في قطاع غزة في حالة توقف الهيئات السلطوية عن اداء مهامها، بحيث إنه اذا طلب من الجيش السيطرة علي المنطقة فانه سيعرف ايضا كيف يساعد السكان". وكشفت الصحيفة الإسرائيلية عن وجود خطط جاهزة يحتفظ بها الجيش الإسرائيلي لتطبيقها في قطاع غزة، تتضمن اقامة معتقلات تستوعب الاف المعتقلين الفلسطينيين المشتبه بارتكابهم "اعمالا ارهابية"، لاحتجازهم لزمن طويل، وفي ظروف معقولة".