يتعامل الكثيرون مع مسرحية (سكر هانم) باعتبارها معدة عن الفيلم السينمائي الشهير الرائع الذي يحمل نفس الاسم من بطولة عبد المنعم إبراهيم وإخراج السيد بدير. ولكن حقيقة الأمر أن الفيلم نفسة مأخوذ عن مسرحية (العمة شارلي) للكاتب المسرحي الإنجليزي والتر براندون توماس. كما أن كاتب سيناريو الفيلم المؤلف الراحل الكبير أبوالسعود الإبياري سبق أن أعدها لفرقة إسماعيل يس المسرحية بعنوان (شقة المراهقين)، وحققت نجاحا كبيرا قبل أن تتلقفها السينما وتصنع منها واحدا من أشهر أفلامنا الكوميدية. ويبدو بوضوح من تحليل الفيلم السينمائي الممتع اعتماده علي أصل مسرحي، وذلك من محدودية أماكن التصوير وانقسام الأحداث إلي ثلاث مراحل أو حركات درامية بشكل واضح. ومن انبعاث الكوميديا من المواقف المرسومة بإتقان والتي تعتمد علي سوء التفاهم وتركيبة الشخصيات. وهكذا يبدو أن لجؤ الكاتب أحمد الإبياري لنص والده ومعالجته عصريا للمسرحية ليست مغامرة علي الإطلاق. ولكن المغامرة في رأيي هي إقدام هذا الفنان علي تقديم عرض مسرحي من إنتاجه للقطاع الخاص في ظل الظروف الاقتصادية الحالية وحالة الكساد التي يعيشها مسرح القطاع الخاص منذ سنوات والتي أجبرت الكثير من المنتجين علي إغلاق مسارحهم وتجنب مخاطر الإنتاج ومنافسة مسرح الدولة الذي أصبح يقدم عروضا ناجحة وذات طابع جماهيري. في ظل هروب معظم النجوم من الساحة المسرحية إلي السينما والتليفزيون، أعتقد أن الفنان أحمد الإبياري وجد ضالته في هذا النص الذي يتيح فرصة البطولة الجماعية والاعتماد علي سباعي أبطال يشاركون معا في عبء المسئولية وخاصة أن لكل منهم دوره المهم وتأثيره الكبير ومساحته الكوميدية المناسبة. ففضلا عن رباعي الأبطال الشباب هناك ثلاثي آخر من جيل الكبار. وإذا كانت القصة تغيب عن ذاكرتك فدعني أذكرك بها. فنبيل وفريد في سعيهما إلي التقرب لجارتيهما الجميلتين يستغلان فرصة زيارة عمة فريد فتافيت السكر المليونيرة العائدة من أمريكا لدعوة الفتاتين للزيارة والتعارف. ولكن المليونيرة تتأخر فيضطر الشابان إلي استغلال صاحبهما الممثل المغمور البارع سكر لتقمص شخصيتها حتي لا تجد الفتاتان حرجا من التواجد في شقة العزاب. وتتأزم الأمور حين يحضر والد إحدي الفتاتين وكذلك والد نبيل ليتعرفا علي سكر الكومبارس باعتباره المليونيرة. ويتنافس كل منهما علي الفوز بقلب فتافيت السكر هانم طمعا في ثروتها طبعا، دون أن يدركوا أن قصائد الغرام وسهام الغزل والحب يوجهونها إلي الكومبارس سكر. ويتزايد تعقد الأمور مع وصول سكر هانم الأصلية حتي تتكشف الأكاذيب وتتضح الحقائق . معالجة عصرية لا تختلف حبكة المسرحية ولا حوارها كثيرا عن نص الفيلم السينمائي وإن كانت هناك محاولة لإضفاء طابع من العصرية علي النص والأحداث. وربما يبدو أكثر التغييرات وضوحا هو بداية المسرحية بمشهد لسكر هانم في أمريكا وهي تعلن عن عزمها علي العودة إلي مصر بعد رحيل زوجها عن العالم علي الرغم من توسع أعمالها وثرواتها بأمريكا. وحتي إذا كان الغرض من هذا المشهد الافتتاحي إرضاء الفنانة الكبيرة لبني عبد العزيز بزيادة مساحة دورها أو إظهارها من بداية المسرحية إلا أنه كان مشهدا سريعا ورشيقا ومناسبا للبداية الاستعراضية بأجواء الرقص الأمريكي الغربي مما أضفي حالة من الحركة والحيوية علي بداية المسرحية. وكانت المفاجأة التي أسعدت الجمهور الظهور الخاص والمناسب للنجمة الكبيرة وأداؤها المتمكن علي المسرح. فحركة لبني علي المسرح في منتهي الرشاقة وأداؤها الصوتي مناسب جدا للشخصية وللحالة المسرحية. وتعد هذه المسرحية في رأيي هي العودة الحقيقية لنجمتنا بعد غياب والتي أعتبر أن ظهورها في أعمال تليفزيونية سابقة لم يكن لائقا بها وبمكانتها الكبيرة كما ظهرت في هذا العمل. بعد هذه المقدمة السريعة نتابع مقدمة أخري ولكنها طويلة جدا من الواضح أن الهدف منها هو تقديم كل ابطال المسرحية وشخصياتها المحورية، مما استغرق فترة طويلة من العرض المسرحي شغلت معظمه مساحات ممتدة من الحوار لا يخلو من إفيهات لطيفة وأداء مرح وخفيف لأحمد السعدني وأحمد رزق وإدوارد وبعد تمهيد لظهورهم بالموقف التقليدي للخادم والخادمة. كما سعي المخرج القدير أشرف زكي من تخفيف وطأة الحوار باستعراض خفيف للأبطال الشباب الأربعة جاء في موضعه وبطريقة بسيطة ومقنعة ومقبولة في الأداء. ثم جاء ظهور طلعت زكريا ليضفي بعضا من الحيوية ولكن كل هذا لا ينفي ان هذا الفصل كان في حاجة إلي اختصار حتي يتدفق الإيقاع، خاصة والعرض لا يعتمد علي كوميديان من أصحاب القدرات العالية في إثارة الضحك. ولكنها كوميديا خفيفة المفترض أن تعتمد علي السرعة والمواقف أكثر من المبالغة في الحوار والتكرار. سوء تفاهم يأتي الفصل الثاني ليشهد حركة سريعة في الأحداث، فالصراع قد بدأ بالفعل ومواقف سوء التفاهم تتزايد علاوة علي أن الإيقاع أصبح مشدودا أكثر. واعتماد المخرج علي الحركة الرشيقة التي توازي الجملة السريعة يصبح هوالأسلوب السائد والمناسب أكثر لهذا النوع من العروض. يعتمد أشرف زكي عموما في هذا العرض علي أساليب جذابة ومناسبة لطبيعة المسرحية المرحة الخفيفة التي تنتمي بشكل أساسي إلي الرومانس كوميدي. فتتناسب الديكورات والملابس والألوان مع هذه الأجواء بوجه عام. يوظفها بمهارة مهندس الديكور حسين العزبي في الألوان المبهجة وقطع الديكور الحديثة بخاماتها الخفيفة والمرنة التي تساعد علي الحركة بل وتضيف إليها وتمنحها القدرة علي مزيد من الليونة والرشاقة. كما تضفي الملابس المزيد من البهجة رغم تنوعها وتناسبها مع أعمار الشخصيات وخلفياتهم الاجتماعية والنفسية المختلفة . لعبت الأغاني التي كتبها إسلام خليل أيضا دورا في إضفاء مزيد من المرح علي المسرحية. كما يسعي أحمد الإبياري إلي تدعيم المسرحية من حين لآخر بعناصر تضيف إلي نجاحها. وها هو يوظف نجم الساعة نادر أبوالليف بشكل مفاجيء فجأة في أغنية يقدمها في المشهد الأخير من المسرحية حيث غني "أنا مش خرونج" مع أبطال العمل أحمد رزق وطلعت زكريا وأحمد السعدني وروجينا ومروة عبد المنعم وإدوارد وعمرالحريري ولبني عبد العزيز في مشهد الفرح الذي يتزوج فيه نبيل من ليلي وفريد من سلوي وفتافيت السكر من المنياوي وسكر من ناهد. استعراضات مجدي الزقازيقي التي فرق فيها بين التي يؤديها راقصون محترفون والتي يقدمها ممثلون يجتهدون في الأداء الراقص. وإن كان عليه أن يعيد النظر في بعض فتيات الفرقة اللاتي تعانين من بدانة مفرطة فيثير رقصهم الضحك والسخرية أكثر من الإعجاب. كما تميزت موسيقي حسن إش إش بجمل جديدة وذات إيقاع مؤثر ومرح ومناسب لطبيعة العرض وهي مسألة أصبحت غريبة ونادرة في ظل الموسيقي التصويرية الشائعة في معظم العروض المسرحية التي يغلب عليها طابع التكرار والتقليدية مهما كانت شهرة أصحابها أو مكانتهم الفنية أو تاريخهم الموسيقي. مقارنة ظالمة تمكن أحمد رزق من أن يقدم شخصية سكر بأسلوب جديد وعلي طريقته هو الهادئه في الأداء بردود فعل باردة ومثيرة للضحك وبلا أي تأثر بأسلوب الفنان الراحل الكبير عبد المنعم إبراهيم الذي حقق بها نجاحا طاغيا. وكان من الممكن أن يؤدي تقليد أحمد رزق له أو حتي مجرد تأثره به إلي عقد مقارنة ظالمة بين واحد من أكبر نجومنا في قمة تألقه ونضجه الفني وفنان شاب مازال يتحسس طريقه إلي النجومية. كما قدمت روجينا الشخصية التي أدتها سامية جمال في الفيلم برشاقة تعبيرية وحركية وبتطور ملحوظ في أدائها التمثيلي نحو أسلوب أبسط وأكثر طبيعية. قد يري البعض في إعادة معالجة سكر هانم إفلاسا فكريا. وقد يعتبرها من يرفعون شعار المسرح في خدمة قضايا المجتمع فقط ولا غير، نوعا من المسرح الهزلي الذي يستهلك وقت المشاهد دون أن يحقق له أي فائدة. ولكن كاتب هذا العرض ومنتجه أحمد الإبياري يرفع شعار الضحك للضحك بدون أي ادعاءات مزيفة. وسوف تظل الكوميديات الاجتماعية الخفيفة التي تخلو من أي دلالات رمزية أو شعارات مقحمة نوعا محببا إلي نفوس المشاهدين وقريبة من قلوبهم ووسيلة حقيقية لإعادتهم للمسرح بعد أن أبعدهم عنه تجار السياسة الذين يملأون مسرحياتهم بالنكات السياسية ويخلطونها ببعض الإفيهات الجنسية مع زحام من النساء شبه العاريات تحت مسمي الكاباريه السياسي. وهو في حقيقة الأمر كاباريه فقط تغلفه قشرة من الادعاء السياسي، يتسول رغبة الناس في السخرية من بعض رموز النظام دون أي درجة من الجدية أو العمق أو النقد الحقيقي. إن مسرحية سكر هانم هي محاولة حقيقة لإعادة أضواء مسرح القطاع الخاص من جديد بعد تخليصه من كل شوائبه التي أعاقته وصرفت الجماهير عنه وباستبدال النجوم السوبر بمجموعة من الممثلين الأكفاء وأصحاب المواهب الكبيرة من جيل الكبار والواعدين من الشباب.