ليس من رأي كمن سمع.. هذا هو الحال في فيلم مكي الجديد «سيما علي بابا» بكسره القالب المعتاد عليه في السينما المصرية فهو نوع من افلام سينما ما بعد الحداثة التي تعتمد في احد روافدها علي اسلوب إعادة الاستخدام حيث يتم توظيف اشكال قديمة في سياقات جديدة قد تتم في شكل ساخر أو بشكل غير ساخر لكن تبدو الاستعارة اسلوبا معتمد في افلام ما بعد الحداثة ودائما الهدف منها هدف كرنفالي استعراضي لا يهتم بالمعاني او الحقائق فسينما ما بعد الحداثة لم تعد تتخذ من التعبير عن الواقع هدفا لها بل استبدلته بمبدأ خلق عالم من الصور لم نشاهده في اي واقع فهي تشتهر بالدهشة والنوستالجيا «الحنين الشديد للعصور الماضية بشخصياتها واحداثها» والباروديا «المحاكاة الساخرة» وهما حالتان متناقضتان تنتابان المشاهد عند مشاهدة تلك الافلام. حالة تضارب لقد أطلق العنان لخياله وخاض وتوغل في تقديم «الفانتازيا» التي لم يعتد عليها الجمهور مما أصابه بدهشة خاصة عند اداء مجموعة العمل ادوار حيوانات في الجزء الثاني من الفيلم محدثا حالة من تضارب الآراء وبعض الانتقادات العنيفة كمن ألقي بحجر في المياه الراكدة. الفيلم يقدم قصتين مختلفتين في فيلم واحد مثلما كان يحدث في سينما علي بابا التي كانت تقدم فيلمين في برنامج واحد وهذا سبب تسمية الفيلم بهذا الاسم . القصة الاولي كوكب ريفو الذي يموت قائده ويلجأ نائبه الي حزلقوم «أحمد مكي» من كوكب الأرض للقيام بدور القائد لقوة الشبه بينهم حتي يتمكن من الاستيلاء علي الحكم الا انه يتعاون مع المعارضة عندما يعلم بوجود مؤامرة لتدمير كوكب الارض و في النهاية يتم كشف المؤامرة ويهرب حزلقوم للأرض في الوقت المناسب . لم تقدم هذه القصة جديدا في مضمونها الا انها قدمت لونا جديدا بشخصيات لم يسبق تقديمها في فيلم مصري من قبل «شخصيات الكائنات الفضائية» علي غرار أفلام حرب الكواكب في السينما الأمريكية وهي تجربة جديدة.. اما النظرة المتعمقة فنري ان القصة تحتوي علي بعد سياسي يتعرض لما يحدث في الانظمة الديكتاتورية من صراع علي السلطة وقد يوحي هذا لما يدور علي الساحة في مصر حاليا. القصة الثانية مزرعة يقيم بها مجموعة من الحيوانات يقعون تحت سيطرة ضباع تفرض عليهم إتاوات شهرية وهم مستسلمون لهم الي ان يدخل مزرعتهم الديك برابر «أحمد مكي» بغرض سرقتهم الا انه يتعاطف معهم ويقوم بتوحيد صفوفهم في مواجهة الضباع ويتمكن في النهاية هو وباقي الحيوانات من هزيمتهم . الفكرة جديدة شكلا وموضوعا أحدثت صدي واسعا لدي الجماهير بالظهور في شكل حيوانات وأداء حركتها وأصواتها والبيئة المحيطة بها وهذا نوع من انواع الفانتازيا ومن حق الفنان ان يقدمه وهذا النوع بالذات قد يلاقي قبولا من البعض ورفضا من البعض الآخر ومن النادر ان يتفق عليه الجميع، القصة توجه رساله للمجتمع علي لسان الحيوانات مضمونها الاتحاد والتكاتف في مواجهة المتآمرون علي تفرقة أبناء الوطن الواحد كما هو الحال الان . وقد تكون هذة الفكرة مستوحاة من كتاب «كليلة ودمنة » الذي كان يقدم الحكم والمواعظ علي لسان الحيوانات. أداء الفنانين احمد مكي لم يقدم الجديد في شخصية حزلقوم في القصة الاولي من الفيلم لانه لم يكن امامه سوي اعادة تقديم هذه الشخصية لان فكرة الفيلم تقوم علي الشبه بينه وبين إحدي الشخصيات كما حدث في فيلم «لا تراجع ولا استسلام» لانه لا يرغب في تقديم شخصية جديدة ثم يقوم بحرقها في هذه القصة ونعتقد انه لن يقدم شخصية حزلقوم مرة أخري لأنه في نهاية القصة تركه معلقا في الفضاء دون ان يحدد مصيره كما فعل في شخصية دبور عندما حلق شعره كنهاية لهذه الشخصية في حين ان اداءه في القصة الثانية كان جيدا وأظهر فيه موهبة جديدة في تقليد الديك وخاصة في مشيته وحركاته . ايمي سمير غانم كانت جديدة وجريئة في تقديمها دور الفرخة بدارة وقد اجادت تقديم هذا الدور علي الرغم من صعوبته لكونه دورا لم يقدم من قبل، هشام اسماعيل القائد اوجمانتين في القصة الاولي والضبع في الثانية اثبت انه حقا ذو موهبة وان نجاحه في شخصية فزاع لم يكن مصادفة. إجمالا جميع فريق العمل ادي الدور بشكل جيد بالرغم من صعوبة ادوارهم . الديكور كان عنصرا رئيسيا ومؤثرا في هذا الفيلم فقد استطاع اقناعنا اننا فعلا في كوكب آخر علي الرغم من ضعف الامكانيات حيث تشعر وكأنك تشاهد فيلما أمريكيا عن الفضاء منذ أواخر السبعينات لكن كانت محاولة جيدة بالنسبة لكونها فكرة غير معتادة في السينما المصرية وكان ديكور المزرعة في القصة الثانية واقعيا ولم يغفل ادق تفاصيل البيئة الزراعية وظفت الالوان في الفيلم بشكل درامي وساهمت في خدمة الأحداث والشخصيات . الملابس والماكياج الملابس والماكياج توجا جهود الفنانين في تقديم هذه الشخصيات غير العادية والتي لولاها لفشل ابطال العمل في اقناعنا بانهم كائنات فضائية او حيوانات فاستخدم الماكيير ألوانا مختلفة للوجوه ودعمها بنتوءات متعددة في الوجوه وتعديل في شكل الأذنين واندمجت معها الملابس الخاصة بالكائنات الفضائية وفي الحيوانات استخدمت المناقير والأرجل وعرف الديك والفرخة والريش والشعر والقرون بطريقة دقيقة ولم تغفل ايا من تفاصيل الحيوانات . الصوت كان حوار الفيلم الذي كتبه شريف نجيب في القصة الأولي ملائما للجو العام للقصة وواقعيا للمكان الذي تدور فيه الأحداث ولطبيعة الحدث المعروض علي عكس ما كان عليه في القصة الثانية فكان الحوار غير مناسب في بعض الأجزاء لإدخاله بعض الإفيهات المتداولة في الشارع المصري ضمن الحوار مما يجعلك تشعر بأنهم علي دراية بجميع الإفيهات التي تتداول بين الناس ومن المفترض ان هذا الحوار بين حيوانات وطيور ولا يجب إقحام مثل هذه الإفيهات بداخله ولكنه كان يراد بذلك اضافة عنصر الكوميديا ضمن القصة حتي يحافظ علي التصنيف العام للفيلم كفيلم كوميدي وهذا الاسلوب يسمي بالكولاج «الاقتباس من أعمال أخري» وهو مرجعية أساسية في معظم أعمال مكي. الموسيقي التصويرية والمؤثرات الصوتية وظفت المؤثرات الصوتية توظيفا دراميا داخل الفيلم باستخدام اسلوب تضخيم وترفيع الصوت ليتوافق مع طبيعة الشخصيات ككائنات فضائية او كحيوانات بالاضافة الي استخدام اصوات الحيوانات والطيور الطبيعية ضمن الحوار في حين جاءت الموسيقي التصويرية كخلفية للاحداث ولم تضف شيئا لاحداث الفيلم. الإخراج فكرة الفيلم جديدة وبها جانب كبير من المغامرة مما تطلب من المخرج احمد الجندي جهدا كبيرا للخروج بالفيلم من الخيال الي الواقع، لم يحدث تغيير كبير في فريق العمل الا انه تمكن من تقديم ادائهم بشكل جديد وتوظيف كل منهم في الشخصية المناسبة له ودعمهم بالماكياج والديكور والمؤثرات الصوتية ودمج كل هذا ليخرج الفيلم في صورة جيدة ومع اضافة عناصر محدودة في كل تجربة جديدة إلا انه يتمكن من التغيير ويثبت مدي أنه هو وفريق العمل متجددون في كل عمل جديد.