اعتادت آذاننا خلال هذه الفترة بداية من 25 يناير، أن نسمع مذيعي التليفزيون وحتي الإذاعات - لمن يستمع لها - يقدمون لنا فلانا لأنه ناشط سياسي، وتقرأ أيضاً بالصحف أياً كان انتماؤها أو توجهها أو جهة تمويلها حواراً أو تداولاً لآراء أحد النشطاء السياسيين. ومن الملاحظ أيضاً أن معظم هؤلاء النشطاء هم من الشباب سواء من الشبان أو الفتيات، وغالباً هم شباب في مقتبل العمر ممن أنهوا للتو دراستهم الجامعية أو تجاوزوها بسنوات معدودة وهم يقدمون بهذا النعت وكأنهم من ذوي الخبرة أو التجربة المشهودة، لكن البعض يري أن آراءهم ليست ترتكز علي أساس علمي أو دراسة من جهة معتمدة . بطل من ورق ولأن البطل الأول هذه الفترة في استقاء المعلومات هو الإعلام بشاشاته وصحفه، فإن وسائل الإعلام أفرزت لنا هذه الظاهرة الجديدة، وهو الأمر الذي لم يختلف عليه المثقفون والخبراء، ونظراً لظروف الثورة وقوتها النابعة من عنفوان الشباب الذي قادها، فإننا قد نلمس انحيازاً من جانب الإعلام تجاه الثوار والناشطين، وإن لم يكن انحيازاً فهو تخوف من التوجه لهم بالنقد منعاً لوصفهم بإعلام النظام السابق، وهو ما يشكل ابتعاداً عن الحيادية المفترضة من جانب الإعلام والاعتدال في طرح جانبي الرأي المختلفين، وهو ما يجعلنا في الواقع نواجه فزاعة متجددة تتمثل في تحكم عناصر جديدة في مصير هذا البلد تحت شعار الثورة. إن ما سبق خلق لدي المشاهد والقارئ العديد من التساؤلات التي تبدأ بالرغبة في معرفة أساس ما هو الناشط السياسي؟ ومتي يصبح ناشطاً سياسياً يعتد برأيه؟ وما خلفيتهم السياسية والاجتماعية؟ وكيف أصبح هؤلاء النشطاء ذوي حجة ومرجعية ويخرجون في قنواتنا للإدلاء بوجهات نظرهم ويفرضون علي المجتمع ما يجب عمله؟ بداية يمكن تعريف الناشط السياسي كما ورد في المراجع السياسية بأنه : الشخص المنتمي لحزب سياسي أو تيار سياسي ويدعي معارضا لأنه يعارض علي أسلوب أحزاب سياسية أخري وعلي طريقة استخدامها للسلطة وينتهي دوره كمعارض عندما يمتلك حزبه زمام السلطة ليدعي حينها بالموالي أو السلطوي . ويكتفي المعارض بتوجيه المقالات والاعتراضات للأحزاب الأخري حيث تمثل هذه المرحلة مرحلة من النضج الديمقراطي للأحزاب ويذكر أن نمو الأحزاب السياسية وتطورها وتطور الفرد فيها يكون في ظل نظام سياسي متماسك قادر علي استيعاب كل الأحزاب والمثول لها وتوجيه الادعاء لها في حال تطال أحد هذه الأحزاب أو أفراد من أحزاب أخري. ووفقاً لما ذكره هذا المفهوم الأكاديمي فإن المعارض يحتاج لمناخ يستوعب الاختلاف، ونظام سياسي متماسك حتي ينشأ في ظل نضوج ديمقراطي، وهنا يعرف الصحفي والإعلامي جابر القرموطي الناشط السياسي بأنه شخص يعمل في السياسة بمجال واسع، وله خبرة سياسية واسعة خاصة في الجانب المعارض للحكومة أو الدولة، لكننا نجد في مصر الآن أن كل من أصبح عضواً في حزب أو جماعة سياسية أصبح ناشطاً، وكل من كتب مقالاً ضد الدولة أصبح ناشطاً، وكلي من يبحث عن دور له تحت الأضواء الحالية ولا يجد يسمي نفسه ناشطاً سياسياً. ويري القرموطي أيضاً أن مسمي الناشط السياسي فقد معناه من كثرة تداوله في الإعلام، بالضبط كما فقدت المليونيات مفعولها لدي الشعب المصري من فرط تكرارها، فكل من له رأي سياسي أو دور في الثورة - خاصة من الشباب- ووظيفته الحقيقية متواضعة يطلق علي نفسه اسم ناشط سياسي باعتباره المسمي الأقرب لسبب ظهوره في الإعلام، لكنه يعود ويؤكد أن هذا لا يعني عدم احترام أصحاب هذا النشاط لأن هناك شخصيات هي بالفعل تستحق اللقب عن جدارة حقيقية ومرجعية علمية. وعن دور الإعلام في هذه الظاهرة، يري جابر القرموطي أن الإعلام شارك في تضخيم هذا المسمي، خاصة أن هناك إحصاء يؤكد أن هناك 62 شخصية تمثل مصادر يتناوب الإعلام تداول آراءهم في جميع القضايا، بالإضافة إلي عدم تجدد الوجوه المترددة علي شاشات الفضائيات، وهو ما يضر الإعلام أكثر مما يفيده . بين الأدب والسياسة وفي نفس المقام يفترض الصحفي ومعد البرامج أحمد الجمال أن هناك كليات ومعاهد وجهات متخصصة تخرج لنا من هم أهل لها، نطلق عليهم نشطاء سياسيين. ويري أن الظاهرة الإعلامية التي تشكل أزمة حقيقية الآن هي أن لدينا محللين سياسيين علي المقاهي فيما عرفه لفظاً "بالثقافة الشفهية " حيث تتناقل وسائل الإعلام الآراء والتحليلات السياسية علي لسان كل الناس بغض النظر عن خلفيتهم ومرجعيتهم رغم أهمية الخبرة الميدانية والمرجعية العلمية الحقيقية. كما يلفت الانتباه إلي الأدباء الناشطين الذين تحولوا من الأدب للسياسة، ويضرب المثل بالأديب علاء الأسواني الذي تحول في حواراته مؤخراً إلي محلل وناشط سياسي، وهو ما يبعده عن تواجده الأدبي الذي كان متوهجاً فيه علي المستوي العربي والعالمي، وهو ما يسحب البساط من كونه أديباً ليركز علي كونه ناشطا ومحللا سياسيا. ويضيف أيضاً أن معظم من يخرجون تحت مصطلح الناشط السياسي هم في الحقيقة يرغبون في تسليط الضوء عليهم، وأن القليل منهم فقط من يتمتع بمقومات الناشط الحقيقية. وسيتسبب الإعلام حسب قوله مع استمرار عرض النشطاء المزيفين في خلق ديكتاتورية الثورة، كما دعم ديكتاتورية الحزب الوطني ونظامه الحاكم باستمرار إظهار أعضاء وأذناب النظام السابق وحجب الضوء عن المعارضة. وللقانون رأيه واستكمالاً لتلك الظاهرة هناك أيضاً مصطلح لا يجب إغفاله وهو مطابق تقريباً لمنشأ الناشط السياسي وهو الناشط الحقوقي الذي ظهر بالتوازي معه، وهنا يري المستشار خالد القاضي المستشار القانوني لمجلس الشعب ورئيس تحرير مجلة الوعي بالقانون، أن لفظ الناشط الحقوقي مصطلح جديد علي البيئة القانونية المصرية، وأنه نشأ في بلاد الشام ولبنان خاصة، إلا أنه يري أن ذلك ظاهرة صحية إيجابية وليست سلبية ولا يجب الخوف منها مطلقاً . ويعرف الناشط الحقوقي بأنه الشخص الشخص المهتم بالأمور العامة والشأن القانوني والبيئة الحقوقية السائدة في المجتمع، لكنها لا تعتبر وظيفة حقيقية لأنه ليس لها توصيف وظيفي حقيقي، وبالتالي يمكن القول بأنها جزء من النشاط الاجتماعي لكنها مركزة في الجانب الحقوقي . ويري القاضي أن الإعلام يقوم بدور تنويري بعرضه لمثل هؤلاء النشطاء حيث يقوم بعمل عصف ذهني لآرائهم، وأن من حق أي شخصية عامة أن تدلي برأيها في الوضع السياسي والإجتماعي الحالي، وللجمهور أن يقبل أو يرفض .