تواجه أجهزة الأمن في مصر في الوقت الحاضر عدة تحديات . وهذه التحديات سوف تؤدي إلي تأخير استرداد أجهزة الأمن لهيبتها وعودتها لكفاءتها الطبيعية، كما ستؤثر بلا شك علي عملية استردادها لحركتها العادية التي كانت عليها. قد لا نبالغ إن قلنا أن تلك التحديات قد تؤثر علي سير العملية الديمقراطية التي ستبدأ في غضون الأشهر القادمة بإجراء الانتخابات التشريعية، وبعدها الانتخابات الرئاسية. يمكن لأي شخص في صعيد مصر أن يري بعينيه كمية السلاح الموجودة لدي عامة الناس، كمية الأسلحة التي دخلت البلاد بطريقة غير مشروعة، في فترات الانهيار الأمني مهولة، وهي أسلحة من الأنواع المتقدمة، ربما تفوق تسليح أجهزة الأمن، وقد ظهرت تلك الأسلحة في عدد من قري الصعيد في عمليات الاستعراض التي تقوم بها العائلات في المناسبات المختلفة، ولا شك أن كميات الذخيرة التي تنطلق في تلك المناسبات تعطي مؤشرا خطيرا علي الواقع الفعلي لكمية السلاح الموجودة في البلاد . ولعل حادث جرجا خير مثال علي ما يمكن أن يحدث في حالة وقوع أي مشاجرة بين عائلتين . يمكن لأي شخص في صعيد مصر أن يري بعينيه كمية السلاح الموجودة لدي عامة الناس، خصوصا بعد أن سمحت الحكومة للناس بحمل السلاح في فترة الانفلات الأمني . السلاح للجميع في قري الصعيد والأرياف عندما تظهر أي بادرة نزاع، تجد السلاح بأنواعه المختلفة في أيدي الشباب، تجد السلاح في كل يد، في أيدي الصبية والمراهقين والكهول حتي النساء . في العصر السابق لم يكن مسموحا علي الإطلاق باستخدام الأسلحة في الأفراح، أما الآن، فتطلق الأعيرة النارية في كل المناسبات، مناسبات الخطوبة والزفاف، ونجاح الأنجال، التحاق شخص بوظيفة مرموقة في الشرطة والقضاء، وترقيات الموظفين وضباط الشرطة، خصوصا من يلتحق منهم بوظيفة حساسة . في قري الصعيد والأرياف عندما تظهر أي بادرة نزاع بين عائلتين، تجد السلاح بأنواعه المختلفة في أيدي الشباب من العائلتين، تجد السلاح في أيدي الصبية والمراهقين، وحتي النساء . حينئذ يتدخل عقلاء أخرون من عائلات أخري لطلب الصلح، وتستجيب العائلة الأخري علي الفور . أما لو كانت احدي العائلات المتنازعة لا تملك العدد المكافئ لسلاح العائلة الأخري، فإن إطلاق النار يكفي لإرهاب العائلة الضعيفة، وعندها يدخل رجالها بيوتهم ويغلقونها علي الفور . السلاح تتعدد أنواعه، من فرد الخرطوش صناعة محلية، إلي البنادق الآلية الواردة من الصين ,. إلي الأنواع عالية النيران الأسلحة ومنها الجرينوف، وهو يطلق ألف طلقة، كما تمتلك بعض العائلات مدافع أر بي جي المضاد للدبابات . البندقية الآلية قفز سعرها من ألفي جنيه قبل ثورة يناير إلي اثني عشر ألفا حاليا، وذلك للأنواع القديمة، والتي أجريت لها إصلاحات . أما الأسلحة التي تخرج توا من الصندوق وبشحم المصنع بأنها تصل إلي ثمانية عشر ألفا. أسلحة أوروبية وصينية وأسيوية في العام الأخير 2010، عثرت حملة قادتها أجهزة الأمن في أسيوط علي ألفي بندقية في قري النخيلة وبهيج وبني محمد والحوطا ونجع عبد الرسول وقرية الحواتكة ودير القصير والمعابدة وبعض قري مدينة ديروط، الغريب أن أجهزة الأمن اكتشفت أن تلك الأسلحة واردة من الصين وبعض دول شرق أسيا، وأسلحة إسرائيلية وبلجيكية، وألمانية، ولم تكشف أجهزة الأمن وقتها عن الطريق الذي سلكته تلك الأسلحة من منشئها الأصلي في الصين، حتي وصلت إلي تلك القري في الصعيد . أقرب الاحتمالات إلي التصديق هو أنها جاءت عن طريق قراصنة الصومال، من المرجح أنهم قاموا بالاستيلاء علي شحنات من الأسلحة علي ظهر سفينة كانت في طريقها إلي دول أخري، وتسربت إلي مصر من ناحية الجنوب . قد ضبطت أجهزة الأمن المصرية أسلحة قادمة من إيران عبر البوابة الجنوبية المصرية في طريقها إلي حماس في عام 2009 . ربما كان القتال في جنوب السودان، وما استتبعه ذلك من تدفق أعداد كثيرة من الأسلحة المتنوعة, إلي تلك القبائل عن طريق دول الجوار، فإنه من المحتمل أن يكون جزء من تلك الأسلحة قد تسرب إلي مصر عبر حدودها عن طريق الحدود الجنوبية وحلايب وشلاتين، مع عصابات تهريب البضائع والجمال عبر الدروب الصحراوية. ومن المحتمل أن أسلحة أخري تسربت من الحدود الغربية ,في أعقاب اندلاع الثورة الليبية، وبداية القتال الطويل علي شكل حرب عصابات . وقد أعلنت الصحف أنه تم ضبط أسلحة وذخائر قادمة من هناك . لا نستبعد أيضا أن يتم تسريب كميات كبيرة من الأسلحة عبر حدودنا الشمالية، في خلال أحداث سيناء، وضعف السيطرة الأمنية علي الأنفاق بيننا وبين جيراننا الفلسطينيين، الأمر وارد، وربما كانت عمليات إقحام بعض السجون المصرية وتحرير سجنائها كانت بتلك الأسلحة، وتم التخلص منها ببيعها لبعض العربان الذين تعاونوا معهم . غير أن المصدر الرئيسي لتلك الأسلحة هو ما يحصل نتيجة مهاجمة مراكز وأقسام الشرطة، وبعض مقراتها، والاستيلاء علي أسلحتها، كما أن بعضا من تلك الأسلحة كان نتيجة عصابات سرقة الأسلحة من مخازنها، ومن مخازن المحاكم، ومخازن أقسام الشرطة . جزء آخر من الأسلحة يتم تصنيعه محليا في بعض الورش المنتشرة في القري، وفيها يتم تصنيع الفرد الخرطوش، كما يتم تحويل مسدسات الصوت إلي مسدسات طلقات حية. خطورة الأسلحة تكمن في محاولة حامليها فرض سيطرتهم بالقوة، وهو ما لاحظناه من انتشار عصابات البلطجية في القاهرة والمدن الكبري، وما شاهدناه أثناء أحداث الفتنة الطائفية في إمبابة . حيث استمعنا إلي مقطع كامل من الرصاص ينهمر من كل اتجاه دون توقف. قضية انتشار الأسلحة في أيدي الناس تشكل نقطة ضغط هائلة علي وزارة الداخلية وهي في طريقها لفرض سيطرتها علي الشارع المصري المنفلت، بل وتُعد التحدي الأكبر لثورة يناير 2011، ولا شك أن محاولة الحكومة لفرط سيطرتها وقانونها مرهون بقدرتها علي التخلص من الأسلحة غير الشرعية، والتي نخشي أن تتسلل إلي أيدي الجماعات الإرهابية التي خرجت من السجون وتحاول أن تطل برأسها من جديد علي المسرح السياسي . الردع بدأ تعامل الدولة مع الأسلحة بصفة رسمية اعتبارا من عام 1905 عندما صدر الأمر العالي في 27 / 4 / 1905 بتنفيذ جدول الأسلحة والأدوات والذخائر المرخص بإدخالها في القطر المصري ولائحة البوليس المختصمة بالاتجار بها. في عام 1949 صدر القانون رقم 58 لسنة 1949 بشأن الأسلحة والذخائر، وتم تعديله في عهد ثورة 1953 بالقانون رقم 475 لسنة 1953 . مع أن عقوبة حيازة الأسلحة والذخيرة تم تغليظها وأصبحت جناية . إلا أن ذلك لم يحقق الردع الكافي . نري أنه ينبغي علي وزارة الداخلية السير قدما في مسألة منع تواجد تلك الأسلحة غير المرخصة في أيدي الأفراد وذلك عن طريق: - تخصيص رقم تليفون معروف للجميع لتلقي البلاغات عن تلك الأسلحة، وإجراء التحريات عن حائزي الأسلحة غير المرخصة، وتنظيم الحملات لجمعها . - تشجيع العائلات علي ترك الأسلحة بتقديم حوافز لتلك العائلات يتمثل في تعيين أحد أبنائها بالحكومة نظير تسليم عشرين قطعة سلاح . - تغليظ عقوبة إطلاق النيران سواء من سلاح مرخص أو غير مرخص . - تشديد الرقابة علي المنافذ الدولية .