انتهي مهرجان القاهرة السينمائي لأفلام الأطفال واستمرار غياب الفيلم المصري أو العربي الروائي الطويل للأطفال عن المهرجان لعدم وجود إنتاج - تكون هناك كلمة لابد منها.. تهتم هذه الدراسة بمدي أهمية وجود إنتاج سينمائي مصري وعربي للأطفال - مصريين وعرب - وبمدي خطورة غياب مثل هذا النوع من الإنتاج السينمائي عن الساحة المصرية والعربية. وأبدأ الدراسة بسؤال مهم.. إلي متي سنترك أطفالنا يكوّنون ثقافتهم ويجمعون مفرداتها من وسائل أجنبية بينها سينما لا تنتمي إلينا وأفلام يصنعها غيرنا؟ وأما آن الأوان لكي نهيئ نحن لأطفالنا هذه المفردات عن طريق سينما وطنية وإنتاج سينمائي وطني يخاطبهم ويدعم فيهم قيمنا وتراثنا؟ عقلية الطفل ومن المعروف أن السينما وخاصة بعد ظهور التليفزيون الذي أوصلها إلي كل بيت أصبحت تلعب دورا مهما ومحوريا في صياغة عقلية الطفل وتكوين ثقافته، وهي بذلك يمكنها إما أن تكون الحلم الوردي الذي نستهدفه لأطفالنا وإما أن تتحول إلي سهام مسمومة تغتال هذا الحلم مع الأيام. ولأننا مازلنا للأسف نعيش ضمن دائرة النموذج الغربي للحضارة فإننا لا نزال نستورد لأطفالنا كثيرا من الأشياء وبينها أفلام الأطفال التي تأتينا في الأغلب من أمريكا.. وهي أفلام تنتج وتصنع لأطفال ينتمون لمجتمعات تختلف تاريخا وعقيدة وثقافة وتراثا حضاريا عن مجتمعاتنا العربية. وهي تروج في أغلب الأحيان إلي أفكار مغايرة وقد تكون متناقضة مع قيمنا وعقيدتنا وتراثنا الفكري والحضاري بما يؤثر سلبا في منظومة سلوكيات الطفل العربي. وقد كانت هذه الوسيلة - أي الحكي أو القص - وستظل دائما أحد الأساليب الرئيسية لتكوين ضمير الطفل وثقافته ومكونات انتمائه الوطني.. وفي تراثنا عدة وسائل كانت تستخدم في الحكي للأطفال وطالما ارتبطوا بها وتعلموا منها، فمن ينكر دور كل من الاراجوز وصندوق الدنيا وخيال الظل في صياغة ضمير أطفالنا منذ بدء تفتحهم علي الحياة. ومنذ ثمانية عقود طاف ابن دانيال قري مصر وبعض البلدان العربية في المشرق والمغرب حاملا أجهزة خيال الظل وحكاياته عن سيف بن ذي يزل والفارس الشاعر عنترة بن شداد وأبوزيد الهلالي سلامة وجحا الشخصية العربية المرحة الذي يخرج من كل مأزق مبتسما وهو يبلور الحكمة الإنسانية وقد ارتبط بها أطفال ذلك الزمن واخذوا من حكاياته الكثير من زادهم الثقافي. هذه الفنون كانت تملأ حياتنا ورغم محاولات إحيائها التي تحدث من آن لآخر فإن دورها قد انتهي تماما وتحولت بحكم التطور التكنولوجي إلي أفلام سينمائية ومسلسلات كرتونية في السينما والتليفزيون والفيديو والإنترنت.. وقامت هذه الأجهزة الجديدة باحتلال حياة أطفالنا ومحاصرتهم بما تقدمه من مواد تشدهم وتجذبهم إليها، واختفت تماما من الحكايات كل الشخصيات العربية التي كانت تمثل مجتمعاتنا وتؤكد قيمنا وتراثنا ليحل مكانها ميكي ماوس ودونالدداك وبيتربان وبينوكيو وتوم وجيري وغيرها من الشخصيات الغربية التي تمثل مجتمعات غريبة عنا وتبشر بثقافات وقيم تختلف عن قيمنا وثقافتنا وقد تتناقض معها. وتركز الدراسات الاحصائية التي اجرتها منظمة اليونيسيف والمجلس العربي للطفولة أن الطفل العربي يمضي أغلب ساعات فراغه في مشاهدة برامج وأفلام الأطفال والمسلسلات الكرتونية التي تعرضها شاشات التليفزيون والسينما والفيديو والإنترنت. التأثير الأكبر مما يؤكد أن هذه الأفلام قد أصبح لها التأثير الأكبر في تشكيل مفاهيم الأطفال وصياغة عقولهم.. بل وأصبحت تستحوذ علي عقولهم بما تملكه من وسائل تقنية ومن خدع سينمائية مبتكرة متقنة الصنع تبهر الأطفال وتشد انتباههم وتؤثر فيهم بقوة. وتشير الاحصائيات أيضا إلي أن مؤسسة والت ديزني الأمريكية وشركات السينما والإنتاج التليفزيوني الأمريكية تنتج وحدها ما يمثل 40% من جملة الإنتاج العالمي من أفلام الأطفال.. بينما تنتج الدول الأوروبية وكندا ما يمثل 35% من جملة الإنتاج.. وتقوم دول جنوب شرق آسيا والصين بإنتاج ما يمثل 15% من الإنتاج.. أما نسبة ال10% المتبقية فتشارك في إنتاجها باقي دول العالم بما فيها دول أمريكا اللاتينية والدول الافريقية والدول العربية. ومؤدي هذا أن الدول الغربية تنتج ما يعادل 75% من جملة الإنتاج العالمي من أفلام الأطفال وهذا الرقم يعكس سيطرة مذهلة وشبه كاملة للإنتاج الغربي من أفلام الأطفال علي عقلية الطفل العربي وهذا أمر يؤسف له ويجب بذل كل الجهد للاسراع في تداركه. حركة نشطة والسؤال الذي يفرض نفسه الآن: أما آن لنا أن نفيق ونصحح الأوضاع وتكون لنا مبادراتنا في هذا المجال ويصبح لدينا إنتاج سينمائي في مجال سينما الأطفال؟ وأن يكون لنا إنتاج منتظم ومستمر في مجال سينما الأطفال وتكون لدينا حركة نشطة في هذا المجال وننتج أفلاما لإثراء مجتمع أطفال العرب الذين يمثلون ثلث المجتمع العربي؟! وفي هذا السياق أذكر أن في تراثنا الغنائي كانت هناك مبادرة مهمة قام بها أحد كبار الملحنين والمطربين وهو المرحوم محمد فوزي الذي بادر بتقديم أغنيتين للأطفال حققا نجاحا كبيرا.. ثم تبعته بعد ذلك الدكتورة عفاف راضي وقدمت هي الأخري مجموعة من أغاني الأطفال. فهل يقوم مخرج سينمائي كبير ويحذو حذوهم ويبادر هو الآخر بإخراج فيلم للأطفال يكون البداية؟! ودخول اسم المخرج الكبير في هذا المجال سيشجع بالقطع المنتجين لاستثمار أموالهم في هذا النوع من الإنتاج، فاسم المخرج الكبير يؤكد لهم الجدوي الاقتصادية وإن كانت الجدوي الاقتصادية مضمونة، حيث إن جميع محطات التليفزيون العربية وجميع الفضائيات العربية سترحب كثيرا بمثل هذه الأفلام العربية إنتاجا ومضمونا. نقص شديد يأتي بعد ذلك الحديث عن دور اتحاد الإذاعة والتليفزيون بقطاعاته المختلفة وبالاخص قطاع الإنتاج في المبادرة بسد هذا النقص الشديد في الإنتاج السينمائي.. والمعروف أن العائد الأساسي لإنتاج التليفزيون هو العرض علي شاشات القنوات الوطنية المختلفة أرضية وفضائية وهو عائد مضمون مائة في المائة.. وفوق هذا فإن البيع مضمون مائة في المائة أيضا ويكون عائده قيمة كاملة مضافة، وأن السوق العربية مشتاقة بل شرقانة إلي مثل هذا النوع من الأفلام التي تعاني قصورا كاملا في إنتاجها علي مدي المنطقة العربية. فلنبدأ بفيلم.. وفيلم وراء فيلم نحقق حركة أفلام نشطة ورائدة في هذا المجال.. ومن هذا المنطلق ينبغي التوصية بوجوب تحقيق جزء مناسب من الميزانية السنوية لقطاع الإنتاج وتوجيهها لإنتاج أفلام روائية طويلة وقصيرة للطفل يشارك في اخراجها بعض كبار المخرجين. وماذا لو قرر المسئولون في اتحاد الإذاعة والتليفزيون أن تخصص كل ميزانية قطاع الإنتاج في العام القادم الذي يبدأ في يوليو 2012؟ وذلك لإنتاج سلسلة من أفلام الأطفال فقط وهذا يمكن تسميته «المشروع القومي لإنتاج أفلام للأطفال» وهو: مشروع قومي نوصي بأن يتبناه اتحاد الإذاعة والتليفزيون لا شك سيكون مبادرة قومية مهمة وجريئة وسيحسبها التاريخ للقائمين علي العمل. هذا اقتراح أعتقد أنه سهل التنفيذ يحتاج فقط إلي قرار جريء.. وهناك اقتراح أعتقد آخر.. لماذا لا ينشأ ضمن قطاع الإنتاج إدارة مركزية جديدة لأفلام الأطفال تقوم بإنتاج أفلام روائية طويلة وقصيرة للأطفال ولعله من الأفضل أو الاجدي أن يتم انشاء قطاع جديد لإنتاج أفلام وبرامج الأطفال فالطفل هو مستقبل الأمة والاهتمام بمستقبل الأمة يعادل الاهتمام بحاضرها الذي تعطيه مختلف قطاعات اتحاد الإذاعة والتليفزيون النصيب الغالب من اهتماماتها فلا أقل من أن يكون للمستقبل متمثلا في الأطفال قطاعا يتولي تقديم كل ما يخصهم من أفلام وبرامج. واقتراح أن يضم هذا القطاع الجديد هيئة استشارية عليا تضم أساتذة في العلوم الإنسانية من المختصين في أدب وثقافة الطفل تضع السياسات العامة ومتابعة ما يقدم للطفل من دراما وبرامج وأفلام وهذا اقتراح سهل التنفيذ أيضا ويحتاج فقط إلي قرار. وأختتم دراستي بتقرير أن الذي دفعني إليها هو حبي للطفل المصري الذي أؤمن أن العناية به هي عناية بالمستقبل وتأهيل للوطن لمواجهة القادم من الزمن القادم.