الوطنية للصحافة تنعي محمود صدقي التهامي الرئيس الأسبق لمجلس إدارة مؤسسة روزاليوسف    رئيس جامعة أسيوط يتابع امتحانات الفصل الدراسي الثاني ويطمئن على الطلاب    «زهور نسجية».. معرض فني بكلية التربية النوعية بجامعة أسيوط    المشرف على "القومي للأشخاص ذوي الإعاقة" تستقبل وفدًا من منظمة هيئة إنقاذ الطفولة    محافظ سوهاج يسلم التأشيرات والتذاكر للفائزين بقرعة حج الجمعيات الأهلية    وزير الاستثمار يجتمع برؤساء غرف التجارة العربية في ألمانيا    خالد عبدالغفار يبحث تعزيز التعاون مع وزيري صحة لاتفيا وأوكرانيا    إزالة 13 قيراط تعديات زراعية واسترداد 20 فدان أملاك دولة في الأقصر    رئيس الوزراء: نتطلع لتفعيل المجلس الأعلى التنسيقي المصري السعودي    ناتو يُصعّد: خطة دفاعية كبرى و400 مليار دولار لمواجهة روسيا والصين    كاس تنصف الإسماعيلي.. بشرى بشأن عبد الله السعيد.. قمة كرة السلة.. وتعاون الزمالك وبيراميدز| نشرة الرياضة ½ اليوم    عبد المنعم عمارة: عندما كنت وزيرًا للرياضة كانت جميع أندية الدوري جماهيرية    مشاهدة مباراة الأهلي والزمالك بث مباشر اليوم في نصف نهائي دوري سوبر السلة    «سنطبق اللائحة».. رابطة الأندية تهدد بيراميدز بخصم 6 نقاط    بعد 9 سنوات.. تطوير ملاعب الناشئين في نادي الزمالك    20 مليون جنيه عقوبة الانسحاب من الدوري في الموسم المقبل    إخماد حريق داخل مبني شرطة مرافق المنيا دون خسائر    وزارة التعليم تكشف إجراءات التعاقد على وظائف المدارس المصرية اليابانية    وفاة عجوز بآلة حادة على يد ابنها في قنا    الفيلم المصري «عائشة لا تستطيع الطيران» يسطع في مهرجان كان السينمائي    جدل لغز ابن نجم شهير.. هل موجود أم لا ؟ | فيديو    أحمد زايد: مكتبة الإسكندرية تخدم شرائح كبيرة من المواطنين وتعد مقصدا سياحيا وثقافيا    تغير اسم أحدث أفلام نيللي كريم من «جوازة ولا جنازة» ل «بروفة فرح»    «الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية» يوضح مواصفات الحجر الأسود؟    وزير الصحة: مصر تقود مبادرة تاريخية لدعم أصحاب الأمراض النادرة    طريقة عمل البصارة أرخص وجبة وقيمتها الغذائية عالية    بالصور.. يسرا وهدى المفتي من كواليس تصوير فيلم الست لما    وزير الصحة: مصر تقود مبادرة تاريخية لدعم أصحاب الأمراض النادرة    بعد دخول قائد الطائرة الحمام وإغماء مساعده.. رحلة جوية تحلق بدون طيار ل10 دقائق    أندوريل تكشف عن طائرتها القتالية المسيّرة المتطورة «فيوري»    ب48 مصنعاً.. وزير الزراعة: توطين صناعة المبيدات أصبح ضرورة تفرضها التحديات الاقتصادية العالمية    الأرصاد: طقس غداً الأربعاء حار نهاراً معتدل ليلاً    عامل يشرع في قتل صاحب ورشة بسبب الخلاف على أجرة إصلاح موتوسيكل بسوهاج    جامعة القاهرة تستقبل وفدا صينيا بمستشفى قصر العيني الفرنساوي    5 فرص عمل للمصريين في مجال دباغة الجلود بالأردن (شروط التقديم)    حملات مكبرة لغلق مغاسل السيارات المخالفة في الغردقة    شقق متوسطى الدخل هتنزل بكرة بالتقسيط على 20 سنة.. ومقدم 100 ألف جنيه    تشديد للوكلاء ومستوردي السيارات الكهربائية على الالتزام بالبروتوكول الأوروبي    محافظ بورسعيد: المحافظة ظلمت بسبب إدراجها ضمن المدن الحضرية    الإفتاء توضح فضل صيام التسع الأوائل من ذي الحجة.. وغرة الشهر فلكيًا    سالم: نجهز ملف كامل حول أزمة القمة قبل الذهاب للمحكمة الرياضية.. ومتمسكون بعدالله السعيد    باو فيكتور: لم أفكر في مستقبلي مع برشلونة.. وسأتخذ القرار المناسب    محافظة القدس تحذر من دعوات منظمات «الهيكل» المتطرفة لاقتحام المسجد الأقصى    جامعة سوهاج تعلن انطلاق الدورة الرابعة لجائزة التميز الحكومى العربى 2025    هل يجوز الحج عمن مات مستطيعًا للعبادة؟.. دار الإفتاء تُجيب    ماذا تفعل المرأة إذا جاءها الحيض أثناء الحج؟.. أمينة الفتوى ترُد    المغرب: حل الدولتين الأفق الوحيد لتسوية القضية الفلسطينية    مكتب الإعلام الحكومي بغزة: تصريحات يائير جولان إقرار واضح بجريمة الإبادة الجماعية ضد شعبنا    الجيش السوداني: نقترب من تطهير كامل الخرطوم    قبل امتحانات آخر السنة 2025.. ما هو الاختيار الأفضل لتحلية الحليب لطفلك؟ (أبيض ولا أسود)    الحبس 3 سنوات لعاطلين في سرقة مشغولات ذهبية من شقة بمصر الجديدة    أونروا: إسرائيل تمنع المتطوعين من دخول قطاع غزة    أنطلاق فيلم المشروع x بطولة كريم عبد العزيز ويامسين صبري بدور العرض السينمائى    نقابة الفنانين السورية تنعي بطلة «باب الحارة»    دينزل واشنطن يوبخ مصورا قبل حصوله على السعفة الذهبية الفخرية في مهرجان كان    عاجل- الصحة العالمية تُعلن خلو مصر من انتقال جميع طفيليات الملاريا البشرية    بعد تداول فيديو.. ضبط قائد سيارة حاول الاصطدام بسيدة على محور 30 يونيو    الإفتاء: لا يجوز ترك الصلاة تحت اي ظرف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حينما اجتمع علماء الأزهر وتصدوا لثورة الشيخ علي عبدالرازق
نشر في القاهرة يوم 14 - 08 - 2012

يقف المثقف الثوري مواجها الخطر الذي يحوم حول بلاده وأشد أنواع الخطر هو ذلك الانصياع الفكري وراء التقاليد التي باتت باهتة تعرقل عملية النهضة وذلك الميلاد الجديد الناشئ أولا عن الإصلاح الذي لا يأتي إلا من خلال رؤية نقدية لتلك القضايا الشائكة التي تحيط بمجتمعه وتصيبه بالتأخر، حتي إذا ما وجد آفة ذلك اعتزل حتي يتم مبحثه وسط التفكير والبرهان ولم يلبث حتي يخرج علي مجتمعه بنتيجة ربما كانت في بادئ الأمر صادمة ،لا محالة، لما تسببه من انقلاب علي ما هو معروف؛ فصعب هو الرفض للتقاليد والموروثات خاصة التي تمس الدين ويدافع عنها المعطلون والمتعصبون في كل عصر، وتحتاج إلي جهد وإيمان عميق بالثورة والنهضة التي يريدها المثقف الثوري. استطاع الشيخ علي عبدالرازق أن يواجه المجتمع المصري والإسلامي في القرن العشرين بمبحث يعد من أهم الكتب التي نشرت في القرن العشرين، واجه خلالها عناء شديدا وصل إلي حد التكفير والفصل بينه وبين زوجته؛ ولحسن الحظ لم يكن متزوجا حينذاك فضاعت عليهم الفرصة فقد كانت جرأة الشيخ علي عبدالرازق في كتابه الإسلام وأصول الحكم بحث في الخلافة والحكومة في الإسلام" ظاهرة فذة في تاريخ الجامع الأزهر " مما جعل ردود الفعل في مثل هذه الحدة. واعتبر البعض صدور الكتاب أشد وقعا من قرار مصطفي كمال أتاتورك بإلغاء الخلافة، لأنه مجرد قرار سياسي لم يستهدف العقيدة مباشرة حسب قول بعض الفقهاء ... أما صنيع علي عبدالرازق فقد كان محاولة للتغيير في أصول الإسلام، ومسلماته. فهو أول كاتب مسلم في العصر الحديث يسعي إلي زرع العلمانية في العقل الإسلامي، وفي واقع المسلمين. ولقد كان أهم ما في هذه المحاولة الوحيدة والفريدة، أنها قد جاءت في صورة إسلامية، ومن عالم أزهري، وقاض في المحاكم الشرعية الإسلامية. لذا ظل كتابه "علمنة الإسلام" كتابا تاريخيا. فيعارض "بشجاعة الآراء المستقرة والمتفق عليها، ولا يتردد في مساءلة أفكار كسبت استمراريتها وانتشارها بسبب التفاف غالبية الناس حولها، خاصة العامة ويفرق بين الحقيقة التاريخية والمنطقية، وبين الآراء السائدة والمجتمع عليها" جاء كتاب الشيخ علي عبدالرازق في فترة عصيبة في تاريخ العالم حيث شهد العالم تغييرات سياسية مع نهاية القرن التاسع عشر، وتحرك التيارات الفكرية مع تلك المتغيرات وأثرت علي الوضع العالمي وظهر في تركيا السيد مصطفي كمال أتاتورك الذي ألغي معاهدة سفير وتوقيع معاهدة لوزان عام 1923 حسب شروطهم ألغيت السلطنة في نوفمبر 1922 وإعلان الجمهورية في تركيا 29 أكتوبر 1923 ورغم أن هذا يعني ضمنا إلغاء الخلافة الإسلامية إلا أن إلغاءها رسميا كان في مارس 1924م، وكان حدثا صاعقا لم يتقبله المسلمون وبدت محاولات بعد ذلك عديدة في الدول العربية لإرجاع الخلافة الإسلامية. وكان السبب الرئيسي والحقيقي وراء سعي الإمارات والممالك الإسلامية آنذاك للخلافة هو طمع ولاة تلك الإمارات وملوك الممالك الإسلامية والعربية لأن تحظي أحدها بهذا اللقب وتلك السلطة المفوضة لذا أقيم " المؤتمر الدائم باسم "المؤتمر الإسلامي العام للخلافة" وأصدر مجلة "الخلافة الإسلامية" كي تدعو لدعوته الرامية إلي مبايعة أحد الملوك والأمراء بخلافة المسلمين، وكان العرش المصري والملك فؤاد واقفا خلف أغلب هذا النشاط ولم يقتصر عمل هذا المؤتمر علي المجتمع المصري، بل تعداه إلي كل المجتمعات التي تدين بالإسلام والذين يتعذر عليهم الاشتراك المباشر في نشاطه كانوا يرسلون إليه وإلي مجلته الرسائل والمذكرات وأحيانا كانوا يرسلون إليه التفويضات وكان القصر يدفع العلماء إلي السعي لتنصيب الملك فؤاد خليفة للمسلمين ؛ حيث نري الأزهر يدعو علماء الدين إلي عقد مؤتمر في القاهرة لبحث موضوع الخلافة الذي قرر أن منصب الخلافة ضروري للمسلمين كرمز لوحدتهم. وأن يجمع الخليفة بين السلطة الدينية والسلطة المدنية. فكان كتاب "الإسلام وأصول الحكم" ضربة مزدوجة إلي الملك والي المؤسّسات الدينية الباهتة. الخليفة جاء كتاب الشيخ علي عبدالرازق مساهمة منه في هذا الحوار. ودارت مشكلة مبحثه حول: هل منصب الخليفة ضروري للمسلمين بل هل هناك نظام الحكم في الإسلام وممن يستمد الخليفة سلطاته من الله أم من الأمة؟ فقد كان "يبحث في الخلافة ويدحضها باعتبارها بدعة تنتسب إلي جوهر الدين الإسلامي في كثير أو قليل، ولكنه إلي جانب ذلك يعرض للحكم الملكي، فيدينه، ويفضح حقيقته الاستبدادية، ويحذر من مغبته علي حياة الناس المعيشية والفكرية علي السواء. علي أن الكتاب فضلا عن ذلك دعوة جهيرة واعية إلي الأخذ بالحياة المدنية المتحضرة التي تقوم علي استلهام روح الفكر العلمي، والخبرة الإنسانية العلمية" ثار حول كتاب الشيخ علي عبدالرازق "الإسلام وأصول الحكم" معارك فكرية، فلم يكن أحد يظن أن ما سيحدثه هذا الكتاب من انقلاب واختلافات، حقا هو يناقش قضية مهمة شائكة لا محالة غير أن دستور 1923م الذي لم يلبث علي تأليفه بضع سنين ينص علي حرية الرأي والتعبير لكن الأمر جري مخالفا لذلك فقد باتت محاكمة الشيخ أمرا جديا في بعض الأوساط . فانقسم المفكرون المصريون في ذلك الوقت بين مؤيد للكتاب وآخر معارض وساخط عليه ومن أهم هؤلاء الساخطين الشيخ محمد الخضر حسين الذي كتب كتابا في الرد علي الشيخ علي عبدالرازق بعنوان " نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم" وفيه انتقد الشيخ علي عبدالرازق وأعلن تغريبه لأن الشيخ علي عبدالرازق تصور تصورين للحاكم في نظر علماء الإسلام، أحدهما - هو مذهب الجمهور في رأيه- يري الحاكم ذا سلطان مستبد. ويبصر الإسلاميين - في هذا الادعاء، فيقول إن الذي يؤخذ بطريق الاستنتاج أن علي عبدالرازق كون للمسلمين مثلهم، ولما لم يجد في كلام أهل العلم عن الخلافة ما يوافق أو يقارب القول بأن سلطان الخليفة مسمتد من سلطان الله تلمسه في المدائح من الشعر أو النثر، كما استند إلي آراء المستشرق الإنجليزي توماس و. آرنولد أووند كذلك موقف الشيخ علي عبدالرازق من النبي بأنه مبلغ فقط ولم يكن له أي سلطة أخري. واستشهد الخضر حسين ببعض المستشرقين أمثال روبودان وكذلك أدلف فريديريك وغيرهما. ويري محمود أمين العالم "أن كتاب الشيخ محمد الخضر حسين، كان يغلب عليه التملق للملك فؤاد والتأييد لملكه، ولم تكن حجته في معارضة كتاب الشيخ علي عبدالرازق، علي مستوي لائق من التماسك والعمق" . بل يجزم البعض ومنهم الشيخ المفتي محمد بخيت المطيعي أنه علم من الكثيرين ممن يترددون علي الشيخ علي عبدالرازق أن الكتاب ليس له فيه إلا وضع اسمه عليه فقط فهو منسوب إليه ليجعله واضعوه من غير المسلمين ضحية هذا الكتاب وألبسوه ثوب الخزي والعار إلي يوم القيامة وشهّروا به عند العقلاء تشهيرا لا يرضاه لنفسه أي عاقل الأحزاب السياسية كما استغلت الأحزاب السياسية ذلك الموقف فنري حزب الاتحاد مناهضا لفكرة الشيخ علي عبدالرازق -علي الرغم من علاقته بحزب الأحرار الدستوريين الذي كان موجودا آنذاك في نفس الوزارة الائتلافية مع حزب الاتحاد - ومن المعروف أن حزب الاتحاد يضم حوله قوي اجتماعية إقطاعية محافظة غير مستنيرة لا تبتغي سوي الحفاظ علي مكانتها ومكانة مليكها ، ولايعني أن تحالف الاتحاديين مع " الأحرار الدستوريين" وائتلافهم معا في وزارة " أحمد زيور باشا" وتعاونهما ضد "الوفد" يعني التقاء فكريا فكريا وبالذات عندما يتعلق الأمر بعدد من المسائل الخاصة بالتحرر الفكري والاستنارة والإصلاح، بالمعني الذي رسخته مدرسة الأحرار الدستوريين الفكرية في المجتمع المصري منذ ظهور تعاليم الشيخ محمد عبده ولطفي السيد وحزب الأمة... ومن بين هذه المسائل " مدنية السلطة والحكومة" . وعلي الجانب الآخر انتصر حزب الأحرار الدستوريين لهذا الكتاب، واستعانوا بكل نظريات تراث الحرية الليبرالية العالمي في تأكيد حق المؤلف في أن يجتهد ودافع الحزب علي صفحات جريدة " السياسة" -الناطقة بأفكار الحزب- والتي يرأس تحريرها محمد حسين هيكل الذي يؤكد في مذكراته أن الأحداث التي مرت إثر نشر كتاب الشيخ علي عبدالرازق - وكان قد أهداه الكتاب- واستحسنه هيكل وكتب عنه في جريدة السياسة وأثني علي الطريقة البحثية التي استخدمها الشيخ في تناول هذا الموضوع الشائك فهو كتاب لم يتجاوز التدليل علي فكرة اقتنع بها صاحبها، وأورد علي صحتها مختلف الأسانيد. فلو أنه كان مخطئا لكان أكبر جزائه أن يتصدي له من يرد عليه، ومن يفند حججه وأسانيده، ومن يدلل علي أن الخلافة أصل من أول الحكم في الإسلام ولم يتردد هيكل في إثبات رأيه في (جريدة السياسة) وفي الدفاع عنه بكل قوة فهو لايفهم محاكمة رجل من أجل رأيه، وبخاصة إذا كان هذا الرأي موضع نقاش وأخذ ورد . واتخذ حزب الوفد موقفا بعيدا عن السياسة وألاعيبها فعلي الرغم من الخلافات السياسية التي بين الأحزاب إلا أن أصوات مثقفيه ومفكريه تدافع وتنتصر لحرية الرأي وحق علي عبدالرازق في التفكير والتعبير...ورأوا في محاكمته والحكم عليه مسألة سياسية نسجت خيوطها أصابع السراي التي تعبث بالدستور، لا مسألة دينية، كما حاول أن يصورها البعض غير أن سعد زغلول، زعيم الوفد، كان شديد التعصب ضد الكتاب وناقما علي مؤلفه وما فيه من آراء بل وصف الشيخ علي عبدالرازق بأنه "جاهل بقواعد دينه، بل والبسيط من نظرياته،وإلا كيف يدعي أن الإسلام ليس مدنيا، ولا هو بنظام يصلح للحكم" . قضية سياسية دينية تحول بذلك كتاب " الإسلام وأصول الحكم" إلي قضية سياسية دينية شغلت الرأي العام والخاص في مصر وخارجها وزاد منها اشتعالا تناول بعض كتّاب الثورة المضادة، الرجعيين، الكتاب بشكل عدواني فجّ فنري رشيد رضا يكتب محرضا " أنه لا يجوز لمشيخة الأزهر أن تسكت عنه... فإن المؤلف ... رجل منهم، فيجب عليهم أن يعلنوا حكم الإسلام في كتابه... لئلا يقول أنصاره أن سكوتهم عنهم إجازة له أو عجز في الرد عليه" ، وتقرر اجتماع هيئة كبار العلماء برئاسة شيخ الأزهر محمد أبو الفضل وحضور 24 عالما كي تناقش أمر الشيخ علي عبدالرازق واجتمعت بصفة تأديبية بمقتضي المادة 101 من قانون الجامع الأزهر والمعاهد الدينية العلمية الإسلامية رقم 10 لسنة 1911 في دار الإدارة العامة للمعاهد الدينية يوم الأربعاء 12 أغسطس 1925 ونظرت في التهم الموجهة إلي الشيخ وكتابه وقدمت عرائض وقع عليها وتضمنت أن الكتاب المذكور يحوي أمورا مخالفة للدين، وللنصوص القرآنية، والسنة النبوية وإجماع الأمة وتجلت ثورة الشيخ علي عبدالرازق في رفضه لتلك الهيئة التأديبية - رغم حضوره لها وطلب ألا تعتبر الهيئة حضوره أمامها اعترافا منه بأن لها حقا قانونيا، كما رد علي كل التهم الموجهة له في مذكرة أعدها فتلاها عليهم وبعد الفراغ من تلاوتها أرفقت في المحضر وحفظت ورأت الهيئة في نشر الكتاب أمرا يتنافي مع كرامتها، ولذلك حكمت بإخراجه من زمرة هذه الهيئة، وألزمت السطلة المدنية ، تنفيذا لحكمها، فتنظر في فصله من منصبه في القضاء الشرعي. كان عبدالعزيز باشا فهمي، رئيس حزب الأحرار الدستوريين هو وزير الحقانية، وهو الوزير المسئول عن علي عبدالرازق، وكانت أسرة عبدالرازق من الأساطين التي يعتمد عليها حزب الأحرار الدستوريين، فأقل حقوقها علي رئيس الحزب أن يحميها في حدود القانون. وهذا ما اتجه إليه الرجل بكل نزاهة وأمانة واحترام للقانون لهذا الغرض شكل لجنة لتنظر الموضوع، ولتشير عليه فيه. فلا يجوز في نظام الدولة أن يفصل موظف من وظيفته إلا بحكم من مجلس التأديب المخصوص أو بقرار من مجلس الوزراء. ولا يمكن أن يفصل مجلس الوزراء موظفا إلا إذا طلب الوزير الذي يتبعه هذا الموظف فصله وبين أسباب ذلك للمجلس. فالقانون لا يقتضي فصل القاضي الشرعي الذي حكم بإخراجه من زمرة العلماء لم يكن للمجلس أن يفصله إلا أن يحيي باشا إبراهيم رئيس الوزراء بالنيابة، كان يلح عليه كل يوم فصل الشيخ علي عبدالرازق إلا أن الوزير يتأني في ذلك ، وأحال الموضوع إلي قلم قضايا الحكومة لإبداء الرأي فأقيل عبدالعزيز فهمي من الوزارة، وتأزم الموقف في حزبه وسرعان ما استقال زميلاه الآخران في الوزارة . وكشفت هذه الأزمة عن صراع جاد داخل حزب الأحرار الدستوريين نفسه بين مؤيد للكتاب ومعارض إلي أن تم فصل الشيخ. ودارت علي صفحات المجلات آراء العديد من الكتاب من أمثال سلامة موسي في الهلال الذي دافع عن حرية الرأي والتعبير وكذلك نجد مجلة
المقتطف وغيرها . لقد مارس الشيخ علي عبدالرازق ثورته الخاصة يدافع عنها ويؤجج سبلها العقلية حتي صار نموذجا يحتذي به ومثقفا ثوريا ينهض بمجتمعه من الظلامية إلي التنوير.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.