المؤلف.. لم يؤلف.. المخرج. «ولف»، فولف «المولف» توليفة تصلح لأن تكون سهرة في حب ثورة - 25 يناير 2011 - فكتب بعض الآراء، واشتهد، أو استرشد ببعض أبيات من شعر - العظماء - من أبناء الثورات المصرية المدونة في كتب التاريخ، لكن هل ما شهدناه يندرج تحت كلمة أو مصطلح - س ج - والإجابة ستأتي في سياق هذا المقال، الذي أرقني كثيراً قبل أن اكتبه، فالمفروض أنني كاتب مسرحي والمفروض أنني من أبناء قلعة المسرح في الوطن العربي - المسرح القومي- وذلك بالإضافة إلي مشاركاتي بالنقد، فضلاً عن حرفة الإخراج التي هي حرفتي في كواليس مسرحنا القومي لمدة تقرب من نصف قرن من الزمان. فدعوني أتكلم بكامل راحتي.. وليسعد كل ما أعطي من فرص ورزق و... الستار هو الله!؟ عيوب وعطوب لكن هناك من العيوب والعطوب قد لا تأتي إلا بفعل التطاوس - وكما يقول بطل العرض: طارق الدسوقي، الذي يمثل دور «أحد الدكاترة في كلية الآداب» وبالطبع - جامعة القاهرة - وهي الكلمة التي كررها أكثر من خمسة عشر مرة أننا «نجهل» وأن الجهل هو الذي أوصلنا إلي ما نحن فيه، وأما المؤلف الذي ولف الأحداث ليصوغ رؤية تناحرية بين المسلمين والأقباط من خلال قصة «توليفية» عن أسرتين، إحداهما مسلمة والأخري مسيحية، مثلما بان، لدرجة أن الأم المسلمة أرضعت الابن المسيحي، والأم المسيحية أرضعت الابن المسلم ثم لم تكن هناك قصة سوي هذا الملمح الموجود في مجتمعنا منذ قديم الأزل.. وفي كل النجوع والكفور في صعيد مصر، ولكن «التوليفة» مقنعة لأن تكون إرهاصة عرض يتحدث عن «الفتنة الطائفية» والتي جعلت طلبة كلية الآداب يتقاتلون بالأيدي، ويتصاعد الموقف بين المتشددين من الشباب المسلم ضد قصة الحب التي بين البنت المسلمة والشاب المسيحي، الذي هو في الأصل شقيقها في الرضاعة. وتدخل المشاهد المتعاقبة، في تأكيد هذه «التوليفة» التي قد يظن كاتبها أنها «قضية الساعة والجيل معاً» ولعل - فكرة المخرج هي الأساس في «توليف» هذا العرض وأن الهدف من التنقيب في التاريخ هو الرد علي المتعصبين بمنطقهم، وكل المشاهد التوليفية، تؤكد أن الفهم الصحيح للإسلام الذي يكفل مبدأ المساواة الكاملة في المواطنة بجميع متقتضياته، وأن الهدف الأسمي لهذه - التوليفة - هو نزع أسلحة المتشددين في تيار الإسلام السياسي، وطارق الدسوقي يلقي العديد من - المونولوجات - التي تعتبر نموذجاً رائعاً للمباشرة التوليفية للحالة الاجتماعية والسياسية المدانة من وجهة نظر «التوليف» الكتابي، التظريف الإخراجي - وأن ملحمة الثوار - التي ولدت في ميدان التحرير في الخامس والعشرين من يناير في هذا العام السعيد لمصرنا، كان يجب أن تزيح ركام كل المخاوف من طريقنا.. وألا يكون مسرحنا بوقا، بل جامعة مفتوحة لكل الأفكار الإنسانية، لكن العجالة جعلت من هذا العرض - التوليفي - «فيه إيه يا مصر» يجعلنا نقول: فيه إيه يا مسرح الدولة، أو فيه إيه يا مسرح يا مصري، هل هذا هو نتاج هذه الثورة الرائعة، الإجابة نعم في ظل غياب العلم والمنطق والوعي الدرامي بخطورة المرحلة التي تمر بها البلاد، فإذا كانت ثورة التحديد انحسر عنها التلألؤ لنجمات من كل الأعمال، وقتل فيها من قتل واغتيل فيها من اغتيل واستشهد فيها شباب هم فلذات الأكباد فإن التلقي السلبي لنص مولف لهذه الفكرة التي لا يجب إلا ان تكون إحدي فقرات وعظة في كنيسة أو خطبة في مسجد، وبما أن هناك من الأصوات من سيقول لنا إن المسرح كما المسجد والكنيسة: فأنا أقول مؤكداً بأن المسرح - كما القانون - وكلاهما يبحث في عدل الله، وإذن فالعرض جزء من كل وأنا لا أقول كنت أريده كذا، أو كذا، وإنما كنت أتمني للتجربة بعضا من النضوج- المهني- وان حسن النية لدي المخرج الذي - قدم الفكرة للمولف، وليس «المؤلف» وهنا تكمن مساحة شاسعة بين - المنهج العلمي - للكتابة المسرحية، إما أن يكون حسن النوايا هو قانون العروض التي تخاطب كمستشار مؤتمن منبره علي خشبة المسرح ولذلك فإن بنية - النص - ولهذا سوف نتكلم عن العرض - باعتباره حالة. مهاترات غير مسئولة وعلي ذلك فسوف نعلي من قدر هذه - الحالة- التي نشرت فيها - المواعظ - في شكل منولوجات موجهة للصالة متهمة المشاهد بالسكوت عن حالة قد تفشت في مجتمعنا المصري وأن المسئول عن هذه الحالة هم - المتعصبون - في الديانات المسيحية والمسلمين - وأن طرح هذه الآراء في حد ذاته مسألة مردود عليها هو أنه لا يجب أن نفتي في أمر معلوم منذ آلاف السنين، وأنه إذا كانت تحدث مهاترات غير مسئولة فإذاً السبب لوجود هذه المهاترات هم - الموتورون - من الجانبين، أولئك الذين سمحوا لجهات أجنبية، أو داخلية تذكي من نار هذه الفتنة الطائفية، وإذا ذهبت إلي صعيد مصر أو ذهبت إلي أحد الأديرة وسألت عن علاقة حسن الجوار بين المسلمين والمسيحيين فسوف تجد الإجابات التي تطمئننا علي أن شياطين الفتنة من خارج الدير، ومن خارج المسجد، ومن خارج الوجدان الجمعي، وإذن فمسألة أن نعد عرضاً مسرحياً يحمل في أعطافه هذه النبرة الخلافية باعتبارها قضية ما كان يجب علي المكتب الفني لمدح فرقة السلام التي يترأسها الفنان جمال عبدالناصر ولا لجنة النصوص وعلي رأسها كاتب وناقد كبير، أو حتي رئيس البيت الفني للمسرح، ولأن العرض حالة غاية أمنياتي ألا تتكرر هذه الحالة، وان نتذكر دائماً ان المسرح صناعة ثقيلة تحتاج إلي الصانع الماهر المدرب علي أعلي مستوي من التدريب علي حرفته، فالتأليف حرفة والإخراج حرفة، والتمثيل حرفة من ليس له حرفة، لماذا هذا هو الجواب. استثني الممثل صاحب الرصيد الكبير من الأدوار المحترمة تليفزيونيا طارق الدسوقي وإن خاصمته السينما أما في المسرح فله حضوره القوي، وكذلك دوره في هذه الحالة، أستاذ جامعي وطني حتي النخاع فقد جسد الدور باقناع واقتناع. مجرد شبيه وأندهش لإعطاء الممثل - الجديد - محمد رمضان، ذلك الذي نصبه المخرج بطلاً مطلقاً للعرض، اعتماداً علي الشبه الكبير بينه وبين نجمنا الرائع الراحل «أحمد زكي» فكان محمد رمضان مجرد - شبيه - وهذا في حد ذاته قتل متعمد لموهبته سوف تنسف ما لديه من طاقات تخصه وحده، دون الارتماء بكامل حضوره في تغييب نفسه فالشبيه صورة باهتة سرعان ما يترحم المشاهد علي الأصل ومثل هذه الصورة، ومحمد رمضان ممثل أقل من عادي أقل من مجتهد، أقل من أن يكون في تحية العرض هو البطل الذي يقدم وحده في التحية، وأقول بأن هذا كثير جداً عليه!؟ وأظن بما لا يدع مجالاً للشك أن الممثلة التليفزيونية السينمائية راندا البحيري سوف تعود لأحضان التمثيل التليفزيوني والسينمائي، أما المسرح فهو ليس حرفتها فهي ليست بقامة الممثلات المسرحيات، لا علي مستوي الحضور الجسدي أو النفسي، أو - كاريزما - الممثل المسرحي، فهي كائن ضعيف الحجم يتكلم ولا يترك بصمة لما يتكلم به أو فيه!؟ وشريف صبحي دور صغير هزيل حاول جاهداً أن يكون له حضور.. لكن ماذا يفعل المؤدي والمادة خفيفة لم تسمح له بأي نوع من الإجادة أو التألق. تلك هي المسألة ثم لدينا الممثل ابن المسرح القومي مصطفي طلبة الذي حاول أن يكون فكتب علي مساحة حضوره أمام المشاهدين كلمة شكسبير علي لسان هاملت: أكون أو لا أكون، فكانت هي تلك المسألة: ومحمد سعيد عبود في دور صغير وعبدالسلام عبدالعزيز محاولا أن يكون ممثلاً، عنايات صالح وجود باهت، مديحة إبراهيم تحاول أن تكون الأم لكنها وقفت عند حدود المحاولة، استثني يوسف عبيد فقد كان ممثلاً صادقاً واعيا، رغم قصر الدور، أما باقي الممثلين وهم كثر أقول إنهم كلهم كانوا أدوات جيدة حاول المخرج أن يتسغل هذه الأدوات منهم: حربي الطائر، أسماء الباجوري، وأحذر من ثقل ظل الطفلين اللذين مثلا طفولة بطلي العرض، وهما : رامز عاطف بثقل ظله وشعره الطويل جدا، وعدم فهمه لما يفعل سوي أنه يعتقد أنه بطل هذا العرض، كذلك البنت الصغيرة التي راحت ترتدي العديد من الأزياء وأرسلت شعرها كأنها أنثي، وهي لم تزل طفلة فقتلنا براءة الطفولة من خلالها علي خشبة المسرح، وللأمانة ليست هذه مهمة المخرج بقدر ما هي المسئولية المباشرة لهيئة الإخراج التي من أولي مهامها أن يكون العرض منضبطاً في كل شيء، وأردنا سمير يجب أن يفهمها طاقم الإخراج بأنها طفلة وليست أنثي وليست بطلة وأن خمسة وعشرين ممثلاً ثانويا أو كومبارسا متكلما، وكذلك عدد المطربات الثلاث وفاطمة محمد علي وفدوي مكي وحنان الخولي بطريقة - الليبسنج - علي الأغاني السابق تسجيلها علي الشريط المعد للموسيقي والغناء للعرض وكذلك للمبتهل نور. الديكور لقد استطاع الفنان التشكيلي محمد جابر أن يكون صادقاً وواقعياً وأن يكون جمالياً، فكانت مفردة الديكور في الأشياء الممتعة لهذه الحالة. الملابس ان اسم ياسمين جان كفيل بأن تكون الثقة لأنها واعية بما تقدمه من صدق وجمال وواقعية وتاريخية الملابس التاريخية، أما الملابس العصرية فالكل يرتدي ما يريد. تصميم الاستعراضات لقد حاول هشام المقدم ان يعيد لنا ذات الخطوات التي شاهدناها في عشرات المسرحيات التي تحتوي استعراضات لا دخل لها بالحالة المسرحية. الموسيقي والألحان ان ما قام به الفنان - كريم عرفة هو معادلة جيدة للحالة الغنائية، فقد ساعد علي توصيل الحالة بجمال الجملة اللحنية، وعاونه في توزيع الموسيقي أيمن التركي فكانت الموسيقي هي مفردة شديدة الوعي شديدة الجمال. وأعيب علي الصديق المخرج ياسر صادق في أنه كتب في بامفلت العرض إنه صاحب التصميم للإضاة وإذن ما هو دور المخرج الذي يقوم هو بتصميم الإضاءة للعرض الذي يقوم بإخراجه، وإذا كان ياسر صادق هو صاحب فكرة العرض وهو المصمم للضوء، فمن كان صاحب هذه التجربة الإخراجية سوي ياسر صادق الذي كان واعيا تمام الوعي بالحالة، وكان وطنياً ومحبا لشعبه وأرض هذا الوطن وأثبت أنه من أوفي أبناء مصر العاشقين المولهين في عشقها.