ليلي.. حسن.. نعيمة.. مني.. آمال.. نورا.. هل هي مجرد أسماء؟ هل هي شخصيات حية تعيش بيننا؟ هناك مئات من الليلي وعشرات من الحسن وآلاف من المحمد لكن تري هل كل الحسن مثل حسن المغنواتي بطل قصة (حسن ونعيمة)؟ هل كل الليلي مثل ليلي حبيبة قيس؟ هل كل النورا مثل نورا بطلة بيت الدمية للمبدع النرويجي هنريك إبسن؟ شخصيات الروايات والقصص شخصيات مختلفة، تري كيف يتخير الكتاب أسماء أبطالهم؟ ما هي أحب الأسماء لهم؟ ما هي أشهر أسماء الأبطال التي علقت في الذهن العربي؟ هذا ما سنعرفه عبر رحلة بين أبطال وبطلات ومبدعي الروايات والقصص العربية. يقول الروائي محمد جبريل غالبا ألجأ إلي صفحة الوفيات أو دليل التليفون، وأحيانا أخري ألجأ لزوجتي لأسألها عن اسم شعبي أو من الريف أو أرستقراطي ..، أو ربما ألجأ للذاكرة لاستحضار اسم من أيام الصبا، وأحيانا أخري أحاول إيجاد اسم دال علي الشخصية، ومن أحب الأسماء إلي قلبي اسم (عائشة) وهو اسم بطلة روايتي (قلعة الجبل) لأنها شخصية تلخصت فيها شخصية الفتاة المصرية المناضلة التي تأبي الذل، ويضيف جبريل إنه لا يحب تلك المبالغة غير المقبولة التي يمارسها البعض في الوطن العربي في اختيارهم لأسماء أبطالهم فلا يعني أن يكون البطل من منطقة شعبية أن أطلق عليه اسماً بلا معني مثل بطيخة وخيشة وهذه الأسماء التي ليس لها أي مدلول أو معني، فالأحياء الشعبية والمناطق الريفية سواء في مصر أو في أي من أرجاء الوطن العربي أصبحت تسمي أبناءها أسماء رقيقة جدا فلا داعي للتعبير عن الشعبية باختيار أسماء صعبة، هناك حرفيات فنية داخل العمل تعبر عن تلك الشعبية بعيدا عن تعقيد الأسماء، فمن وجهة نظري ليس للاسم دلالة!! فما يسمي ب(هتاف الصامتين) وتلك الكلمات والهتافات التي تلصق أو تكتب علي السيارات ليس لها أي دلالة، وقد قام الأستاذ الفاضل/ سيد عويس بعمل كتاب أسماه (هتاف الصامتين) واختلفت معه فيه مع كل تقديري له، لكن هذا اجتهاد زائد عن الحد، فقد كان هناك خطاط يدعي "قليوبي" يكتب علي السيارات بعض الجمل والهتافات للتزيين وليس للهتاف كما تصور الأستاذ/ عويس، وللأمانة أقول إن الوحيد الذي جعل من اختياره للشخصية دلالة في حد ذاتها هو أستاذنا نجيب محفوظ في شخصية "الست أمينة" في الثلاثية فقد ظلت هذه السيدة أمينة علي هذا المنزل إلي أن توفاها الله، كذلك شخصية "الشيخ رضوان الحسيني" في رواية زقاق المدق، وشخصية "كامل رؤبة لاظ" في رواية محفوظ أيضا السراب.. وكلها أسماء أشارت إلي دلالة ما نجح فيها محفوظ وحده. بينما يقول الروائي يوسف القعيد ..أنا أتعب جدا في البحث عن أسماء أبطالي حتي يكون الاسم معبراً ودالاً ويشرح كثيرا مما أريد شرحه عن الشخصية، وأحيانا أقوم بعمل شرح مبسط عن سبب اختياري لهذا الاسم دون غيره، وما أدهشني حقا أنني قرأت كتاباً قام زوج الكاتبة البوليسية الراحلة أجاثا كريستي ورد فيه أن أجاثا كانت تلجأ لدليل التليفونات لتستقي منه أسماء أبطالها، وكانت هذه بمثابة فاجعة لي ولكنني فسرت هذا الكم الهائل من الروايات التي أنتجتها أجاثا فقد كانت تصدر عشر روايات سنويا وهو رقم قياسي، وعن أقرب الأسماء إلي قلبه يقول القعيد.. أجمل الأسماء من وجهة نظري هو اسم أنا أحبه شخصيا وهو "سلسبيلة عليالله" وهو اسم بطلة روايتي البيات الشتوي فهي شخصية أحبها الناس وكذلك أنا، وفي إحدي المرات وتحديدا في ميدان رمسيس في قلب القاهرة التقيت أحد الأشخاص مصادفة وأبلغني بأنه أطلق اسم (نوريسته) علي مولودته وهو اسم بطلة روايتي "يحدث في مصر الآن" وقد سعدت جدا بذلك، ويضيف أن هناك أسماء لأبطال في روايات اشتهرت وعلقت بأذهان الناس ربما أكثر من مبدعيها وقد نجح الأستاذ نجيب محفوظ بحفر أسماء أبطاله في أذهان الجمهور العربي وربما الغربي أيضا، فشخصيتي (السيد أحمد عبد الجواد.. سي السيد) و(الست أمينة) هما أول أبطال في تاريخ الأدب العربي يشتهران أكثر من مبدعهما. أما الأديبة ميرال الطحاوي فتقول.. إنني عند اختياري لأسماء بطلاتي أضع لهن أسماء افتراضية وأتصور أنها مناسبة للشخصية، فالعمل ذاته يقوم برسمها، ويكون ذلك غالباً بشكل لاشعوري، نابعا من الذاكرة فيكون مناسبا للفترة الزمنية التي تدور بها أحداث الرواية، معظم شخصياتي من البدو، والبدو بشكل خاص لهم أسماءهم المميزة، فقط روايتي الباذنجانة الزرقاء وبطلتاها صفاء وندا وتخيرت هذه الأسماء لتكون معبرة عن جو الجامعة فهي أسماء نصادفها بطبيعة الحال في حياتنا الجامعية، ولكني أعود لأقول إن اختياراتي في الغالب تكون بشكل لاشعوري حتي إنني لا أعرف لماذا أسميها بهذه الأسماء، وغالبا يكون للاسم دلالة ما في ذهني، ولكن أيضا لابد وأن تتوافر فيه ملاءمته للجو العام للرواية وليس الشخصية والبيئة التي تنتمي لها، فلكل إنسان نصيبه من اسمه، أنا شخصيا واجهت كثيرا من المواقف الصعبة في طفولتي عندما كان يوجه لي سؤال عن معني اسمي ولم أكن أجد الرد، إلي أن تخيرت لنفسي فلسفتي الخاصة بأن ميرال تعني ميرال، وفي اعتقادي أن هناك جزءاً قدرياً من الرواية وهذا يحدث بشكل شبه تلقائي، رغم كل الأمور المدرسية، وأن تتوافق الشخصية مع اسمها ووضعها الاجتماعي، ومن أشهر اسماء الشخصيات التي عرفت عربيا شخصية (سي السيد) التي برع فيها نجيب محفوظ، في أوروبا وجدنا هذا النموذج كثيرا فمثلا شخصية (دون كيشوت) أشهر من مؤلفها الذي قد لا يعرفه البعض وهو الأسباني (ثرفانتس) !! ومن جهته يقول القاص إدوار الخراط: في الغالب أختار اسم (ميخائيل) لأبطال أعمالي، فمنذ ولادتي نذرني أبي وأمي للملاك ميخائيل رئيس الملائكة، وتم تعميدي في دير الملاك ميخائيل، وبالتالي أعتبر هذا الاسم به شيء من البركة، وغالبا يتخير الأدباء أسماء شخصياتهم كأسماء مخترعة يدخل في اختيارها نغمتها الموسيقية، أو إيحاؤها وغالبا نستقيها من الأسطورة والموروث. ويقول في هذا الصدد الروائي محمد البساطي أنا أتخير أسماء أبطالي بناء علي رنين الاسم ومدي ملاءمته لطبيعة الشخصية والطبقة التي تنتمي إليها فلا أتخير اسم " فخر الدين" مثلا لفلاح و "مسعد" لرجل أعمال فسوف أفقد مذاق الاسم، فعندما أشرع في كتابة أحد أعمالي قد يكون في ذهني اسم وقد أضع علامة استفهام مكان الاسم حتي ألتقط اسماً يتماشي مع الشخصية وأبعادها النفسية، ويضيف البساطي إنه لديه بعض الأسماء يتمني تكرارها مثل (بدرية، زاهية، فردوس) أشعر أن ثمة ضوء ما في الاسم، وربما يكمن الضوء في الشخصية نفسها في موقعها داخل الرواية، وعن أكثر الأسماء شهرة في الأدب العربي يقول.. إنها (نفيسة) بطلة نجيب محفوظ في بداية ونهاية فهي من أجمل الشخصيات التي رسمها محفوظ. أما أديب المهجر السوري الجنسية المقيم بهيوستن بالولايات المتحدةالأمريكية ... حسين سليمان فيقول هذا سؤال جوابه معقد أنا أبحث عن الاسم كما تبحث الأم عن اسم جديد لطفلها، ربما بعرض عدد من الأسماء واختيار المناسب منها أو ربما كان الاسم حاضرا مع الشخصية ولا مفر من اختياره لها، وغالبا تكون هذه الأسماء ذا دلالات معينة مع طبيعة الشخصية والبيئة المحيطة بها، وعادة الأديب المهجري عندما يكتب عن الوطن فهو يلجأ لذاكرته ومخزونه الوطني من الأسماء التي تمثل له شخصيات بعينها وطبائع معينة من البشر. بينما يري الكاتب منتصر ثابت أن اختيار الأسماء ليس بالأمر الهين وخاصة لما لفن الرواية والقصة من تأثير علي القارئ وعادة عندما يشرع كاتب في كتابة عمل جديد يكون هناك فكرة قد اختمرت في ذهنه ويرسم ملامح شخوصه وهذه الملامح عادة ترم ملامح أخري هي ملامح الاسم، ففي العادة نحن نري بعض الأشخاص ونقول له إن اسمه لا يليق عليه وأن هناك اسماً آخر مناسباً أكثر وبطبيعة الحال هذا الحس أعلي لدي الأديب، مما يجعل اختيار الاسم يعتمد علي عدة عوامل منها النفسية ومنها الفكرية ومنها أيضا التخيلية، فالتخيل يلعب دورا كبيرا في فن القص، وقد يتأثر الاختيار بأحداث محيطة فمثلا في روايتي (كلينتون بين ديانا.. والفياجرا) وقد أخذت الأسماء من خلال قضية التحرش الجنسي بين مونيكا وكلينتون ومزجت بينه وبين حادث مصرع الأميرة الراحلة ديانا وكان الأبطال هم ديانا وكلينتون والشاب العربي المنكسر نبيل وكانت كلها ذا دلالات وإسقاطات معينة، وعادة يفتقد الكاتب العربي لشيء مهم جدا وهو صنع الشخصية التي تعيش، وهذا ما نجح فيه الإغريق في إبداعاتهم مثل شخصية أوديب وإلكترا وغيرهما، والحقيقة أن نجيب محفوظ استطاع بجدارة أن ينحت في أذهان العالم أسماء شخصياته الست أمينة، السيد أحمد عبدالجواد، سعيد مهران وغيرهم.