للحرم القدسي الشريف مكانة سامية عند المسلمين كافة.. وخاصة المسجد الأقصي فهو أولي القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وفيه صلي الرسول بالأنبياء، وكذلك الحال بالنسبة لقبة الصخرة التي تقع في قلب الحرم القدسي الشريف. لهذا فكلما تصاعدت الأحداث وتعرض أحد هذه المقدسات لاعتداءات صهيونية، ثارت ثائرة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها خوفا علي ذلك التراث الديني العريق. لهذا فإن صدور كتاب علمي موثق عن تاريخ الحرم القدسي وأهم مايضمه من آثارإسلامية في هذا التوقيت يعتبر حدثا مهما وردا مباشرا علي محاولات طمس هوية الأقصي الإسلامية.فقد صدر حديثا عن دار الكتاب العربي ببيروت في لبنان كتاب "الحرم القدسي الشريف" من إعداد الباحث الأثري المتميز د.خالد عزب والباحثة الشابة شيماء السايح. يتعرض الكتاب لتوضيح أهمية قبة الصخرة التي هي علي قدر كبير من الأهمية من الناحية الدينية، فهي موقع معجزة الإسراء والمعراج، ومن الناحية الفنية الزخرفية فهي معلم يؤرخ للفن الإسلامي في مراحل تكوينه وتشكيله المبكرة، ومن ناحية معمارية فهي تحفة فريدة لم يبن مثلها من حيث التصميم ولا من حيث الوظيفة في العمارة الإسلامية، فضلاً عن أنها تعد أقدم معلم من معالم الحضارة الإسلامية، وهي تشكل أعلي بقعة في الحرم القدسي الذي يتضمن العديد والعديد من المنشآت المعمارية الإسلامية التي ألحقت به في فترات تاريخية مختلفة. ثم نتعرف علي تلك المنشآت تاريخيا ومعماريا من خلال صفحات كتاب "الحرم القدسي الشريف" والتي بلغ عددها ثمان وثمانين صفحة تضمنت وصفًا مفصلاً لعمائر الحرم القدسي الشريف وعلي رأسها المسجد الأقصي وقبة الصخرة، هذا الكتاب الذي يعد سجلاً لعمارة الحرم، بتكوينه المعماري بالتفصيل، وبما يتضمنه من لوحات وصور ملونة لتلك الأبنية، هذا إلي جانب احتوائه علي عدد هائل من صور الرحالة الذين حرصوا علي زيارة مدينة القدس في فترات زمنية مختلفة، وسجلوا مشاهداتهم في رحلاتهم التي يزخر بها التراث العربي والإسلامي. يبدأ الكتاب بمقدمة تاريخية عن مدينة القدس وتسميتها، وموقعها الجغرافي، واهتمام العرب المسلمين بها منذ فتحها في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، مرورًا بخلفاء بني أمية ثم ورثة الدولة العباسية، واهتمامهم بالمسجد الأقصي وقبة الصخرة، حتي أصبحت القدس بأيدي الفاطميين، ثم سيطرة السلاجقة عليها، ثم ازدهار القدس في عهد صلاح الدين الأيوبي، حتي أصبحت مركزًا علميا مرموقًا في العصر المملوكي يفوق المراكز العلمية في العالم الإسلامي، وأخيرًا اهتمام العثمانيين بالقدس وإقامتهم للمنشآت المعمارية كالمساجد والمدارس والتكايا والأسبلة. تلا ذلك شرح مفصل للحياة العلمية في القدس، وسرد لأهم المنشآت التعليمية التي أقيمت بها في العصرين الأيوبي والمملوكي، ومنها المدرسة الوجيهية والمدرسة الجاولية، والمدرسة الكريمية، كما تضمن هذا الجزء من الكتاب أبرز علماء مدينة القدس في الطب والرياضيات وفي مجال العلوم الدينية وعرض لأشهر مؤلفاتهم. ثم يبدأ وصف مكونات الحرم القدسي وهو المحور الرئيسي بهذا الكتاب بدءًا بالمسجد الأقصي، حيث يتعرض الكاتب لتاريخ بناء المسجد، ووصفه المعماري، بالإضافة إلي ماورد عليه من نصوص تأسيسية، وقد ألحق بهذا الجزء من الكتاب مساقط أفقية ورأسية لتوضيح عمارة المسجد، وصور ملونة لتلك النقوش الواردة عليه، يلي ذلك قبة الصخرة ووصفها المعماري، ووصف زخارفها الداخلية والخارجية وصفًا مفصلاً، مع التركيز علي زخرفة الفسيفساء بها، وأخيرًا فقد حفظ لنا هذا الكتاب بين طياته وصف أبنية الحرم التي ألحقت به في فترات تاريخية مختلفة، ومنها أبوابه كباب العتم الذي يذكر عنه أن الخليفة عمر بن الخطاب دخل منه للقدس، وباب الأسباط، وباب الحطة، هذا إلي جانب ما يتضمنه الحرم من مدارس كالمدرسة الفارسية والمدرسة الأسعردية، والمدرسة الأشرفية، بالإضافة إلي ما يحتويه الحرم من قباب كقبة المعراج، وقبة سليمان، وقبة السلسلة، وغير ذلك من أبنية الحرم كالأسبلة ومنها سبيلا البصيري وشعلان، والمساجد كجامع المغاربة وجامع النساء الذي أنشأه السلطان الناصر صلاح الدين، ومهد عيسي والمصلي المرواني، وصهريج الملك المعظم، ومنبر برهان الدين الذي يقع في صحن قبة الصخرة.