لا تنظر إلي نصف الكوب الفارغ، مسلسلات هذا العام بها كثيرمن العيوب التقليدية المتوارثة، ولكن لا تنكر أن هناك نقاط مضيئة ومفاجآت تدعو للتفاؤل والأمل !سواء كانت هذه النقاط أعمالا فنية أو أشخاص ظهروا أمام الشاشة او خلفها! يكفي دراما هذا العام، إنها قد تخلصت من عبء ثقيل ومرهق، وسخيف ولم يكن له معني، وهو حظر تجسيد الخلفاء الراشدين !في الأعمال الفنية وها هو قد فعلها المخرج السوري حاتم علي وقدم مسلسل عمر بن الخطاب الذي يظهر فيه الخلفاء الأربعة ابوبكر وعمر بن «الخطاب وعثمان وعلي كرم الله وجهه»!! إيه اللي حصل بقي ؟؟ كان البعض يصرخ بصوت جهوري قائلا علي جثتي مش حاينفع، وأديها نفعت! مئات الملايين من المسلمين في العالم العربي أو خارجه يشاهدون المسلسل ويستمتعون به مساء كل ليلة علي قناة MBC، ولم يقل ايمان أحدهم ولا حصل له مكروه ولم تنزل عليه لعنات! وفي هذا العام ايضا قدم المخرج التونسي شوقي الماجري مسلسل «نابليون والمحروسة» أحد أهم الأعمال الفنية التي ظهرت خلال العشر سنوات الأخيره، انه إعادة قراءة صفحات التاريخ، بمنظور أكثر عمقا وجمالا ! مسلسل رائع لا يعتمد علي اسم نجم، لكن علي مجموعة من الممثلين الأكفاء كل تم تسكينه في مكانه! مفاجآت العام ومن مفاجأت هذا العام ايضا، مسلسل «الخواجة عبدالقادر» بما يتضمنه من متعة بصرية وفكرية، وأداء رائع مبهر ليحيي الفخراني ! الأمر لا يتوقف عند أعمال الكبار فقط، فهناك جيل قادم، يتمتع بالموهبة ورؤية فنية مختلفة، وجرأة في طرح الموضوعات المسكوت عنها، في العام الماضي شاهدنا مسلسل «المواطن إكس» للمخرج محمد بكير وعثمان ابو لبن، وكان المسلسل يعلن عن بداية جديدة في عالم الدراما التليفزيونية، وهذا العام قدم محمد بكير مسلسل «طرف تالت» وهو أحد أهم العلامات المميزة التي ضربت الاشكال النمطية في مقتل، البطولة لثلاثة شبان هم أمير كرارة، ومحمود عبد المغني، وعمرو يوسف، والموضوع عن عالم «البلطجية» وعلاقة هؤلاء برجال الأعمال الذين يربونهم في حظائرهم، لاستخدامهم في تصفية خصومهم! لكن كما هو متوقع فلابد لهؤلاء للخروج عن النص، واللعب لحسابهم الشخصي، مسلسل "طرف تالت" يحظي بأعلي نسبة مشاهدة بين فئة الشباب، وتظهر شخصية البلطجي مرة اخري ولكن بصورة مغايرة في مسلسل البلطجي الذي يلعب بطولته آسر ياسين، وكندة علوش ويخرجه خالد الحجر، اننا هنا نقترب اكثر من قاع المجتمع، حيث يعيش فئة المهمشين الذين يكسبون قوت يومهم بتأجير عافيتهم وأبدانهم لاصحاب النفوذ، انهم محترفو لعبة الانتخابات او بلطجية الانتخابات، يعيشون علي تلك المواسم، ويبذلون غاية طاقاتهم لنيل رضا اسيادهم، حتي يجذلوا لهم العطاء، ويتساوي الرجال والنساء في بذل الجهد، ولكن المسلسل يؤكد من خلال شخصية يوسف "آسر ياسين" ان البلطجي لم يولد وفي فمه مطواة أو سنجة، بل ربما يكون ابعد شخص عن استخدام العنف المادي او اللفظي، ولكنه يجد نفسه محاطاً، بأنواع مختلفة من الوحوش الآدمية، فيغير من سلوكه كي يتمكن من التعامل معها، اجمل ما يقدمه المسلسل علاقة البلطجي يوسف، بزوجته "انصاف" سلوي خطاب، التي تكبره سنا، وكان قد تزوجها ليلعب دور المحلل، ولكنه قرر الابقاء عليها واستمر زواجهما عشر سنوات، كان فيها الزوج المخلص الودود، رغم ما يلقاه من تمرد ابناء انصاف الذين يقاربونه في العمر!مسلسل البلطجي يقدم اكثر من نقطة مضيئة، تبدأ من السيناريو المفعم بالحيوية والعفوية، او الحنكة في رسم الشخصيات، مع براعة الأداء لكل من آسر ياسين، وسلوي خطاب وإنتصار، ومحسن منصور! مسلسل هندي يمكن أن تصف مسلسل" خطوط حمراء "بأنه هندي - تركي وهو كذلك حقا، لان الغرض الأساسي منه هو التسلية، وإذا ادعي أحد اطرافه غير ذلك فأرجوك لا تصدقه، فهو لا يقدم نقدا لرجال الشرطه، ولا يدافع عنهم، ولايدينهم، ضابط الشرطة حسام الهلالي، الذي يذكرنا بقبضة الهلالي، هو نموذج لا تقابله في الحقيقة ابدا، انه نموذج مصنوع، قدمته السينما المصرية في الخمسينات من خلال انور وجدي في افلام ريا وسكينة ، والوحش، والنمر، أيام ما كان اي طفل تسأله عايز تبقي ايه لما تكبر، يقولك ظابط زي انور وجدي، وبعد ذلك فريد شوقي او رشدي اباظة! المهم ان ضابط الشرطة في افلامنا لا علاقة له بالواقع، إلا من خلال افلام نادرة مثل زوجة رجل مهم، او ضربة معلم، او ضد الحكومة، ويبدو ان هناك محاولة دؤوبة لتبييض وجه ضابط الشرطة وغسيل سمعته، وخاصة بعد المجازر التي قام بها ضباطنا البواسل ضد الثوار الأبرياء العزل، وطبعا لم ولن تسقط من ذاكرتنا الجملة الشهيرة التي قالها أحد جنود الشرطة للنقيب الشاب الذي فقأ عين أحد الثوار برصاصة إستقرت في مقلته، مبروك ياباشا جت في عين الواد! وكون أحمد السقا يقرر أن يقدم شخصية ضابط الشرطة المثالي في هذا التوقيت بالذات من خلال فيلم سينمائي "المصلحة"، أو مسلسل تليفزيوني "خطوط حمرا"، فمعني هذا أنه يسير عكس التيار، وكأنه يحمل كفنه علي يديه ويتقدم به لجمهوره، ربما يكون علي قناعة أن ضباط الشرطة بينهم ولاد ناس يدافعون عن الحق ويعملون علي حماية البلاد من عصابات تهريب السلاح والمخدرات، أو يكون الأمر قد استهواه، من خلال شخصية تسمح له بتقديم مشاهد حركة، ومطاردات، وبغض النظر عن دوافع السقا لتقديم شخصية الضابط المثالي مرتين متتاليتين في عام واحد، فإننا بصدد عمل فني، يجذب قطاعا لا بأس به من المشاهدين، ويقدم تيمة، مضمونة وهي الانتقام، حسام الهلالي يطارد عصابة تعمل بتجارة السلاح، يوقع احد افرادها، فتقرر العائلة الانتقام منه، وذبح زوجته الشابة، ومحاولة قتله، فيقرر الانتقام، ويخطي علي اول خط أحمر، ويقتل زعيم العصابة بدلاً من القبض عليه، بل يتسبب في وفاة زميله وصديقه "أحمد فهمي"، وتستمر رحلة الانتقام بين رجل الشرطة من ناحية، وافراد العصابة من ناحية أخري. الأردني الصعيدي غير ان المفاجأة التي يحملها المسلسل هي تقديم الممثل الأردني "منذر ريحانة"، الذي يلعب دور دياب، أحد أهم افراد العصابة، وهو يختلف عن النموذج الشائع للصعيدي أو لرجل العصابة، فهو وسيم، علي قدر من الثقافة، يجيد التحدث بالانجليزية، ثم انه جنتلمان مع زوجته، يعاملها بقدر من الرقي، وبذلك اصبحت شخصية دياب هي اهم ما يقدمه مسلسل «خطوط حمراء» وهو الخصم اللدود للبطل ضابط الشرطة حسام الجوهري، وهنا تفرض علينا الموضوعية الاعجاب بأحمد السقا الذي اختار بنفسه "منذر ريحانة" ليكون منافسه في المسلسل، وهو يعلم علم اليقين، أن "منذر" ممكن أن يحقق نجاحا كبيرا مع شخصية «دياب» التي تتوافر لها كل عناصر الجذب، أعتقد ان الصدام بين الشخصيتين سوف يزداد ضراوة وسخونة كلما أوغلنا في أحداث المسلسل .