الرئيس الإسرائيلي الأسبق: السادات كان كالمسيح.. و«كاميليا»: والدي كان يتمني الموت لأنه أكمل مهمته الإلهية اختلف تناول الإعلام الإسرائيلي لذكري حرب أكتوبر 1973 هذا العام عما كان متبعا في السنوات السابقة، فقد كان لافتا هذه المرة حرص الإسرائيليين علي إبراز بطولاتهم وتضحياتهم في تلك الحرب، دون التركيز علي الهزيمة والأخطاء التي أدت إليها. كما بدا واضحا تكرار الحديث عبر أكثر من مسئول إسرائيلي عن استحالة تكرار المفاجأة التي حققتها مصر في حرب أكتوبر، وأن الجيش الاسرائيلي استوعب الدرس، وتدارك اخطاءه السابقة، ولن يسمح بتكرارها. بل وجاء الحديث أيضا عن استعداد الجيش الإسرائيلي للحرب في أي وقت، حتي انه تم تنفيذ مناورة عسكرية كبيرة عشية عيد الغفران، الذي يواكب ذكري حرب أكتوبر، وخرجت الصحف لتنقل عن القادة العسكريين قولهم: نستعد للحرب كأنها ستقع غدا!. وكتب رئيس الأركان الإسرائيلي السابق، دان حالوتس، مقالا في صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، تحت عنوان "الحرب.. ذكري ودروس"، قال فيه إن إسرائيل استوعبت الدرس من حرب أكتوبر 73 وسارعت إلي بناء جيش جديد، وأشاد باتفاقية السلام مع مصر، قائلا: "يكفيها أنها منعتنا من خوض عدة حروب". وكتب حالوتس إن حرب أكتوبر عام 1973 كانت حربا صعبة، ولم يخطر ببال أحد أبدا أن تقع بهذا الشكل الذي وقعت به، وأضاف: "كنا أسري حقيقتنا التي صدقناها، أننا أقوياء، وان أعداءنا لن يشككوا في ذلك، ولم تكن كلمة "مفاجأة" واردة في قاموسنا". وأشار إلي مشاركته في أكثر من 40 طلعة جوية في تلك الحرب، وكيفية انفعاله وزملائه حين سمعوا أكثر من 15 مرة عن إصابة طائرة تابعة لهم، وأن طاقمها بات في عداد المفقودين، ووقوع 14 طيارا إسرائيليا في الأسر بمصر وسوريا. وقال: "بعد انتهاء الحرب كان بعضنا سليما من الناحية البدنية، لكنهم كانوا مصابين من الناحية العقلية، فلم يكن هناك من يصدق ما حدث". وأكد أن الحرب أدت إلي توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، مشيرا إلي أن من يتساءل الآن عن مصير الاتفاقية في ظل الواقع الحالي بالشرق الأوسط، لكنه قال: "يكفينا أنها جنبتنا خوض عدة مواجهات عسكرية طوال عشرات السنوات الماضية". وطالب الرئيس السابق لأركان الجيش الإسرائيلي بإجراء نقاش عام في إسرائيل للتساؤل عن المستقبل: "هل نحن مستعدون لتجنب ثمن المواجهات المستقبلية بواسطة "ضربة سياسية استباقية"؟ هل استوعبنا الدرس بأن العمليات العسكرية ليست الحل، وإنما تمثل أدوات للحل؟". وأضاف: "لا بد أحيانا من استخدام القوة مع الخصم لوضع حدود الملعب وقواعد اللعب وتحقيق الردع، ولكن بشكل عام علينا أن ننظر إلي البديل العسكري باعتباره أحد الخيارات، دون أن نصل إلي واقع يجعله الخيار الوحيد". وأكد حالوتس أن الدولة العبرية أنشأت جيشا جديدا، أكبر وأعظم، بعد استيعابها الدرس من حرب أكتوبر. مهمة مقدسة أما إذاعة الجيش الإسرائيلي فاختارت إحياء ذكري حرب أكتوبر من خلال الاحتفاء بالرئيس الراحل محمد أنور السادات، وأجرت حديثا مطولا مع ابنته، كاميليا السادات، بمناسبة الذكري الثلاثين لاستشهاده، بثته علي مدار ساعة كاملة الأسبوع الماضي. وحرصت إذاعة الجيش الإسرائيلي علي تقديم "كاميليا" بوصفها "ابنة الزعيم الذي كان أول من يوقع اتفاقية سلام مع إسرائيل، وتم اغتياله أثناء عرض عسكري بمناسبة ذكري حرب أكتوبر"، مع الإشارة إلي أنها ابنة السادات من زوجته الأولي، إقبال ماضي، التي طلقها من أجل الزواج ب"جيهان". وتحدثت كاميليا السادات عن شخصية والدها، والأمل الذي غرسه في منطقة الشرق الأوسط مع توقيع اتفاق السلام، واستعادت تفاصيل يوم اغتياله التي قالت إنها تذكرها وكأنها حدثت أول أمس، وليس منذ ثلاثين عاما. وقالت في برنامج "مهمة مقدسة"، الذي يقدمه الصحفي جاكي حوجي، وأجري الحديث بمنزلها في القاهرة، إن الرئيس السادات قال لها قبل وفاته بثلاثة أشهر: "انتي عارفة يا كاميليا، أنا نفسي أموت دلوقتي، هابقي مبسوط أوي، لأني حاربت وقدرت استعيد الكرامة، والمهمة اللي أرسلني ربنا عشانها تمت والحمد لله، لان كل إنسان بيتولد في الدنيا دي، بيكون له مهمة، وأنا أديت مهمتي". وأضافت: "في الليلة التي سبقت العرض العسكري، جاء إليه وزير الداخلية وطالبه بارتداء القميص الواقي من الرصاص، لكن السادات قال له: "أنا لا يمكن أخاف وأنا في وسط الجيش.. بين أولادي". ووصفت كاميليا والدها بأنه كان رجلا مؤمنا جدا، ورغم إيمانه الشديد، لم يكن متطرفا، فكان يصلي الصلوات الخمس يوميا، وكان يؤمن بأن الله أرسله لإحلال السلام. وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي إن كثيرين يعتقدون أن السادات لو بقي علي قيد الحياة، لكان للسلام شأن آخر اليوم، وإنه لم يمت بسبب توقيعه اتفاق السلام مع إسرائيل، وإنما مات بسبب الصراع مع الجماعات الإسلامية المتطرفة، التي اعتبرته كافرا آنذاك، وأصبحوا يشتاقون إليه اليوم. وقال الرئيس الإسرائيلي الأسبق، إسحاق نافون، في البرنامج نفسه، إن الرئيس الراحل محمد أنور السادات كان يعتبر نفسه كالسيد المسيح، وكان مكلفا بمهمة إلهية، وهي تحقيق السلام. وقال نافون: "قال لي السادات انه ولد فجرا في 24 ديسمبر، وهو موعد ميلاد السيد المسيح، وهذا كلام إنسان يؤمن في قرارة نفسه بأنه جاء للقيام بمهمة ما. وسألته ذات مرة: متي شعرت أنك تريد تحقيق السلام؟، فأجاب السادات: عندما كنت في السجن، شعرت بأن مهمة عليا ألقيت علي عاتقي". واضاف نافون، الذي كان عضوا بالكنيست أثناء زيارة السادات للقدس: كنا متأثرين جدا حتي قبل أن ينزل السادات من طائرته، وعندما وصلت الطائرة.. كانت لحظة مؤثرة للغاية، خاصة عندما نزل وبدأ يلوح بيديه للمسئولين الذين كانوا بانتظاره، فرأينا وجهه وابتسامته.. كنت متأثرا للغاية، كما لو كنا نحلم". ويؤكد الرئيس الإسرائيلي الأسبق أن السادات كان قاسيا جدا في المفاوضات مع إسرائيل، وانه تحدث ذات مرة معه قائلا إن المصريين شعب طيب، فعلق السادات قائلا: "هذا صحيح، ولكنهم اذا غضبوا ذبحوك". وكشف نافون أن السادات أخبره بأنه يتناقش مع الإخوان المسلمين، واستدعي مرشدهم آنذاك، عمر التلمساني، وقال له: أنت مسلم؟ وأنا مسلم، وتفتكر لو ربنا مش عاوز، كنت انا قعدت علي الكرسي ده؟ اقسم لك أني هاحبسك وآجي عشان أزورك". وقالت كاميليا السادات: عندما سافر والدي إلي القدس، ذهبنا جميعا إلي منزل والدتي (اقبال ماضي)، كما كنا نفعل في وقت الحرب، كنا خائفين من أن يتم قتله. وروي لنا لاحقا أنه ابتسم حين التقي برئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اريل شارون، وضغط علي يديه وقال له: "انت مجرم حرب، ولو كنت قابلتك في أي مكان تاني غير هنا، كنت كتفتك وقبضت عليك". ووصف جاكي حوجي، مقدم البرنامج ومحلل شئون الشرق الأوسط بإذاعة الجيش الإسرائيلي، اغتيال السادات بأنه الحادث الذي زلزل الشرق الأوسط، وأكثر الأحداث درامية في القرن العشرين، وانه كان وقتا عصيبا علي إسرائيل، وانتقد قاتلي السادات قائلا إن أعماله لم تشفع له لديهم، فنسوا انه ازال عار الهزيمة في حرب يونية 1967، وانه ورث خزانة خالية فأصلح الاقتصاد، وفتح الحريات، ونسوا انه كان رجلا متدينا، لكنه لم يكن متطرفا. وانتقد حوجي الرأي العام العالمي الذي لم يذكر لخليفة السادات، الرئيس السابق حسني مبارك، انه دافع عن اتفاقية السلام بإصرار، وكان أحد الزعماء المعتدلين في العالم، ونسوا انه انقذ ملايين المصريين من المجاعة.