قامت الثورة في مصر ليس فقط لإسقاط نظام حكم ظالم، وإنما قامت لبناء دولة ونظام حكم رشيد يليق بمكانة مصر وتاريخها و شعبها العظيم، ومن ضمن أهداف الثورة أيضاً إصلاح المؤسسات المصرية المختلفة التي عانت سيطرة النظام السابق وأفقدتها مهمتها الحقيقية، وعلي رأسها بالطبع الإعلام. فالإعلام المصري هو ضمن المؤسسات التي تحتاج إلي ثورة وإصلاح جذري حقيقي، بعد سنوات السيطرة الحكومية واستغلال النظام لها وفق مصالحه بعيداً عن دورها الأساسي في خدمة المجتمع. وإن كان الإعلام قد عاني من رقابة النظام السابق وديكتاتوريته، إلا أن الوضع بعد الثورة تغير تماماً، وانعكست الصورة وتغيرت الأساليب 360 درجة، بل إن البعض يري أن الأمر دخل حيز التطرف الذي جعل الإعلام يتسبب أو يشارك في وقوع أحداث مؤسفة مثل أحداث ماسبيرو وأحداث بورسعيد السوداء الأخيرة. والإعلام يعاني من حالة من العشوائية ويتجة للإثارة أكثر من الموضوعية، ويفتقد الضوابط الصحيحة التي تساعدة علي أداء دوره الحقيقي، حسبما يري الدكتور حسن عماد مكاوي عميد كلية الإعلام، الذي يؤكد أيضاً أن الإعلام لابد له من ضوابط قانونية لضبط العمل الإعلامي. وأشار مكاوي إلي أن الإعلام لابد أن يعبر عن الدولة والمجتمع وليس الحكومة التي وصفها بأنها زائلة ومتغيرة بينما الشعب المصري والدولة باقيين، ولفت النظر لأهمية الدور الإعلامي خاصة مع وضع مصر الآن بعد الثورة هذا إلي جانب وجودها في منطقة حساسة ومحورية، تحتاج إلي تناول القضايا المثارة بذكاء عال وحكمة شديدة. كما ذكر مكاوي أنه من المهم أن تصدر تراخيص وسائل الإعلام المختلفة من خلال شخصيات مرموقة وموثوق بها تتمتع بالمسؤولية الاجتماعية، حيث يري أن البعض يستغلها لمصالح خاصة أو لغسيل أموال أو لتطبيق مصالح أجنبية، ابتعاداً بها عن دورها الاجتماعي في ظل قواعد تنظيمية للعملية الإعلامية. تطوير الإعلام وقد انطلقت محاولات من أبناء المهنة الإعلاميين لإصلاح أنفسهم، وترددت الدعوات إلي أن تجسدت فيما عرف "بمبادرة تطوير الإعلام "، ظهرت فيها وجوه معروفة ومألوفة لنا يومياً التي تخرج علي الشاشات من خلال برامجها اليومية، في محاولة منهم لوضع ضوابط مشتركة ومتفق عليها بينهم لتوجيه الإعلام والإعلاميين إلي دورهم الاجتماعي الصحيح. إلا أن الدكتورة مني الحديدي أستاذ الاتصال والمجتمع، تعتبر تلك المبادرة من جانب الإعلاميين العاملين في القطاع الخاص منتقصة، لأنها وإن كانت بهدف نبيل إلا أنها تجاهلت تواجد الباحثين والأكاديميين، وأنها أيضاً لا تشمل كل أشكال الممارسات الإعلامية، وتساءلت: أين مجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون؟ وأين كلية الإعلام من التمثيل في هذه المبادرة وهي الكلية الأم في هذا المجال؟ ورغم تأييدها للإصلاح الإعلامي الذي لابد وأن ينبع من داخل المهنة نفسها إلا أنها أكدت علي مشاركة عناصر أكثر شمولية، ولابد أن يكون هناك ملتقي فكري أكاديمي يجمع بين النظرية والتطبيق، مستنكرة تجاهل الإعلاميين لأبحاث ودراسات الخدمات الإذاعية والتليفزيونية المتوفرة بالعشرات. وتشير الحديدي إلي أن الإعلام المصري بالكامل ودون تحديد، حتي الآن لم تحدث فيه الثورة المطلوبة، ولم يلب حتي الآن ما طالب به الثوار. وتري أن غياب " نقابة للإعلاميين أو للإذاعيين " هو أحد أسباب الانفلات الإعلامي الذي نراه - حسب وصفها - وهي التي كان من شأنها أن تحاسب المخالفين لآداب وأخلاقيات المهنة، هذا إلي جانب غياب سياسات إعلامية يمكن الارتكاز عليها لتلبية احتياجات المجتمع. لا تحرير ويتفق الإعلامي والصحفي جابر القرموطي مع الدكتورة مني الحديدي، في أن " مبادرة تطوير الإعلام " منتقصة، لأنها لم تضم إعلاميي ماسبيرو، مؤكداً لأنه لا سبيل لإصلاح الإعلام إلا بإصلاح إعلام ماسبيرو، قائلاً " لا تحرير للإعلام إلا بتحرير ماسبيرو" لكنه عاد ليؤكد أنه إن كانت وسائل الإعلام في وضعها الحالي تستطيع حل بعض المشكلات التي ربما تعجز الحكومة عن حلها، فإنه من باب أولي أن يقوم الإعلاميون بحل مشاكلهم بصورة مهنية وموضوعية دون ميل أو تحيز إلي جهة العمل، فالكل بلا استثناء في الصحف القومية والخاصة مثلاً يعارض تدخل مجلس الشوري في تعيين رؤساء تحرير الصحف القومية، ويطالبون بأن يختار أبناء المؤسسات من يرأسهم في عملهم. ويشدد القرموطي علي أهمية استغلال الثورة المستمرة في إصلاح العمل الإعلامي ويقول: " مرحلة الثورة وإن أسأنا تقديرها لا يجب أن نتركها تتسرب من بين أيدينا "، محذراً من أن وسائل الإعلام ستكون الخاسر الأكبر وأول من يحاكم، في حال فشلت الثورة في تحقيق أهدافها، خاصة مع ما يثار من أن هناك رؤوس أموال تضخ في وسائل الإعلام بهدف وأد الثورة.