لا أعتقد أن كل (الإخوة) قد أغضبهم إعادة نشر (ألف ليلة وليلة) بطولة الفاتح العظيم والقائد المظفر (عز الدين شهريار) المليئة بفتوح النكاح بل وربما رأوا فيها جوابا قاطعا مانعا علي سؤال الشاعر أحمد مطر قبل نحو عشرين عاما (وها قد عرفتم فتوحَ الحروب/ فهلا تركتم فتوحَ النكاحْ!؟). الجواب: ولم لا ولن نترك فتوح النكاح فهي فتوح الآباء والأجداد وسنصوغها شعرا ونثرا وأدبا وألف ليلة وليلة!!. الصورة النمطية للحاكم العربي النموذج الذي يقدمه الفاتح المحرر (عز الدين شهريار) هي الصورة النمطية للحاكم العربي علي مدي التاريخ، صورة السفاح القاتل الذي لا يرف له جفن ولا يهتز له ضمير وهو يذبح في كل ليلة عبر سيافه المسرور (أنثي) لأن الفكر العربي الجاهلي كان ولا يزال يري أن (الأنثي عار والعار أنثي)، ورغم ذلك فقد استطاعت العزيزة شهرزاد قهره عبر أساطيرها الخرافية التي خلبت ما تبقي من اللُب الخشبي (لأمير المؤمنين عز الدين شهريار)، هذا لو كان لدي ذلك الوحش السادي عقل أو قلب من الأساس!!. إنه نموذج مشابه للبطل العربي (اللص الشريف علي بابا) الذي مجدته الأسطورة لأنه كان لصا قنوعا عكس أخيه (اللص الشرير قاسم) الذي وقع في شر أعماله بسبب الطمع رغم أنه كان من المتعين قطع أيدي الأخوين!!. كما أن الطريقة الشهريارية الشهرزادية هي نمط حياة يتصرف من خلاله بعض (الدعاة القدامي والجدد) أصحاب القصور الفارهة، الذين ستكتب سيرتهم الذاتية بأحرف من (نور النيون) ربما في الطبعة القادمة من ألف ليلة وليلة!!. الحديث إذا عن معركة حامية الوطيس بين تيارين متحرر وآخر متحجر هو مبالغة سخيفة إذ أن هذه الألف ليلة وليلة لا تعدو كونها وصفا لما يجري وراء الأستار في قصور المتسلطين القدامي والمعاصرين. فريقان الآن تبدو ساحة الثقافة والفكر مقسومة بين فريقين، فريق يصيح: الأخلاق الأخلاق، أوقفوا طباعة هذه الرواية الفاسدة المفسدة، وفريق آخر يصيح الحرية الحرية، سنعيد طبع هذه الرواية بالآلاف بالآلاف، وبالروح بالدم نفديك يا شهريار وهكذا حتي يدرك الجماهيرَ الصباح فيتوقفوا عن الهتاف المباح!!. وسواء كان الأمر مخططا أو خبطاً عشوائياً كما نعتقد نحن فأزمة نقص الثقافة التي يعاني منها جمهورنا التائه والمحشور في الصراع الدائر بين الفريق السلطوي والفريق السلفي تبدو واضحة. ويكفي نظرة واحدة علي معرض الكتاب لتكشف الصورة كلها. فالفريق السلفي يملك العشرات من دور النشر المدعومة ماليا وهي التي أدمنت توزيع الكتب المجانية التي تروج لأفكار ابن تيمية وابن القيم بعد أن تجاوزت مرحلة الشحن الجوي والبحري نحو تمصير المنتج وطبعه في بلد المستهلك. أما الفريق الحكومي فيملك هو الآخر رصيدا ماليا لا بأس به ولكنه موجه أيضا لطبع ما قدمه لنا (السلف) من بضاعة تبدو أكثر ليبرالية من كتب ابن تيمية وابن القيم أو لطبع المقالات الصحفية التي يكتبها الأصحاب والأحباب بعد جمعها في كتاب، (أولئك يؤتون أجرهم مرتين)، مرة من الصحف ومرة من مؤسسات النشر الحكومي!!. صراع بين سلفيتين إنه صراع بين سلفيتين، إحداهما (حكومية معتدلة) والأخري يزعم أصحابها أنهم وحدهم هم الأهدي سبيلا في غياب إبداع فكري حقيقي أو تهميشه وتجاهله أو محاصرته لتبقي الساحة منقسمة بين مؤيد لعز الدين شهريار كنموذج (لليبرالية العربية القديمة) التي تطرب للغناء وتحب الجنس والشعر والحياة وتعشق الأديبة شهرزاد ولا تري تناقضا بين هواية قتل الأنثي ووأدها وعشق الآداب والفنون، والفنون جنون!!. قبل أشهر قليلة سقط عدد من الشباب النابه ضحايا (لحملة مناهضة التبشير الشيعي) ممن اعتنقوا هذا الفكر التكفيري الذي تزودهم به الفضائيات وشبكات الإنترنت فضلا عن فتاوي التكفير وقتل الطائفة الممتنعة المنثورة في الكتب المشار إليها آنفا بعد أن تورطوا فيما بات يعرف (بخلية الزيتون). إنهم ضحايا الفريقين السلفيين الرسمي وغير الرسمي اللذين نجحا في إقناعهم بأن ثمة مجزرة بل ومؤامرة كبري ترتكب في حق أهل السنة في شتي بقاع الأرض وأن عليهم حمل السلاح وخوض المعركة وإراقة الدماء وليكن البدء في مصر وليكن الضحية الأولي تاجر المصوغات في حي الزيتون فكان هذا الشباب المتعلم هو الضحية رقم مائة ألف للفكر التكفيري. لا نري سببا واحدا لخوض معركة الدفاع عن (عز الدين شهريار) في نفس الوقت الذي يتوالي فيه سقوط شبابنا بالمئات صيدا سهلا لكتيبات أبو مصعب السوري والمقدسي والزرقاوي وما يستجد من آباء لأن الميزانيات لا يمكن توجيهها لطباعة الكتب التي ترد علي هذا الفكر التكفيري أو لتوسيع رقعة المنضمين لنادي (الكُتاب) ومن ثم توسيع آفاق الرؤي والأفكار المعروضة في الساحة وتقليص عدد المنضمين الجدد لهذه التيارات فالخرافات والأساطير و(شهريار) علي ما يبدو هو الحل!!.