تعاون مصرى روسى لتدريب متخصصين فى الطاقة النووية    ذبح 1643 أضحية بالمجان داخل مجازر كفر الشيخ    بتوزيع الهدايا للأطفال.. محافظ الأقصر يهنئ متحدي السرطان بعيد الأضحى    منظمة الأغذية: مصر تنتج 413 ألف طن لحوم أبقار سنويًا    فسحة ب 5 جنيه.. زحام شديد بحدائق القناطر الخيرية في ثاني أيام عيد الأضحى (صور)    9 سيارات كسح لشفط المياه.. استمرار العمل على إصلاح كسر خط رئيسي بأسيوط    جهاد الحرازين: مصر تضغط بكل الوسائل المتاحة لحقن دماء الشعب الفلسطيني    الحوثيين: 5 غارات أمريكية بريطانية تستهدف مطار الحديدة غرب اليمن    تعادل إيجابي بين الإسماعيلي وإنبي في الشوط الأول    اللغة العربية تفرض «معسكرًا مغلقًا» على طلاب الثانوية خلال العيد    مصدر أمني يكشف حقيقة تغيب سيدتين بالمشاعر المقدسة    ذكرى رحيل إمام الدعاة    محمود الليثي يدخل في نوبة بكاء في بث مباشر    الإفتاء توضح حكم طواف الوداع على مختلف المذاهب    3.4 مليون خدمة لمنتفعي التأمين الصحي الشامل بالإسماعيلية    أطعمة تقضي على رائحة الفم الكريهة سريعًا.. تعرف عليها    أيمن الرقب يكشف السيناريوهات المتوقعة عقب حل مجلس الحرب الإسرائيلي (فيديو)    ستولتنبرج: نصف الإنفاق الدفاعي في الاتحاد الأوروبي يذهب إلى الولايات المتحدة    بترا: الأردن يثمن تنظيم مؤتمر السلام بشأن أوكرانيا ويرفض الانضمام للبيان الختامى    رئيس وزراء الهند يهنئ الرئيس السيسي: عيد الأضحى يذكر بقيم التضحية والرحمة    ثاني أيام عيد الأضحى.. استمرار انقطاع المياه بالفيوم    «حياة كريمة» تتكفل برعاية بائع غزل البنات وأسرته.. ودعمه بمشروع تمكين اقتصادي    شروط القبول في برنامج البكالوريوس نظام الساعات المعتمدة بإدارة الأعمال جامعة الإسكندرية    مرض العصر.. فنانون رحلوا بسبب السرطان آخرهم الموزع الموسيقي عمرو عبدالعزيز    البابا تواضروس يستقبل عددًا من الأساقفة    «حصريات المصري».. تحرك عاجل بشأن الشيبي.. 3 صفقات في الزمالك وحقيقة مشاجرة «ناصر وزيزو»    أسقف السويس يهنئ قيادات المحافظة بعيد الأضحى المبارك    في اول تعليق له على شائعة وفاته .. الفنان حمدي حافظ : أنا بخير    "تضامن الدقهلية" تواصل توزيع اللحوم على الأسر الأولى بالرعاية    تفاصيل جديدة حول الطيار المصري المتوفى خلال رحلة من القاهرة إلى الطائف    حقق حلمه.. إشبيلية يعلن رحيل سيرجيو راموس رسميًا    حماس: إقدام الاحتلال على إحراق مبنى المغادرة بمعبر رفح عمل إجرامى فى إطار حرب الإبادة    وزيرة التضامن تتابع موقف تسليم وحدات سكنية    تعرف أفضل وقت لذبح الأضحية    دعاء يوم القر.. «اللهم اغفر لي ذنبي كله»    تفاصيل إنقاذ طفل اُحتجز بمصعد في عقار بالقاهرة    إطلاق مبادرة «الأب القدوة» في المنوفية.. اعرف الشروط    هيئة نظافة القاهرة ترفع 12 ألف طن مخلفات في أول أيام عيد الأضحى    إيقاف عمرو السيسي لاعب فيوتشر مباراتين وتغريمه 20 ألف جنيه    بعد إعلان رغبته في الرحيل.. نابولي يحسم مصير كفاراتسخيليا    عاجل.. تطورات مفاوضات الأهلي لحسم بديل علي معلول    لبيك اللهم لبيك    حمامات السباحة مقصد الأطفال هرباً من درجات الحرارة في كفر الشيخ    بالصور.. شواطئ بورسعيد كاملة العدد ثاني أيام العيد    مدير صحة شمال سيناء يتابع الخدمات الطبية المجانية المقدمة للمواطنين    ثاني أيام عيد الأضحى 2024.. طريقة عمل كباب الحلة بالصوص    «رجل قسيس».. سميرة عبد العزيز تكشف مفاجأة عن أول أدوارها وسبب تسميتها «فاطمة رشدي الجديدة»    26 عامًا على رحيل إمام الدعاة.. محطات فى حياة الشيخ الشعراوي    التحقيق مع حلاق لاتهامه بالتحرش بطفلة داخل عقار في الوراق    الفرق بين التحلل الأصغر والأكبر.. الأنواع والشروط    «لست محايدًا».. حسام فياض يكشف صعوبات مسرحية النقطة العميا    مصرع طفل صعقا بالكهرباء خلال شرب المياه من كولدير في الفيوم    الخشت يتلقى تقريرًا حول أقسام الطوارئ بمستشفيات قصر العيني خلال العيد    عيار 21 يسحل 3140 جنيها.. أسعار الذهب في محال الصاغة اليوم    مانشستر سيتي يحدد سعر بيع كانسيلو إلى برشلونة في الميركاتو الصيفي    زلزال بقوة 6.3 درجة يضرب جنوب البيرو    في ثاني أيام العيد.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الإثنين 17 يونيو 2024    بيلينجهام: ألعب بلا خوف مع إنجلترا.. وعانينا أمام صربيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هجرة الرسول بين الفيلم والتاريخ
نشر في القاهرة يوم 22 - 11 - 2011

في أغلب الأفلام الدينية التي تم إنتاجها عن البعثة المحمدية، بدت هناك محاولات بانورامية للتعرف علي العلاقات البارزة في هذه الرسالة تاريخيا ودينيا مثل الهجرة والمواقع الحربية والإسراء والمعراج ووفاة الرسول، وفي فيلم «هجرة الرسول» لإبراهيم عمارة عام 1964 كان أول محاولة للوقوف عند واحد من أهم هذه الأحداث التاريخية الدينية، باعتبار أن الأحداث قد بدأت قبل الهجرة ببعض الوقت وانتهي الفيلم عقب وصول ركب النبي - صلي الله عليه وسلم - إلي يثرب، وقد خرجت الجموع تغني «طلع البدر علينا». ولقد استدعي ذلك من المخرج أن يبتدع الفيلم شخصياته التي لا يشترط أن تكون في التاريخ الإسلامي مثل الشخصيات المعروفة التي رأيناها في الأفلام الأخري، وإذا كانت من الشخصيات التي تناولها الفيلم يصعب العثور عليها في كتب التاريخ، فإن هذا لا يمنع أن تكون هناك شخصيات أخري ورد ذكرها في الفيلم معروفة في صفحات التاريخ الإسلامي. ويعتمد الفيلم علي شخصيتين هما من العبيد، حبيبة «ماجدة» وفارس «إيهاب نافع» وباعتبار أن أسماء الأشخاص تعرف دائما بأسماء الأسرة والعائلة، فإننا لا نكاد نعرف عن هذين الشخصيتين سوي الاسم الأول، حتي العبيد الذين رأيناهم في أفلام أخري مثل بلال بن رباح وأبوالأسود الدؤولي فقد عرفناهم بأسمائهم الثنائية. ولعل الفيلم قد اختار أن يكون بطلاه من العبيد كي يتيح له أن يكشف ما عاناه المسلمون الأوائل من أذي، وما تم حدوثه من ظلم بيّن عليهم، فقليلة الأفلام التي كانت أبطالها من السادة مثل «خالد بن الوليد» و«فجر الإسلام» وحتي هؤلاء السادة راحوا يسومون العبيد المسلمين كل أنواع الظلم إلي أن تمت هدايتهم إلي الإسلام. وتدور الأحداث هنا في فترة حرجة من هذا التاريخ فترة البعثة الأولي، وهي التي كان المؤمنون أيا كانت هويتهم يخفون إيمانهم بدين «محمد» - صلي الله عليه وسلم - وخاصة العبيد باعتبار أن العبد علي دين سيده فإن إيمانه بالدين الجديد يعني عصيانه ويفسح المجال للسيد أن يفعل به ما يشاء، ومن هنا تجيء أهمية المجابهة، فالعبد المؤمن يطمع في المساواة والحرية القادمتين مع الإسلام، أما السيد فهو يخشي مكانته الاجتماعية وتجارته الرابحة التي سيفقدها حسبما يري إذا انتشرت التعاليم الجديدة، وبالتالي فهو صراع اقتصادي بالإضافة إلي قوة العقيدة، ولاشك أن السينما المصرية تميل إلي هذا النوع من الصراع، فهو يشتد كلما اتسعت المسافة بين القادرين ماليا والعاجزين، ونحن في هذا الفيلم لم نر قصة حب بين اثنين من طبقتين متباينتين كأنما مكتوب علي السادة أن يتبادلوا الحب فيما بينهم، وكذلك العبيد حيث مكتوب علي «حبيبة» وهي أحد عبيد أبي جهل «أبو الحكم» كما يناديه الآخرون» أن تحب عبدا آخر مثلها، فلا يكون الحب هنا في طريق المستحيل. وعندما يعرف السيد أن هناك خطرا قادما عليه بإسلام كل من «حبيبة» و«فارس»، فإنه يعذب كل منهما ويأمر العبيد الباقين بوضع حجر ضخم علي صدر أحد العبيد الذين أسلموا وهو يردد: «أحد.. أحد» ويطلب منه أن يتراجع كي يخفف عنه العذاب لكن قوة إيمان العبد لا تجعله يتوقف عن ترديد اللفظ الذي يكرره وسرعان ما يكشف أن هناك عبداً آخر كان أكثر ذكاء من هذا العبد لكنه أقل شجاعة، حيث أخفي إسلامه ووكل إليه مهمة تعذيب كل العبيد الذين يعلنون إسلامهم وهو زيد «محمد حمدي». أما «حبيبة» فإنه مع اللحظات الأولي من الفيلم فإنها تدفع عينها ثمنا لإسلامها، ونري «أبوجهل» يضع خنجرا علي عيني «حبيبة» الجميلتين علي طريقة ما حدث ل«ميشيل ستروجوف» في رواية «جول فيرن» حيث إن هذا الخنجر المحمي كالجمر يفقدها فقط البصر ولكنها مفتوحة العينين بلا أي تشويه، وهي تردد بكل ثبات «إذا فقدت بصري فلن تأخذ مني البصيرة» أما هو وبعينيه المليئتين بالشر فإنه يردد «اطلبي محمداً يعيد إليك البصر والبصيرة». وهذا المشهد يدفع ب«فارس» إلي أن يتدخل لإنقاذ حبيبته وعندما يخنقه سيده قبل أن يدفع به إلي التعذيب ينطق الشهادة، ثم يربطه في شجرة وينهال عليه بالكرباج في قسوة. وعلي الجانب الآخر، فوسط ارتفاع أصوات السياط نسمع غناء الراقصات وقرقعة الكئوس وحياة المجون، وهناك علاقة بين «أبي جهل» «عدلي كاسب» وليلي «سميحة توفيق»، ومثل كل هذه الأفلام فإنها تصور النقيضين، عالم الإيمان والفضيلة لدي المسلمين ثم عالم الفجور والقسوة التي يتسم بها الكفرة، وقد اختار الفيلم هنا من الكفار ما هو معروف سلفا بأنه لم يهتد إلي الإسلام كما اختار موضوعا يعرف الناس تفاصيله، وهو أن الهجرة قد نجحت رغم كل العقبات، وبالتالي فإن أي محاولة لوضع مادة للتشويق مصابة لزاما بالفشل. ويصور الفيلم «حبيبة» و«فارس» باعتبارهما من المهاجرين الأوائل إلي يثرب، وليست هناك أي إشارة إلي هجرة الحبشة وفارس حتي يردد فارس «لم يعد لنا من بقاء في مكة فلنرحل سرا ونتزوج» لكن الفتاة تتساءل وهل نترك جوار الرسول؟ («فيعلق» كفانا اننا قلة). ونحن في فيلم يقل فيه الاستناد إلي الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة لتعضيد الدراما، ففي الكثير من الأحيان مثلما في «السيد البدوي» و«خالد بن الوليد» و«فجر الإسلام» فإن استخدام النص الديني من القرآن والسنة يعني في المقام الأول اختصار الوقت والمرور بالأحداث، لكننا هنا أمام حدث مدته الزمنية قصيرة جدا بالإضافة إلي الشخصيات الرئيسية التي تتحرك علي الأحداث. وعلي سبيل المثال فقد ابتدع الفيلم شخصية حارس الأصنام «سلامة» الذي يعرف جذور هذه الآلهة «أعرف قصة إله من هؤلاء فهذه مهنتي، كان إيسوب يتعشي في أرض اليمن فدخل إلي أرض، وتعرف علي امرأة فمارس معها الفجور في المعبد فصارت مسخا وتم نقلها إلي هنا ليتعظ الناس بهما، فلما طالت إقامتها بالكعبة وعبدت الأصنام عبدا معهم ونحن نعبدهما». ومثل هذا الشخص الذي يستفيد من وجود الآلهة، يحاول الدفاع عن ممتلكاته ومكاسبه كما يسعي دائما للإيقاع ب «محمد» صلي الله عليه وسلم لأنه يشكل بالنسبة له تهديد حقيقي، وسوف نراه في نهاية الفيلم يحاول القبض علي محمد - صلي الله عليه وسلم - أو التخلص منه بأي ثمن مقابل مكافأة قدرها مائة ناقة. أما «أبو جهل» فإنه يشعر بالسعادة وهو يتفنن في إيذاء المسلمين ورسولهم ويحدث «أبا لهب» قائلا: إنه يشعر بالسعادة لوفاة «أبي طالب» فهو يمثل سندا لمحمد «المصائب تنزل بصاحبك تباعا، إنه عدوي اللدود، لن يمنعنا أحد منه بعد اليوم، ويردد «أبو لهب» «أشرب يا أبا الحكم، فكل مصائبهم أفراح». وكما نلاحظ فإن الفعل هنا هو عبارة عن كلام في حوار علي الشاشة وإنه من الأفضل التركيز علي قصة اثنين من المسلمين الهامشيين في تاريخ البعثة الأولي، ولأن الفعل هنا يبدو في الحوار فإن الفيلم كعادة السينما المصرية في تصوير الأشرار يصور الكفرة ذوي وجوه معبرة بالغضب لهم ضحكات رنانة منفرة، وهم يرددون عبارات من طراز «اتخيلهم شجرة في خريف عمرها، تتساقط أوراقها واحدة بعد الأخري». ولذا فإن الشخصية الأساسية هنا هي «أبوجهل» وليست «فارس» أو «حبيبة» اللذان يأتيان في المقام التالي، فهو الذي يتصدي للرسول ويحاول إيذاءه ويحرض الآخرين علي الوقوف ضده، فإذا جاءه أحد وأخبره انه نثر عليه التراب يضحك ضحكته المعهودة ويردد: «أزيدوا من إيذائكم لمحمد كما أنه هو الذي يعذب «فارس» وهو الذي يدبر الخطة بعد ذلك للإيقاع به سواء قبل الهجرة أو بعدها». وليس هناك جديد في هذا الفيلم قياسا إلي ما رأيناه في أفلام أخري، فباعتبار أن الفيلم لم يستند إلي القرآن والسنة كثيرا، كما أنه ليس عن شخصية تاريخية معروفة يمكن أن تثري الحوار من خلال ما تردده من جمل مأثورة عنها في التاريخ مثلما حدث في «السيد البدوي» و«خالد بن الوليد» فإن الحوار هنا تقليدي بل يبدو نمطيا فليس هناك جملة حوارية واحدة يمكن أن تستوقف الأسماع، مما أضعف أداء ممثلة جيدة من طراز «ماجدة» وبدا إيهاب نافع بلا أي هوية بالإضافة إلي الحوار «قل لزيد انني بخير حال فاشتراني أبو بكر واعتقني مثلما فعل مع عامر بن فهيرة وبلال بن رباح وآخرين». وعلي طريقة أن الحوار هو البديل للفعل فإن عامر يحدث الفتاة عما أصاب الرسول - صلي الله عليه وسلم - في الطائف، ويحكي لها، وبالطبع لنا، من خلال حوار طويل تفاصيل ما حدث هناك وعلينا أن نسمع كأننا في تمثيلية إذاعية «خرج الرسول إلي الطائف وحده ليقابل سادة ثقيف، إنهم غلاظ القلوب» ثم يستكمل الحكاية عن المعاملة السيئة التي قوبل بها الرسول حتي رجع إلي بستان «أبي ربيعة» ليلتقط أنفاسه، ومثل هذه الحادثة علي يدي كاتب سيناريو متميز غير عبدالمنعم شميس يمكن أن تصبح مادة جذابة، وأيضا في حدود قوانين الرقابة الدينية لكننا منذ البداية أمام فيلم فقير في الإنتاج وفي موهبة العاملين به ويبدو ذلك من الديكور الداخلي للبيوت ولأماكن التعذيب وغيرها. ومن ناحية أخري فقد لجأ الفيلم إلي التلفيق من خارج الأحداث بالإضافة إلي الحوار البديل عن الفعل واتجه «محمد» إلي ربه ويقول «اللهم أني اشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي.. إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، أعوذ بوجهك من أن تنزل بي غضبك أو يحل علي سخطك، لا حول ولا قوة إلا بك» ثم نعرف من خلال المعلق أن هذا هو دعاء النبي وهو تحت الشجرة في بستان أبي ربيعة. وليس هناك خط يمشي عليه الفيلم دراميا، فما أن ينتهي موضوع الطائف حتي نري أبا جهل يردد: «يا قوم كفاكم حديثا عن محمد» ثم تنتقل الكاميرا لتصور مواجهة بين المسلمين القادمين للحج وبين الكفار، ثم نري تجار الآلهة يبيعون الأصنام الصغيرة وهم يهتفون «لدينا ما شئتم من الألهة المقدسة» ونري «فارس» وقد تخفف بلا سبب من عذاب سيده فيقابل بعض المسلمين عند مغادرتهم مكة فيسألهم عما حل بالنبي صلي الله عليه وسلم ويعرف أنهم من يثرب، ويردد «فارس» «وهو اسم العبد كما نعرف من الحوار» «لقد أسلمت مع محمد لقد كرمني الله وأسلمني، بل الحمد لله الذي أعزني به». ومن نماذج الحوار الذي يجيء علي لسان الفتاة «حبيبة» وهي تعرف أن «فارس» قد رأي الرسول «ما أسعدني، وما أعظم الإيمان الذي يغمر قلبي، الآن وجدت طريقي ، ثم الحمد لله لقد اطمأن قلبي، هنيئا لك يا «فارس» وبإسلامك الحق وقد يبدو هذا الحوار مناسبا لاثنين من العبيد لكن جميع الجمل الحوارية التي ينطقها الآخرون من نفس النوع ، ونحن نقصد هنا بروعة الحوار مقارنة بما سمعنا يتردد في أفلام أخري المفروض أنها حول نفس الأحداث، ومن هذه الأمثلة أيضا ما تردده حبيبة» الإيمان يا فارس هو النعمة الكبري فلا يذكر شيء بدونه». - كنت أتمني أن تكون معي. - اذهب في رعاية الله لا تذكر كلمة الوداع. - إلي لقاء كريم يا حبيبة إلي لقاء كريم يا فارس. وما أن ينتهي هذا الحوار، حتي يطلع شخص ينادي علي رفاقه، يا قوم هيا شدوا الرحال إلي يثرب ولنعمل علي نشر الإسلام إلي من نطمئن إليهم، فهنا قريش تضيق الخناق علي الرسول وصحبه. ومثل كل الأفلام الدينية فإن التعليق يلعب دورا واضحا في اختصار الزمن وتجميع الأحداث حيث نعرف أنه في العام الأول فإن أنصار مكة القادمين من يثرب والذي أسلم فارس علي يد أحدهم كانوا خمسة أشخاص، ثم عادوا إلي مكة في العام التالي، وقد صاروا ثلاثة وسبعين رجلا وامرأتين مما يعني انتشار الإسلام في يثرب وفجأة تتوقف عملية القص من الرواية كي يقف أحدهم يخطب في زملائه «يا معشر الأوس والخزرج، أما أنتم فادخلوا مكة علي بركة الله اكتموا أمركم وإسلامكم ولسوف انبئكم بالموعد الذي اتفقنا عليه مع محمد». وعندما يجتمع الأنصار لمقابلة الرسول « صلي الله عليه وسلم » يأتي عمه العباس بن عبدالمطلب ليعلن أن الرسول رأي أن يطمئن إلي عهدهم معه حتي لا يخذلونه، وبعد قليل تتم إعلان الشهادة الجماعية أمام الرسول. وكما أشرنا فإن الفيلم أشبه بمحطات يقف عندها، فما أن تنتهي البيعة حتي نعرف موضوع الهجرة إلي الحبشة علي لسان اليهودي الذي أصابه الانزعاج بشدة من ازدياد أعداد المسلمين القادمين من يثرب، ولا يكشف الفيلم مباشرة عن كنية اليهودي أسوة بأغلب الأفلام، ولا نعرف اسمه ولكنه وابنته أو شريكته سارة يساومان الآخرين، ويستغلان حاجتهما للسلاح، فيساومان الرجل في ثمن السيف وتقوم المرأة بإغواء أبي جهل، فاليهودي يحذر أن الخطر كل الخطر يتمثل في انتقال كل أتباع «محمد» صلي الله عليه وسلم من مكة إلي يثرب فيصيرون قوة،
وعندئذ تصبح يثرب نقطة انطلاق للإسلام. ويعطي الفيلم أدواراً متتابعة لكل شخصية من تلك الشخصيات التي يبتدعها، وبعد أن ألقي الضوء علي فارس وزيد، فإنه يفسح مساحة لبعض الوقت لليهود، ثم نراه يقدم في مساحة أخري من الفيلم شخصية «سراقة بن مالك»، وفي كل الأحوال فإن شخصية أبي جهل تختفي قليلا لتعاود الظهور باعتبارها محور المجابهة ضد الرسول، ولذا فما أن قررت حبيبة أن تهاجر إلي يثرب حتي اختفت تقريبا عن الأحداث باعتبارها وزياد وفارس ليسوا من صناع الموقف، ولكنهم بمثابة سائرين في الموكب، أما صناع التأثير فهم في المقام الأول الذين يعارضون محمد« صلي الله عليه وسلم » ويحاولون عرقلة مسيرته بأي ثمن. ولأننا أمام فيلم عن هجرة الرسول صلي الله عليه وسلم فإن الفيلم يبرز دور شيخ نجد في الافتاء بالقتل الجماعي للرسول، وهي نفس الحادثة التي سبق ل«حسين صدقي» أن قدمها في فيلم «خالد بن الوليد»، ويفرد الفيلم زمنا دراميا عريضا لهذه الحادثة حيث يأتي إلي اجتماع السادة، ويردد علي طريقة الحوار الطويل والذي نذكره هنا ببعض الإيجاز: أنه يهمكم ويهمني لذا أردت أن أشارككم الرأي، فإذا حبستموه ستخرج دعوته من وراء الباب إلي أصحابه فيزيدون عددا وإذا جعلتموه يخرج من مكة، فأنتم تعلمون حسن حديثه وحلاوة منطقة وغلبته علي قلوب الناس بما يأتي به من سحر وسوف ينزل إلي حي من العرب فيغلبهم بسحره». ويقول شيخ نجد أيضا:«يا معشر قريش، هناك رأي خطر علي بالي، أن نأخذ من كل قبيلة فتي ثم نعطي كل منهم سيفا فيعمدون إلي محمد يضربونه ضربة واحدة فيقتلونه ونستريح منه، ويفرق دمه بين القبائل فلا يقدر بنو عبدمناف علي الانتقام ويرضون بفديته. ولعل من المرات القليلة التي استندت فيها أحداث الفيلم إلي آية قرآنية هي في تصوير «الرسول» صلي الله عليه وسلم يخرج من منزله بصحبة أبي بكر، وقد انعكست هذه الصورة علي وجوه المنتظرين بسيوفهم المسنونة، ثم تتم تلاوة الآيات التسع الأولي من سورة «يس» وعندما يتوقف الراوية عند «فأغشيناهم فهم لا يبصرون» فإنه يكررها ثلاث مرات، وقد بدت عيون المنتظرين لامعة حتي يأتي أبو جهل ويسأل: ماذا تنتظرون هنا ويدور الحوار الشهير بأن النبي قد خرج أمام أعينهم دون أن يرونه. وباعتبار أننا أمام حلقات متلاحقة، فما إن خرج «الرسول» صلي الله عليه وسلم من بيته حتي جاء دور المرأة من دار «أبي بكر» تسمي «صفير»، التي تبلغ «عامر» أن «رسول الله» صلي الله عليه وسلم في دارهم، وأنه سيخرج إلي الطريق ومعه «أبي بكر»، وتردد هذه الفتاة سمعت أنهما سيلجآن إلي غار، ثم يأتي دور «أسماء بنت أبي بكر» التي تعرف ما ستفعله دون أن نراها وكانت «صفية» هي البديل عنها أو هي التي تؤدي شخصيتها مثلما ظهرت شخصية «الفضل» في فيلم «بلال بن رباح» بديلا عن «أبي بكر». وأمام الإيقاع البطيء للفيلم كان يمكن أن يتحول علي يد مخرج آخر إلي أجواء حركة لمتابعة «الرسول» صلي الله عليه وسلم في الصحراء، ولكن بطء الإيقاع ومعرفة الحدث سلفا قد ساعدا في إضفاء أجواء التوتر التي يمكن لمخرج آخر أن يضعهما في فيلمه، وما حدث بداية من خروج «الرسول» صلي الله عليه وسلم من داره وقد ترك «علي بن أبي طالب» فوق سريره مهما كانت القوانين الرقابية يمكن أن تصنع مشاهد مليئة بالإثارة والمطاردات عبر الصحراء، وفي الغار وحتي وصل «النبي» صلي الله عليه وسلم إلي يثرب، ولعل السيناريو أحس أنه يمكن أن تتولد أجواء حركة فبرزت شخصية «سراقة بن مالك» الذي طمع في المكافأة، وراح يطارد «محمد» صلي الله عليه وسلم وصاحبه في الصحراء للإبلاغ عنه. ولذا توقفت أحداث الفيلم قليلا، كي نعيش في عالم سراقة الذي راح يتحدث إلي هبل ويحاول أن يجعله يتكلم:(قل تكلم أخبر عبدك المخلص سراقة بن مالك عن مكان محمد.. ألا تتكلم أنت أيضا، وعندما لا ترد الآلهة فإنه يروح يتمسح بكل إله وهو يردد: «أريد محمد، أريد المائة ناقة»)، ولكن كلها بكماء فيردد ساخرا «أنا أعرف قصة كل واحد من هؤلاء». ويحاول الرجل مطاردة «محمد» صلي الله عليه وسلم فهو غير مقتنع بما اقتنع به «أبو جهل» بأنه من المستحيل أن يكون «محمد» صلي الله عليه وسلم وصاحبه قد دخلا الغار، وعليه خيوط العنبكوت، وقد رقدت أمامه الحمامتان فوق البيض، يسرع إلي هناك تراقبه عينا «عامر بن فهير» «منير التوني» وسرعان ما يخرج من الغار وهو يصرخ وكأن ثعباناً قد لدغه، ورغم كل هذه المواقف فإن «سراقة» لا يؤمن ولا يقتنع بما حوله من دلائل، فهو يسعي إلي المائة ناقة بأي ثمن، ولذا فإنه يستميل رجلا يدعي أنه شاهد موكب «الرسول» صلي الله عليه وسلم ، ويبلغ «أبو جهل» بالأمر فينطلق الرجال في أثرهم ويسقطون الراكبين فإذا بهما من رجال المشركين، وعندما يكاد «سراقة» يقترب من «الرسول» صلي الله عليه وسلم وصاحبه فإن الحصان يتوقف في مكانه ولا يتحرك قيد أنملةف فيصرخ به سراقة «كأنك اتفقت مع محمد». وفجأة تتوقف المطاردات وباعتبارنا أمام فيلم عن حدث بعينه وهو الهجرة، فإن ناقة الرسول صلي الله عليه وسلم تقترب من يثرب ويخرج المهاجرون والأنصار لاستقبال «الرسول» صلي الله عليه وسلم وينشدون أغنيتهم الشهيرة، ووسط الجموع نعاود رؤية حبيبة ومعها فارس التي تبدو الفرحة وقد علتهما ثم تزداد بهجتها عندما تعلن أن بصرها قد عاد إليها ثانية. إذن فنحن أمام فيلم عن واحد من الأحداث المهمة في تاريخ المحمدية، وكماسبقت الإشارة فإن أفلاما كثيرة لم تغفل هذا الحدث الذي ظهر بدرجات مختلفة، وقد تولت «ماجدة» إنتاج الفيلم بالإضافة إلي قيامها بالبطولة وهي الممثلة التي ظهرت من بين جميع الممثلات في أكبر عدد من الأفلام الدينية مثل «انتصار الإسلام» و«بلال مؤذن الرسول»، ثم أنتجت عام 1970 فيلما روائيا آخر عن «عظماء الإسلام» أخرجه نيازي مصطفي وهو يدور عن كل من الخلفاء الراشدين الأربعة، وقد قام بإخراج الفيلم «الملون» إبراهيم عمارة الذي اشترك أيضا في تمثيل أفلام دينية عديدة، وقام بأداء شخصية رجل الدين أو حافظ القرآن كثيرا في السينما، ومن الواضح أن هناك مسافة بين شهرة المخرج وبين كفاءته، خاصة في هذا النوع من الأفلام فالغريب أن المخرجين الذين يقدمون هذه الأفلام لا يتميزون فيها قياسا إلي تميزهم في بقية الأعمال، ويمكن أن نلاحظ ذلك في فيلم «فجر الإسلام» لصلاح أبو سيف. ومن الواضح أن الممنوعات التي يجد المخرج نفسه أمامها تلعب دورا في ظهور العمل السينمائي بهذه الدرجة من البدائية، ولكن في هجرة الرسول كان يمكن لكاتب السيناريو والمخرج أن يبتعدا تماما عن الكثير من المعوقات باعتبار أن الكثير من الشخصيات من وحي الخيال، حتي وإن كانت الأحداث حقيقية كما أن الآيات القرآنية والأحاديث التي تم الاستناد إليها قليلة، وقد بدا مدي اللجوء إلي حشر أحداث من أجل تطويل الفيلم دراميا، ولكن هذه الأحداث ساهمت في زيادة بطء الإيقاع، ولذا ازدادت حدة اللجوء إلي الحوار المطول بالإضافة إلي طول المشاهد. وفي رأيي أن اختيار الشخصيتين كان السبب الرئيسي لإصابة الفيلم بهذا الإيقاع الغريب، فهما تفتقدان الحيوية، ولذا فكلما غابا عن الأحداث ما شعرنا بوجودهما، وإذ حضرا أحسسنا كمشاهدين بعدم جدواهما، وليست هناك أي عواقب درامية حقيقية تفصل فيما بينهما مما يزيد من درجة التشويق المطلوبة في هذه الأفلام، كما أن الشخصيات التي أحاطت بهما نمطية، مثل زيد العبد المؤمن الذي يعذب زملاءه بالسوط بضربات مخففة، وقد سبق أن رأينا نموذجا مشابها في فاطمة «مديحة يسري» في فيلم «خالد بن الوليد»، كما بدا «عامر بن فهيرة» في الفيلم شخصا ساذجا بتصرفاته، كل ما يفعله أن يرقب من خلف صخرة، وكأن هذا هو دوره الرقاد فوق الرمال لترقب الرسول في رحلته. وقد تخفف ظهور الأغنية أو الرقص الشرقي في هذا الفيلم، عن جميع الأفلام الأخري من هذا النوع، فبالإضافة إلي أغنية استقبال الرسول، وهو يدخل المدينة والتي سمعناها بألحان متباينة في أفلام أخري، فإن هناك لحنا دينيا واحدا يتردد في الفيلم تنشده الجماعة بشكل مختصر، أي أننا لسنا أمام أغنية كاملة، ومن هذه الألحان «نحن غرباء عنك» حين يأتي الأنصار للطواف حول الكعبة، أما الرقص فهو غير موجود بشكله المألوف وإن كان دور «سارة» قد كشف عن امرأة فاتنة تحاول إغواء أبي جهل سواء حين يأتي إليها في وكرها أو حين تحثه علي دفع مبلغ أعلي مقابل شراء السيف الذي سيقتل به الرسول، فيرفع من 5 دينارات إلي عشرين، ثم إلي ثلاثين، وتلعب سارة بإغوائها دورا في استمالة أبي جهل فيدفع ما شاء لليهودي . في هذا الفيلم هناك نقطة تسترعي الانتباه، فالأشرار من الكفار لم يؤمنوا قط، وكل من رأيناهم من المسلمين الطيبين الذين آمنوا سلفا، فلم يسلم أبو جهل ولا أبو لهب ولا سراقة بن مالك .

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.