ميزة هذا الطرح أنه جاء من كاتبة لها ريادتها في فن القصة القصيرة في الكويت ، ومن هنا نشعر بتلك الحميمة التي تتذوق الكلمة وتطرح الموضوع بذائقة المبدع والناقد البصير الذي يلُم بالمشهد القصصي ، ويبرز وجوه الإبداع من كل الزوايا ، فالكاتبة والناقدة الدكتورة فاطمة يوسف العلي ، قدمت للحركة الثقافية والإبداعية مجموعتها القصصية الأولي " وجوه في الزحام " عام 1971م ، وعايشت " المشهد الثقافي الكويتي علي المستويين الأدبي والاجتماعي " كما ذكر الأستاذ نواف يونس في مقدمة الكتاب ، ومن هنا تكمن أهمية هذه الدراسة الذي تطرقت للحراك الاجتماعي الكويتي في القصة القصيرة ، في خمسة فصول ،تطرقت فيها الكاتبة لمعظم الطرح القصصي منذ بداياته حتي الجيل الجديد ، بل ركزت بصورة أكبر علي الجيل الجديد لاعتقادها " بأن هؤلاء الكتاب أضافوا إلي فن القصة القصيرة الكويتية ما يتجاوز عطاء الجيلين السابقين ، ومع هذا لم يحظوا باهتمام الدارسين والنقاد بالقدر الذي يستحقونه وبالجدية العلمية التي تجعلنا نطمئن علي مستوي آدائهم " ، ومن هذا المنطلق انطلقت الباحثة في رحلتها البحثية تنقب في الإبداع القصصي ، الذي يتوازي مع المتغيرات الاجتماعية في متقابلات ، الحاضرة والبادية، في بنية المجتمع .. الكويتي والبدون والوافد، قبل النفط ومابعد النفط ، الحراك الجديد في الكتابة النسائية باعتبارها أحد المتغيرات الاجتماعية المهمة للحراك الاجتماعي الكويتي، ثم تختم دراستها بمحور الظواهر الفنية لتكتمل الرؤية، ومن قبلها تمهد لتلك الدراسة بتمهيد يتطرق لنشأة فن القصة وتطوره في الكويت، وكما تقول في مقدمة الدراسة: "إن المدخل الاجتماعي هو أحد مداخل النقد الأدبي والدراسة الأدبية التي تنظر إلي الإبداع علي أنه نتاج اجتماعي إن لم يكن نتاجاً جماعياً يتجاوز شخص المبدع في الإطار الاجتماعي العام الذي يمارس ضغوطاً وتأثيرات شتي في توجيه الموهبة وانتقاء عناصر البنية القصصية ". النشأة والتطور النشأة والتطوربعد أن تؤكد الباحثة أن فن القصة الكويتي نشأ وتوسع في ظل مجتمع اقتصادت النفط، تدلف إلي تقسيم كتّاب القصة إلي ثلاثة أجيال : الجيل المؤسس وهم ثلاثة فهد الدويري (1921-1999م)، فاضل خلف (1927-...)، فرحان راشد الفرحان ( 1928-1975م)، ولقد سيطرت علي كتاباتهم القضية الاجتماعية والنزعة الاصلاحية . أما جيل الوسط فهم الذين شاهدوا وعاصروا غليان الحروب، والانكسارات العربية ورأوا -كما تذكر الباحثة " كيف تتبدل أوضاع الطبقات وكيف تختفي ملامح وقيم لتحل مكانها ملامح أخري وقيم أخري " ص43، لقد عبّر هذا الجيل عن تلك المفارقة بين الحياة القديمة قبل النفط ومرحلة التغير السريع بعده، وماخلفه من انتقال اجتماعي، وانصافا للحقيقة تذكر الباحثة بأن مجموعتها "وجوه في الزحام " التي صدرت عام 1971م كانت الرابعة في فن الرواية بالكويت، والأولي في الرواية النسائية الكويتية . أما الجيل الحاضر الذي يمثل الحلقة الثالثة فهو الجيل الذي عاصر التعليم الجامعي في الكويت، والذي عرف السياحة والترحال، وامتاز هذا الجيل بحضور المرأة الكاتبة بصورة ملفتة من حيث الكثرة العددية، وأن تكتب بصراحة عن نظرتها في الرجل، ومن الظواهر الملفتة في هذا الجيل قدرته علي الابتكار، " وأنهم حققوا المستوي الفني الذي يستحق أن يكون له مكان متميز في دراسة أكاديمية متخصصة " ص 51 كما " توسع الجيل الحاضر أيضاً في تصوير تجارب لم تعرفها القصة الكويتية من قبل فعرفت القصة علي أيدي أبناء هذا الجيل مستويات من التجريب في الشكل الفني وظهرت القصة الحكاية، والقصة السيناريو ،والقصة الحوارية،والمونولوج ،والديالوج ،والقصة السيرالية .. إلخ " ص 53 ثم تدلف للمنهج الاجتماعي والقصة القصيرة في الكويت ،وبعد الخوض في تعريفات تبريرية تذكر "أن المجتمع الكويتي عقب اكتشاف النفط وظهور أثر عاداته علي التركيب الاجتماعي كان يخطو ، من حيث ضرورة اعتبار المجتمع هو الأساس وأنه المصدر الملهم للفكر والفن والسياسة والاقتصاد " ص55 ثلاثية المكان تصحبنا الباحثة في الفصل الأول إلي ثلاثية المكان ( البادية - البحر - الحاضرة ) ، الثلاثي البوابة التي تنقلنا إلي تلك المتناقضات التي تميز المكان الكويتي فكما تذكر الباحثة : " فإن ما يميز المكان الكويتي هو أنه يجمع بين ثلاثة أطراف قد يصعب التوفيق بينها وهي " البحر والبادية والمدينة " فبين البحر تناقض وبين البادية والمدينة تناقض كذلك " ص69 وتكتشف الباحثة أن القصص التي تنبهت لهذا التناقض لم تكن تتناسب مع حجم التحولات الاجتماعية التي كانت تظهر بقوة في المكان بمتناقضاته . وتدلف الباحثة لتقدم لنا صورة عن الكويت جغرافية واجتماعية وما نجم عن هذا التناقض في القصة الكويتية ، ومن خلال البحث يتبين أن القصص التي تناولت البحر أكثر من الصحراء التي لا تأخذ شكل المخالطة الحميمة ، وهذا ايضا ينطبق علي البادية ، التي تماهت كثيرا في ظل الحضور القوي للكتابات عن المدينة . وتؤكد الباحثة أن الجيل المؤسس هو الذي اهتم بموضوع هذا الفصل ، أما الجيل الثاني لم يكن لديه "اهتمام واضح بمحور الصحراء أو علاقة التفاعل بين الصحراء والمدينة أو الصحراء والبحر " ص93 . حِرَاك الإنسان تنقلنا الباحثة للفصل الثاني الذي يتناول ثلاثية (الكويتي.. والبدون .. والوافد ) تلك الثلاثية خلقت نوعا من الصراع النفسي/ الاجتماعي ، وجاء الطرح القصصي عازفا علي تلك الثلاثية مجسداً هذا الصراع ، وتشير الباحثة إلي بعض الدراسات الميدانية التي تطرقت إلي الصراع ،فإن كانت بعض الدراسات أكدت أن الحراك الاجتماعي الذي نشأ عن الثورة التكنولوجية قد أدي إلي انهيار العائلة الممتدة كوحدة وظيفية ، فهذا الرأي لا ينطبق كليةً علي المجتمع الكويتي ، فإن كانت القبيلة لا تتدخل بشكل منظم في توفير الحماية الاقتصادية لأفرادها ، لكن نجدها حاضرة في الالتزامات التي تظهر حجم العائلة وتعلن عن أهميته ، وإن اشارت بعض البحوث الميدانية أن القرابة وحدها لم تعد عنصرا موثقا للعلاقات وحدها ، بل أصبح لروابط الزمالة دور . أما عن الملاحظة الأولي التي ارتأتها الباحثة فتتمثل في "مواطن القلق واتجاهات التطلع والوجع في الحراك الاجتماعي، من بينها مثلاً سطوة العلاقات القرابية وضغوط الانتماء القبلي "ص105 وتستند الباحثة هنا إلي القصص التي تتطرق للانتخابات علي سبيل المثال التي تجسد هذا العمق القبلي ، وقضايا الزواج التي تعزف علي الأصيل والبدون ، أما عن الوافد فقد طرحت القصص مشكلته مع هذا الحراك الاجتماعي ومشاكلهم الاجتماعية والنفسية. حِرَاك الزمان ثم تنقلنا الباحثة للفصل الثالث الذي يتطرق لثنائية ( قبل النفط .. بعد النفط ) ، لتطرح حِرَاك الزمان بتلك التغير الاقتصادي الذي اتبعه تغير اجتماعي كما تذكر الباحثة " في ظل الوفرة الاقتصادية النفطية استجدت مشكلات وطرحت قضايا وحدثت صراعات لم يعرفها المجتمع الكويتي في ماضيه " ص120 لاحظت الباحثة أن القضية التي تتصدر قصص ما بعد النفظ هي قضية (البدون ) التي اشارت لها في الفصل الثاني وهم طائفة من سكان الكويت، لايحملون الجنسية الكويتية ، وتقوم هذه القصص ربما علي شعار واحد وحيد :" أين أذهب .. ليس لي وطن غير هذه الأرض ؟ " وكما تذكر الباحثة " وهكذا تتعدد الأفكار والرؤي داخل القصص لتكشف في النهاية عن مصادر الوجع وحلم الخلاص في المجتمع والغلاف الضبابي الذي يغلف صورته المضيئة بحق المواطنة للجميع " ص 125 . ولاحظت الباحثة طغيان الحالة الانسحابية علي شخصيات "البدون " ، كما سيطر الطابع العاطفي الانفعالي " لأن حالة غياب الانتماء الرسمي بذاتها تصيب العواطف في الصميم " ص127 . بعد طرح وافر للقصص التي تجسد فيه الحِرَاك الزماني (قبل وبعد النفط ) ، تذكر الباحثة : " تظهر صورة الكويت في خضم هذا التناول قبل النفط ذات شخصية وقدرة علي الفعل والرغبة في البذل من اجل الجماعة ..... اما صورة الكويت بعد النفط فهي صورة التغير في الأوضاع الاجتماعية .. وتركز علي السلبيات التي تمس العلاقات الأسرية " ص130 بتصرف . الحِرَاك النوعي وفي الفصل الرابع تتوقف الكاتبة عند الحراك الجديد في الكتابة النسائية ، لتؤكد أن القصص القليلة التي صورت عالم ماقبل النفط لم تهتم بعالم المرأة ، ولكن بعد النفط واتجاه المرأة للتعليم ومشاركتها في الحياة الاجتماعية ، أصبح لها حضورها القوي في الكتابات ، سواء في كتابات الرجل أو المرأة المبدعة الذي بات لها حضور ملموس وقوي علي الساحة الإبداعية في الحراك الجديد الذي بدأ حضوره مع جيل الوسط ، وتذكر الباحثة أن الرجل " تناول عالم المرأة في أخص خصوصياته ورسم صورتها وشكلها حسب منطقه من دون أن يتعمق بالدرجة نفسها في عالمه " ص140 كما لاحظت تلك المفارقة بين قصص الرجل والمرأة ، فنجد " في قصص الرجل نهايات حادة فاجعة مدبرة ، بينما قصص المرأة تأتي النهايات مصادفة أو ممكنة محسوبة " ص146 لقد طرحت المرأة قضاياها بصدق ، تلك القضايا التي تلمسها ، مثل الأب الثري متعدد الزوجات ، والقطيعة بين البنت وأمها ، وسلبيات العنوسة والحرمان الجنسي ، وكما تذكر الباحثة " وضمن محور الحراك الجديد في الكتابة النسائية تشغل قصص التمرد علي الإطار الاجتماعي الذي يصب المجتمع شخصياته فيه مساحة كبيرة ، حيث تتجلي ثورة الأنثي علي كل ما يسمح لها بالخروج عليه " ص151 كما أن هناك قصصا نسائية حطمت الإطار التقليدي الذي يدور في فلك الحب والزواج والعمل والأسرة والتميز الذكوري ،" واستحدثت إطارا جديدا يجمع بين الفكر والفلسفة في بوتقة واحدة " ص 154 وفي نهاية هذا الفصل تقدم الباحثة جزءا يسيرا من مساهمتها في هذا الحراك النوعي ، لتنقل لنا قطوفا من كتابات النقاد لبعض أعمالها . الحِرَاك الجمالي وفي الفصل الخامس تتوقف الكاتبة عند الظاهرة الفنية (الحراك الجمالي) لتقدم لنا أهم الظواهر الفنية في القصة الكويتية ، لتؤكد أن أسلوب الكتابة للجيل المؤسس مازال ممتدا بجذوره في جيل الوسط ، والجيل الحالي ،وهذا " ليس مأخذاً بل قد يكون بالعكس نوعاًمن التمسك بأصول الفن القصصي والطريقة العربية في توصيل الحكاية " ص169 ، وتؤكد أن العنصر المميز للقصة القصيرة في الكويت هو عدد الصفحات ، أما التركيز فقد تم التحايل عليه أو الدوران حوله بطرق كثيرة ولاحظت الباحثة أن بعض الكتابات تضع في حساباتها أنها تكتب للنشر في الصحف وهذا يؤدي إلي سرعة الكتابة وعدم التدقيق في الجانب الشكلي للقصة ، و " إن أهم إنجاز فني في مجال الشكل هو الأخذ بشكل السيناريو ، القصة المكونة من مشاهد مقطعة .. " ص175 وهناك قصص تميل للشعرية -خاصة التي تكتبها النساء - التي تميل للسريالية لتعفي من الحرج عند التطرق لبعض الموضوعات ، وقد يتداخل الواقعي المتخيل عند بعض الكتّاب، وأيضا هناك اتجاه واقعي ملموس في بعض القصص وتقول " إن هذا الاتجاه الواقعي هو الذي يستجيب لتجارب الكُتّاب غير المتعمقين في فنون الأدب، وكذلك يستجيب لمن يحمل في كتاباته رسالة اجتماعية " ص 181 وتشير في نهاية هذا الفصل إلي أن الجيل الحالي "لغته أقل قوة وسلامة من الناحية النحوية لكنها أقرب إلي تحقيق مطالب الفن القصصي الذي يحتاج إلي التركيز ويجتاج إلي الدقة في الوقت نفسه " ص184