رحل مع نهاية العام 2011 الفنان جون تشامبرلين أحد أهم نحاتي القرن العشرين الشهير بتكويناته النحتية بالخردة المعدنية محققاً شهرة عالمية بتكويناته التجريدية التي شكلها من هياكل السيارات الخردة .. وهو الفنان العنيد الذي رحل في 21 ديسمبر عن 84 عاما والذي حتي نهاية حياته ظل يسحق هياكل السيارات محولها الي اعمال نحتية تجريدية التراكيب . عمل تشامبرلين منذ حوالي خمسين عام في استخراج اشكال جمالية تركيبية من اجزاء سيارات محطمة ومصداتها واجزاء الخردة المعدنية ..وبدأ أول عمل نحتي من الخردة عام 1957 حين انجز عملا فنيا مكونا من اثنين من الاكصدامات .. وحينذاك قال: " وجدت أخيراً مواد وخامات فنية رخيصة لأعمالي " .. وقال :" اعتقد ان المواد التي استخدمها غير مرغوب فيها ولكنها مثل القمامة والنفايات المتحولة الي سماد عضوي .. كذلك الخردة أجعلها مصدرا لحياة اخري " درس تشامبرلين الرسم ثم النحت في كلية متحف معهد الفن في شيكاغو لمدة عامين من 1955 الي 1956 ثم انتقل الي نيويورك 1958 وحاول تطوير اسلوبه في التجميع النحتي من قطع صغيرة الي نماذج من الصلب المستوي والملتوي لأنه كان حينذاك معجباً بطريقة النحات العالمي " ديفيد سميث " في التجميع الذي اعتمد ايضاً علي قدر كبير من اجزاء معدنية وصلب .. وبعد هذا ركز علي عمله علي تقديم طيات عميقة وغريبة وملتوية للحصول علي تقلصات ارادها بالضغط علي اجزاء هياكل السيارات القديمة .. وفي أواخر الستينات استخدم تشامبرلين صاج السيارات بألوان المينا .. كما انجز اشكالا مُكومة من الاسفنج والمطاط والالمونيوم والبلاستيك .. ونجح في تطويع الخامة المعدنية لىُشكل منها تجعيدات في ملامس متنوعة ساعدته فيها تجربة التشكيل المجرد والتلاعب بالاشكال الطيعة والصعبة في عمل واحد فأنجز اشكالا حرة التكوين في احجام مختلفة . وربما لأعمال تشامبرلين غير البعد الجمالي بُعد آخر مفاهيمي فخردة السيارات كانت يوماً سيارات لها وظيفية كآلة في زمن صناعي استهلاكي تجري علي الطريق في المكان عبر زمان وجودها في مسارات افقية ممتدة لتتحول الي كتل ثابتة في المكان في تركيبات رأسية وشبه مكعبة وحرة ذات قيمة جمالية تحمل - والي درجة كبيرة - مفهوم وجودها الأولي الخاص في تركيزه علي الجانب الوظيفي والحركي والذي سيؤثر بدرجة ما علي رؤية المشاهد للعمل في تركيبته الجديدة والذي قد يتحول من مجرد عمل تركيبي تجريدي الي عمل له سمة مفاهيمية أو تحولية .. وتشامبرلين أحد أهم فناني القرن العشرين حيث اصبح المعدن وليس الخشب هو المفضل لدي نحاتي منتصف القرن الماضي ورجع ذلك لوجود فائض وبكميات كبيرة ومتنوعة من النفايات المعدنية التي لعبت دورا كبيرا في تصنيع المجتمع واهتم الرسامون والنحاتون بتقنيات التجميع والاضافة والازاحة .. وكان تشامبرلين أحد الذين لفتوا الانتباه الي الثقافة الاستهلاكية في امريكا مستعملا مفردات خامات تنتمي الي عالم الصناعة حتي بدا الفنان كعامل في مصنع خردوات صناعية أو في إحدي مقابر السيارات. وشخصية الفنان جون تشامبرلين بها شيء من الهزل والمشاكسة والجرأة وكان حبه للتجريب من أهم سماته خاصة مع ظهور اي مواد جديدة اضافة الي قطع غيار السيارات الخردة والصلب المجلفن والمطاط الرغوي " اليورثيان" وبعضها اتخذ شكل الآرائك وقد انتجت ايطاليا العديد من تلك الأرائك .. إلا أن عمله من الخردة كان اقل شعبية في أوروبا بينما في بلده امريكا ارتبطت اعماله والسمة الاستهلاكية الامريكية ورغبة الحرية .. وبعد ذلك جعل فنانون من أوروبا من اجزاء السيارات فناً مثل الفنان الفرنسي " سيزار " الذي ضغط سيارات خردة علي هيئة عمودية وله أحد هذه الاعمال لسيارات مكبوسة رأسياً في أحد ميادين باريس . فكان تشامبرلين هو الأكثر جرأة والذي اخذ من فن " البوب " بساطته ليقدم اشكالا تجريدية وان بدت في عشوائية الا انه اهتم بتقديم قيم جديدة ترتبط بصرياً وقطع غيار وهياكل السيارات ليشكل بنفسه شبه تيار فني ثابت من الابتكار ورغم تقدم عمره كان يقيم معرضه حتي آخرها في نيويورك ولندن وميونخ بألمانيا عام 2011 فحتي رحيله كان يعمل بجرأة وبلا هوادة لذلك حقق أثرا لا يمحي في تاريخ الفن في القرن العشرين وكشف باعماله شخصية جريئة ذات ضراوة في تكييفه للخامة القاسية لانجاز منحوتاته .. ومن المفارقة ان اقام أول عرض كبير لاعماله عام 1971 في متحف جوجنهايم منذ حوالي اربعين عاما وبعودة مرة اخري يقام بعد رحيله في نفس المتحف عرضاً كبيراً تكريماً له في 24فبراير القادم الي 13مايو 2012 يعرض فيه خمسة وتسعون عملا مهما للفنان.. من المؤكد ان المعرض سيهتم باستكشاف التحولات في اعمال تشامبرلين وتقنيات عمليات التجميع وتجاربه بين الخامة والفورم ومناطق الاشتباك علي مدي حياته مع مواد كان يعاد تدويرها.