«أشياء تحدث».. ليس هذا مجرد عنوان مسرحية كتبها المؤلف المسرحي البريطاني "ديفيد هير" ومثلت علي مسارح لندننيويورك ولوس انجلوس ولكنها تعقيب وزير الدفاع الامريكي رونالد رامسفيلد عندما سأله الصحفيون عن اعمال نهب وسلب عقب الغزو الامريكي لبغداد. وهكذا فإن هذه المشاهد عند رامسفيلد ليست الا "اشياء تحدث" بل هو يذهب ابعد من هذا انها دليل علي الحرية وان من يمارسها اناس احرار. وهكذا من عنوان المسرحية يظهر انها تدور وتوثق في شكل درامي لاحداث كبري ابتداء من 11 سبتمبر وبداية الحرب علي الارهاب وافغانستان والعراق وقضية الصراع العربي الاسرائيلي، والشخصيات التي ارتبطت بها والافكار التي وجهتهم ابتداء من جورج بوش الي وزير دفاعه رامسفيلد ووزير خارجيته كولن باول ومستشار الامن القومي كونداليزا رايس ونائب وزير الدفاع وعميد المحافظين الجدد بول وولفوتيز الذين يسيطرون علي الادارة ويصيغون مفاهيمها واستراتيجيتها. كما سوف تتردد في المسرحية شخصيات لعبت اداورا في هذا كله مثل رئيس الوزراء البريطاني توني بلير وسكرتير عام الاممالمتحدة كوفي عنان، ومديري الوكالة الدولية للطاقة الذرية هانز بليكس ومحمد البرادعي. علي لسانهم وتقدم المسرحية من خلال اجتماعات بوش بوزرائه ومستشاريه وعلي لسانهم النظريات والافكار التي سوف توجه بوش وادارته تجاه هذه القضايا. ولعل اهم ما يستوقف النظر حديث جورج بوش عن الاطار الفكري الديني الذي يوجهه قال "عقيدتي تحررت، وتحررت حين انظر الي المشكلة التي أواجهها وقد كان يمكن ان أكون جالسا ليس في المكتب البيضاوي في البيت الابيض بل في بار في تكساس وهو اني وجدت الله واني هنا بسبب التفاني في الصلاة" ثم يقول " شعرت ان الله يريد ان اصبح رئيسا وان بلادي ستحتاج الي شيء ما سيحدث ووقتها ستحتاج بلادي وان الله يريدني ان افعل هذا الشيء". وحول الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، تريد كونداليزا رايس ان تعكس فكر الرئيس فتقول" اننا نرغب في تمييز انفسنا منذ البداية -وبشكل حاسم- عن الحكومة السابقة، الرئيس كلينتون حاول التوسط في الاتفاق بين الفلسطينيين والاسرائيليين، ولم يستهلك ذلك جزءا كبيرا من وقته فقط بل جعل بلدنا ضعيفا ووجه نظر الرئيس بوش إلي ان الوقت قد حان ليميل مرة اخري الي جانب اسرائيل. وتضيف " ان الرئيس يشعر ان الاطراف في المنطقة عليها التصرف فيما يخصهم وحكومته لا تتواني ان ياخذ علي عاتقها مشكلات تعلم انها لا تستطيع حلها" وعندما يحاول كولن باول ان يذكر بشارون ونزعاته العسكرية او اذا نفضنا ايدينا من المشكلة، فاننا بذلك نخاطر باطلاق يد شارون والنتائج ستكون أليمة للفلسطينيين "والمدهش ان بوش يرد" ربما يكون ذلك هو ما نحتاج اليه، وربما هو افضل طريق لاعادة الامور للتوازن " وحين يسود الصمت يواصل بوش "حسب خبرتي يحدث احيانا ان تؤدي ممارسة حقيقية للقوة، من جانب واحد فقط الي اتضاح الامور" وعندما تصل المناقشات الي افغانستان فان كونداليزا رايس تفسر دوافع الحرب عليها فتقول" افغانستان نوع من نموذج القدرة علي الحرية وعندئذ تستطيع الدول الاخري ان تري ما تفعله وتقول" لقد رأيت هذا هو ما يحدث " وعندما تسأل هذه الدول ترد " ايران" غير ان بول وولفوتيز لا يعنيه الفلسطينيين ولا التخطيط للحرب علي افغانستان وانما دولة اخري "دولة اخري في الشرق الاوسط" دعونا نتكلم عن صنف من الدول التي تفكر في عمل عدواني ضد الولاياتالمتحدة، واذا امعنتم النظر في هذا الصنف فاعتقد انكم ستجدون دولة عضوا بالاممالمتحدة سيئة جدا تنتهك قراراتها لاكثر من عشر سنوات". ويواصل وولفوتيز يما سوف يثير الدوافع والافتراضات التي ستقوم عليها حرب امريكا علي العراق " نحن نتكلم عن ديكتاتورية فاسدة يحكمها رجل يقمع شعبه ويزدري شعبه ويزدري القوة الامريكية، نحن نتكلم عن التدخل هناك واقامة الديمقراطية، هذا يلد هو الان هش جدا سينكسر بسهولة. وهو واقف ينتظر السقوط وهذا شيء يسهل علينا ان نفعله باقل جهد وبأدني قدر من الاتفاق قد نستطيع الحصول علي افضل النتائج وبازاحة صدام حسين سوف ندفع هواء نقيا في الشرق الاوسط. المثقفون غير ان فكر بول وولفوتيز لا يمر دون تحفظ، ياتي من الجنرال والدبلوماسي كولن باول فهو يقول "جنرالات الكلام، المثقفون، اشعر احيانا ان المثقفين الذين ليس لديهم ايه فكرة هم سبب مشكلات العالم، عندهم فكرة عن القيام بعمل دون حساب ممكن لنتائجه، وما تحتاج اليه من الان موازنة هذه الاتجاهات، وحين يسأله بوش "موازنة من اي نوع" يرد باول "موازنة بين العسكرية والدبلوماسية "لان الاهتمام الذي يحظي به الدبلوماسية في الوقت الحالي قليل". وحين يطلب منه بوش ان يكمل يقول باول" لو ذهبنا الي العراق بدون ائتلاف دولي وبدون الاممالمتحدة فسندخل في متاعب. المنطقة كلها عبارة عن برميل بارود ومستوي التفكير الحالي لبعض المسئولين في الحكومة يتجه الي القول "لندخل المباراة ونري ما الذي سيحدث، المسألة عند هذا المستوي شيء عبثي". ويواصل باول حديثه وتصوره لاثار ما جري علي العراق وعلي المنطقة بغزو العراق، فان المنطقة كلها ستفقد استقرارها، اصدقاؤنا مثل السعودية ومصر والاردن سوف يصبحون في خطر، وسوف يتسرب الاكسجين من كل شيء تقوله الولاياتالمتحدة ليس فقط الحرب علي الارهاب، بل كل خططها الدبلوماسية والدفاعية والمخابراتية، وستتضخم الاثار الاقتصادية المعاكسة". أفكار الكاتب هذا فيما اتصور اهم الافكار والمواقف التي طرحتها المسرحية وواضح انها كتبت عام 2004 اي بعد الحرب علي العراق، وما بدا يتبين من خطأ الافتراضات التي قامت عليها فضلا عن تطورات وقضايا اخري مثل افغانستان والصراع العربي الاسرائيلي، الامر الذي يدفع البعض الي الاعتقاد انها افكار الكاتب صاغها بعدما تكشفت الامور غير اننا نعلم ان الكاتب قد التقي عشرات الشخصيات التي شاركت في هذه الاحداث التي استخلص منها احداث مسرحيته والذي عرف منهم الكثير هذا فضلا عما نشر في الصحف ووسائل الاعلام من تصريحات وبيانات وافعال وما اظهرته التطورات من خطأ الافتراضات التي بنيت عليها السياسة الامريكية تجاه هذه القضايا. والواقع ان من يقرأ كتابا مهما لشخصية عاصرت هذه الفترة وشاركت في المناقشات الرسمية التي جرت وخاصة حول الاعداد لحرب العراق، ونعني به ريتشارد هاس الذي كان يشغل مدير ادارة التخطيط السياسي بوزارة الخارجية الامريكية خلال ادارة الرئيس بوش الابن، سوف يستخلص ان ما سجله هاس حول مواقف شخصيات الادارة وافكارها تكاد تتطابق مع ما جري علي لسان شخصيات مسرحية ديفيد هير. وتستوقفنا المعارضة التي ابدتها شخصية رئيسية هي كولن باول للتفكير لغزو العراق والذي يدفع الي التساؤل لماذا لم يقدم باول علي الاستقالة اذا كانت هذه هي اراؤه التي عبر عنها في المناقشات المغلقة، بل انه ذهب الي العراق للدفاع عن سياسات الادارة وخاصة حول العراق؟ وقد اجاب ريتشارد هاس في كتابه The war necessity and the war of choice of علي هذا السؤال وفسره بان باول بتكوينه العسكري وانضباطه لم يشأ ان ان يترك بلاده تخوض حربا وان استقالته لم تكن لتغير شيئا. علي اية حال لا بد ان نشكر الاستاذ عاطف الغمري علي ترجمته لهذه المسرحية الجميلة والتي قدمت في اطار مسرحي ودرامي احداثا اثرت ومازالت تؤثر في امريكا والعالم، ونستطيع ان نفهم اهتمام الاستاذ عاطف الغمري بهذه المسرحية وذلك بحكم اهتماماته القديمة بالسياسة الامريكية فضلا عن انه نفسه كاتب مسرحي لابد ان تستهويه القوالب المسرحية خاصة اذا كانت تعالج مثل هذه القضايا المهمة التي ستظل معنا لعهود طويلة.