اثارت المادة الثانية من دستور 1971 التي عدلها الرئيس الراحل محمد انور السادات عام 1980 جدلاً كبيراً في الآونة الأخيرة لدرجة ان الشيخ محمد حسان هدد بأن حذف اي حرف من المادة الثانية سيؤدي الي ثورة شعبية لأن المسلمين سيبذلون دماءهم وارواحهم دفاعاً عنها . تنص المادة الثانية ان الاسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع . وبالطبع ليس في ظاهر هذا النص ما يمكن ان يتعارض مع حقوق الانسان الا ان واقع الامر اظهر ان الكثيرين استغلوا هذة المادة لقمع حرية الرأي والعقيدة واهدار الدم وتفريق الزوجات عن ازواجهم وحرمان الاطفال من امهاتهم والتمييز ضد المرأة. فرج فودة حين اغتال جاهل المفكر العظيم فرج فودة، استدعي القاضي اثناء محاكمة القاتل الشيخ محمد غزالي الذي افتي بأن فرج فودة مرتد عن الاسلام وانه يستحق القتل وان القاتل مفتئت علي السلطة وانه لا يعرف عقوبة في الاسلام لمن يمارس الافتئات علي السلطة. اشعر بغصة في الحلق وانقباض في القلب حين أستعيد هذه الاحداث لان الشيخ الغزالي عالم مستنير ومشهود له بالاعتدال والسماحة الا انه شقق عن قلب فرج فودة واعتبره ملحداً وحرض علي قتل الناس للاختلاف في الرأي وشجع القتلة علي التعدي علي سلطة الدولة وهي جرائم كان يجب ان تقدمه للمحاكمة في اي مجتمع ديمقراطي. إلا ان الدولة تغاضت عن كل هذا وتقاعست عن اداء دورها ومازالت إلي الآن حين تنحني امام المجرمين والقتلي وترعي جلسات الصلح العرفية وقعدات العرب بحضور شيوخ التطرف في امور كان يجب ان تضرب بيد من حديد علي مرتكبيها مثل قطع اذن مواطن مسيحي وهدم سور اواحتلال كنيسة مما يعطي انطباعاً للمسيحيين ان دمهم حلال خاصة ان البعض يتشدق بحديث يقول لا يؤخذ دم مؤمن بكافر رغم ان القرآن ينص صراحة في الآية 32 من سورة المائدة «من قتل نفساً بغير نفس اوفساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعاً» والآية لم تحدد ديانة هذه النفس . نصر حامد أبوزيد مازلت إلي الآن غير مصدق ان مستشارا في محكمة النقض في مصر وليس في ايران الخميني اوالسودان النميري حكم بتفريق أستاذة جامعية هي الدكتورة ابتهال يونس عن زوجها الأستاذ الجامعي نصر حامد أبوزيد باعتباره مرتداً عن دين الاسلام، والمفجع والمنفر في الأمر أن الزوجة كانت تحب زوجها وترغب في مواصلة الحياة معه. فلو فرضنا جدلا أن الدكتور نصر حامد ابوزيد مرتد فطالما أن زوجته لايضايقها هذا الأمر فلا يصح أن يفرض عليها أحد الابتعاد عنه وإدخالها قسرا في بيت طاعة الدولة المؤمنة وعمليا هذه التفرقة مستحيلة إلا إذا كانت المحكمة تبغي ان تصبح الزوجة كافرة امام الجميع في حالة إصرارها علي البقاء مع زوجها وفي هذه الحالة يمكن لأي جاهل أحمق أن يقتلها وزوجها دون أن يحاسبه أحد لأن الشيخ الغزالي أوأي غزالي آخر حتما سيزين الصورة مرة أخري مؤكدا أن الافتئات علي السلطة لاعقوبة له في الاسلام، والمدهش في الأمر أن القضاة يحكمون علي الناس بالارتداد عن الاسلام رغم خلو القرآن من أي نص يوصي بقتل المرتد أوتفريقه عن أهله بينما القانون المصري لايطبق نصوصا قرآنية صريحة مثل قطع يد السارق وجلد الزناة. هل كان يمكن أن تحدث هذه الوقائع المخزية لولا المادة الثانية من الدستور التي أتاحت أيضا لمستشاري مجلس الدولة أن يعلقوا تعيين المرأة وسمحت لقضاة أن يحكموا بحرمان أم مسيحية من حضانة أولادها القصّر وإدخالهم في حضانة الأب الذي أسلم بحجة أن الأولاد يجب أن يربيهم صاحب الدين الأفضل رغم أن القانون لم ينص علي ديانة معينة للأم الحاضنة كما انه لايصح أن يقرر إنسان لإنسان الدين الأفضل بالنسبة له حتي لوكان الأب لابنه فالأطفال ليسوا ملكاً لابائهم وأمهاتهم بل هم ملك للحياة ومن حقهم حين يكبرون أن يختاروا العقيدة التي يرتاحون لها حتي لوكانت مغايرة لدين الأب والأم معا. تري ما موقف المادة الثانية في شكلها الحالي من الشيعة والقرآنيين والبهائيين وماذا يمكن أن يحدث إذا انقض الأخوان أوالسلفيون علي السلطة؟ أري أن الدولة (أي دولة) لايجب ولا يعقل أن يكون لها دين لأنها كيان اعتباري، فالدولة لا تذهب الي الجامع ولا تصوم رمضان. وأعتبر المادة الثانية من مخلفات العصور الوسطي حين كانت الإمبراطوريات تقوم علي أساس ديني وهي الأجواء التي ظهرت فيها مصطلحات دار الاسلام ودار الحرب المرتبطة بمفاهيم أهل الذمة والجزية ولا ولاية لغير مسلم علي المسلم وغيرها من الأفكار العنصرية كما انها تجعل مواطنة غير المسلمين السنة منقوصة مهما ردد المناورون عبارات إنشائية مثل " لهم مالنا وعليهم ما علينا" واندونيسيا أكبر دولة اسلامية في العالم من حيث عدد السكان لايوجد في دستورها ما ينص علي ديانة محددة للدولة وبالطبع لم يؤد هذا ولن يؤدي إلي انهيار الاسلام فيها. ورغم كل ماسبق قد لايكون ملائماً في الوقت الحالي إلغاء المادة الثانية لأن العواطف الدينية البدائية الجياشة لدي قطاعات كبيرة من المصريين ستعتبر أن هذا تربص بالإسلام والمسلمين وأقترح العودة لدستور 1923 في مادته (12) التي نصت علي أن حرية الاعتقاد مطلقة بينما نصت المادة (149) أن الاسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية أو أن يتم تعديل المادة الثانية من دستور 1971 لتصبح "الاسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الاسلامية ونصوص الاعلان العالمي لحقوق الانسان مصادر التشريع. والاعلان العالمي لحقوق الانسان يجرم التمييز ضد المرأة كما أنه يؤكد علي أن حرية العقيدة مطلقة في المادة (18) التي تنص علي أن لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أوعقيدته وحرية الاعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سرا أومع الجماعة، ولن يستطيع أحد أن يعترض علي هذا الاعلان باعتباره لايتفق مع قيمنا وتقاليدنا أو أننا لا نحتاجه لأن حقوق الانسان راسخة في الشريعة الاسلامية منذ 1400 قرن لأن مصر وقعت عليه عام 1948 واليهودية والمسيحية والاسلام جاءت ولم تستطع القضاء علي عبودية الانسان لأخيه الانسان ورغم أن الاسلام حبب العتق إلا انه لم يحرم صراحة ملكات اليمين بل إن الخليفة الزاهد علي بن أبي طالب مات وتحته 19 جارية. والاعلان العالمي لحقوق الانسان هو منبع الفكر الليبرالي الذي يقدس حرية الانسان والذي بدونه تصبح الديمقراطية ديكتاتورية الغالبية القامعة للأقلية، وديمقراطية أثينا لم تمنع تملك العبيد واحتقار المرأة بل إن أرسطو كان يري أن المرأة ناقصة عقل وأنها يجب أن تخضع للرجل. واعتبر الاعلان العالمي لحقوق الانسان مادة فوق دستورية يجب أن يهتدي بها واضعوالدستور الذي يجب أن تتولي النخبة المثقفة إعداد مواده وليس أعضاء مجلس الشعب الذي يمكن أن يكون بينهم الأمي والجاهل والمتعصب والمتطرف ومن يملك المال ولا يملك الرؤية. وانا شخصيا لا أتخيل أن يصدر دستور لايشارك في صياغته أحمد عبد المعطي حجازي وصلاح عيسي وجابر عصفور والسيد ياسين ومراد وهبة ووسيم السيسي وتهاني الجبالي وطارق حجي ليكون دستورا يليق بمستقبل مصر ومعبراً عن روحها الحرة المتسامحة المثقفة الوثابة المتألقة.