اليوم.. «خارجية النواب» تناقش موازنة وزارة الهجرة للعام المالي 2024-2025    استقرار سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم    التأخيرات المتوقعة اليوم فى حركة قطارات السكة الحديد    انتخابات الرئاسة المبكرة في إيران.. ما الجدول الزمني ومواعيد تسجيل المرشحين وإجراء الحملات الانتخابية؟    مبعوث أمريكا لليمن ينطلق فى جولة شرق أوسطية لمواصلة مناقشات عملية السلام    3 شهداء برصاص جيش الاحتلال في جنين    زلزال بقوة 6 درجات يضرب محافظة أوجاساوارا اليابانية    طلعت يوسف يحذر من قوة الزمالك قبل مواجهته    هل ينتقل كلوب إلى الدوري السعودي؟.. مفاجأة كبرى بشأن وجهته المقبلة    الشهادة الإعدادية 2024.. بدء امتحان "الجبر" لطلاب القاهرة    اليوم.. طقس الشرقية شديد الحرارة على غالب القرى والمراكز    موعد إجازة عيد الأضحى 2024 في مصر: توقيت وقفة عرفات وعدد أيام العطلة    "لا تصالح".. قصيدة المقاومة التي تركها أمل دنقل    حمدي الميرغني يحيي ذكرى رحيل سمير غانم: كنت ومازلت وستظل أسطورة الضحك    ننشر بالأسماء ضحايا حادث العقار المنهار بالعياط    محافظ جنوب سيناء يلتقى عددا من رؤساء وأعضاء البعثات الدبلوماسية الأفريقية    براتب 5000 جنيه.. وزارة العمل تعلن عن وظائف جديدة بالقاهرة    خالد عبد الغفار: مركز جوستاف روسي الفرنسي سيقدم خدماته لغير القادرين    قبل طرحه في السينمات.. أبطال وقصة «بنقدر ظروفك» بطولة أحمد الفيشاوي    وزير الصحة: لا توجد دولة في العالم تستطيع مجاراة الزيادة السكانية ببناء المستشفيات    أمير هشام: الكاف تواصل مع البرتغالي خوان لإخراج إياب نهائي دوري أبطال إفريقيا    صعود مؤشرات الأسهم اليابانية في جلسة التعاملات الصباحية    ضياء السيد: مواجهة الأهلي والترجي صعبة.. وتجديد عقد معلول "موقف معتاد"    فرصة للشراء.. تراجع كبير في أسعار الأضاحي اليوم الثلاثاء 21-5-2024    مندوب فلسطين أمام مجلس الأمن: إسرائيل تمنع إيصال المساعدات إلى غزة لتجويع القطاع    أحمد حلمي يتغزل في منى زكي بأغنية «اظهر وبان ياقمر»    أحداث العالم في 24 ساعة.. وفاة الرئيس الإيراني وطلب اعتقال نتنياهو وخسائر للاحتلال    وزير الصحة: صناعة الدواء مستقرة.. وصدرنا لقاحات وبعض أدوية كورونا للخارج    وزير الصحة: مصر تستقبل 4 مواليد كل دقيقة    وزير الصحة: العزوف عن مهنة الطب عالميا.. وهجرة الأطباء ليست في مصر فقط    هل يرحل زيزو عن الزمالك بعد التتويج بالكونفدرالية؟ حسين لبيب يجيب    أحمد حلمي يغازل منى زكي برومانسية طريفة.. ماذا فعل؟    منافسة أوبن أيه آي وجوجل في مجال الذكاء الاصطناعي    محمود محيي الدين: الأوضاع غاية في التعاسة وزيادة تنافسية البلاد النامية هي الحل    الطيران المسيّر الإسرائيلي يستهدف دراجة نارية في قضاء صور جنوب لبنان    مبدعات تحت القصف.. مهرجان إيزيس: إلقاء الضوء حول تأثير الحروب على النساء من خلال الفن    سائق توك توك ينهي حياة صاحب شركة بسبب حادث تصادم في الهرم    «سلومة» يعقد اجتماعًا مع مسئولي الملاعب لسرعة الانتهاء من أعمال الصيانة    الأنبا إرميا يرد على «تكوين»: نرفض إنكار السنة المشرفة    وكيل "صحة مطروح" يزور وحدة فوكة ويحيل المتغيبين للتحقيق    ميدو: غيرت مستقبل حسام غالي من آرسنال ل توتنهام    موعد عيد الأضحى 2024 في مصر ورسائل قصيرة للتهنئة عند قدومه    دعاء في جوف الليل: اللهم ابسط علينا من بركتك ورحمتك وجميل رزقك    طبيب الزمالك: إصابة أحمد حمدي بالرباط الصليبي؟ أمر وارد    "رياضة النواب" تطالب بحل إشكالية عدم إشهار22 نادي شعبي بالإسكندرية    بعد ارتفاعها ل800 جنيها.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي «عادي ومستعجل» الجديدة    «الداخلية»: ضبط متهم بإدارة كيان تعليمي وهمي بقصد النصب على المواطنين في الإسكندرية    مصطفى أبوزيد: تدخل الدولة لتنفيذ المشروعات القومية كان حكيما    إيران تحدد موعد انتخاب خليفة «رئيسي»    أطعمة ومشروبات ينصح بتناولها خلال ارتفاع درجات الحرارة    كأس أمم إفريقيا للساق الواحدة.. منتخب مصر يكتسح بوروندي «10-2»    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 21-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    على باب الوزير    "وقعت عليهم الشوربة".. وفاة طفل وإصابة شقيقته بحروق داخل شقة حلوان    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إغاثة الأمة في كشف الغمة للمقريزي
نشر في القاهرة يوم 23 - 08 - 2011


إذا كان العصر الذي نعيشه يتصف بغلاء المعيشة والانفتاح الاقتصادي واتساع دائرة سلطة الحكومة لتصبح المسئولة أولا وأخيرا عن النهوض بكل مرافق الدولة ورعايتها والانفاق عليها وصيانتها بفضل ما تجبيه من ضرائب متنوعة وما تستحدثه من التزامات تفرضها علي المواطنين حسب حاجة الظروف، فإن الأمر لم يكن بهذه الصورة في تاريخ مصر، فنظام الأوقاف الاجتماعية كان حلا للحياة الاقتصادية والاجتماعية عند المصريين القدماء، وفي العصر البيزنطي، وبعد دخول الإسلام، حتي عصر القرون الوسطي. مرسوم دهشور الوقف هو منع المنصرف في رقبة العين مع بقاء عينها، وجعل المنفعة لجهة من جهات الخير ولم يعرف الوقف بهذا المعني ففي عصر القدماء المصريين كانت هناك أموال مخصصة لخدمة المعابد وكانت تنسب ملكيتها إلي الآلهة وهناك وثائق تثبت ذلك مثل مرسوم نفر كارع وفي مقبرة أمير سيوط في عهد الأسرة الحادية عشرة - حعبي زفاي - بالنسبة للوقف الخيري للكهنة مقابل قيامهم بالشعائر الدينية أما الوقف الأهلي فنجد مرسوم دهشور حيث منع المتصرف في الأراضي التي تكون غلتها لمن له استحقاقها حيث يصرف من ريعها وتظل العين موقوفة وهذا ما يشبهه المذهب الحنبلي في الإسلام، وعندما حرر العرب مصر من البيزنطيين وجدوا بها نظامين في القانون البيزنطي يشبهان الوقف، وهما المؤسسات الخيرية والدينية تتضمن رصد الأموال لتحقيق الخير والبر ولكن الوقف الإسلامي كان له مفهوم عام في العصور الأولي للإسلام إلي أن تتطور إلي فكرة الصدقة الجارية، ومهما كانت الحجج فالأصل هو حبس العين عن أن تملك لأحد العباد والتصدق بمنفعتها للفقراء وظلت الأوقاف في مصر في أيدي المستحقين في كل العصور الإسلامية إلي أن جاء العصر المملوكي وظهرت الخدمات الاجتماعية بحق لتعبر عن روح التضامن الاجتماعي التي سادت هذا العصر، وازدهرت الحركة العلمية في مصر وزيادة الكتب الموقوفة والمكتبات في وقت لم تعرف فيه الطباعة. كما حدد الواقفون نظام الإطلاع والاستعارة بدقة تامة لأن الفقهاء أجازوا الوقف علي طلبة العلم واعتبروا ذلك من وجوه البر وبالتالي كان إنشاء المدارس والإنفاق علي العلماء، يعادل الإنفاق في الجهاد في سبيل الله. كما روعي في بناء "السبيل" أن يعلوه مكتب لتعليم الأيتام ولم يلبث أن عم هذا التصميم المساجد أيضا. كما حرص الواقفون علي جدية الدراسة فنجد في وثيقة وقف السلطان حسن تعيين طالب ليكون نقيبا كما وفرت الأوقاف للذين يأتون من خارج القاهرة المساكن وكانت البيوت ملحقة بالمدرسة " المدرسة الظاهرية التي أنشأها الظاهر بيبرس" ووثيقة وقف السلطان قلاوون في المدرسة المنصورية ... ويلاحظ أن الخط العربي من المواد الأساسية لتربية الإحساس الفني لدي الأطفال والكبار. الأوقاف الاجتماعية منظومة مهمة للتكافل الاجتماعي في كل المناسبات الدينية فقد أدت تلك الخدمات الاجتماعية إلي استمرار حكم المماليك لأنها خففت الآم الشعب من «عصور سابقة» وذلك من قبل الوازع الديني الحقيقي الذي كان يتحكم في أحاسيس الحكام، فاحتفال " عاشوراء المعمولة من حب القمح " التي كانت تصرف في كل سنة واللحم الضأن وفي كل المواسم الدينية من ريع الأوقاف. كما أن تأدية فريضة الحج تأثرت بنظام الأوقاف فهي فريضة للقادرين إلا أن الواقفين صرفوا علي غير القادرين من أسقاء الماء وصرف الطعام لهم أثناء قيامهم بهذه الفريضة من ريع الأوقاف . لقد عالجت الأوقاف الاجتماعية كل قصور الحكام والحكومات عن طريق مفهوم الإحسان كما يتمثل في الآية الكريمة " وأحسن كما أحسن الله إليك" ووجدت هذه الرغبة في عمل الخير متنفسا لها في نظام الأوقاف فبادر الخيرون إلي وقف الأوقاف - من مبان وأراض وغيرهما- لتعود علي المجتمع بالخير كما انشأ القادرون المؤسسات المتنوعة لتعليم الأيتام وبيمارستان لعلاج المرضي وسبل توفير ماء الشرب النظيف ويقفون علي كل مؤسسة منها وقفا ينفق من ريعه عليها لضمان بقائها واستمرارها في أداء رسالتها حتي أصبحت الأوقاف الاجتماعية الدعامة الكبري للنهوض بالمجتمع ورعاية أفراده بحيث لم تكن الرعاية مسئولية الحكومة والحكام بقدر ماهي مسئولية كل فرد قادر علي الإحسان. عصر المماليك ونضج النظام عصر المماليك بلغ فيه نظام الأوقاف في مصر قمة النضج لأنه عصر يتصف بالقوة والثراء والازدهار الحضاري حيث شارك الأمراء والتجار بجزء من ثرواتهم في النهوض بالمجتمع فأقاموا المؤسسات الخيرية وحبسوا عليها الأوقاف ووضعوا شروطا لضمان حسن التصرف في ريعها، كما ارتبط كل وقف بحجة شرعية. توضح أركان هذا الوقف والغرض منه وحجم وكيفية الاستفادة من ريعه، ونوعية المستفيدين منه وعددهم والموظفين القائمين علي رعاية شئونه وعن طريق الحجج الشرعية الخاصة بالأوقاف يمكننا التعرف علي أحوال مصر الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها. بفضل نظام الأوقاف كما ذكر في معظم الوثائق ان هناك عدة وظائف ومهام لإقامة الشعائر الدينية حرص الواقفون علي استمرارها "المادح" أو "المنشد" هو المطرب الواعظ فنجد في وثيقة السلطان حسن ان المادح كان يصرف له في كل شهر اربعون درهما، ويشترط فيه وضوح الألفاظ وصحة المعاني بحيث يطرب السامعين ومن الطبيعي ان يكون حسن الهيئة والصوت، ولذلك كان المادحون يتنافسون علي شهرة اسمائهم، ابضا كانت هناك وظيفة مجمر المبخرة والتي كان يطلق علي من يتولاها "رجل بخوري"او "المبخر" وكان يشترط فيه سلامة البدن وخلوه من العاهات ووظيفته تبخير المدارس الدينية كل يوم جمعة قبل الصلاة ببخور طاهر طيب الرائحة لإنعاش القلوب ويطوف علي المصلين ويشترط الواقفين علي المواعيد المحددة في الوثائق التاريخية " صلاة الجمع والعيدين والتراويح " ايضا كان هناك وظيفة مهمة "وظيفة الوقاد "وهي من الوظائف الرئيسية لإنارة المنشآت الدينية ويشترط فيها ان يكون امينا قويا قادرا علي العمل، تنص وثيقة وقف السلطان المؤيد شيخ علي "يرتب بالجامع المذكور تسعة رجال عقلاء عارفين بصناعة القومة لخدمة القناديل، مشهورين بالجودة - الأمانة، يتولون تنظيف القناديل وغسلها وتعميرها وتعليقها ووقودها وإطفاؤها وشيلها وحطها " وتؤكد وثيقة السلطان الغوري ان يكون" الوقاد من اهل المعرفة بصناعة حرف القناديل ليعرف تعميرها وفعل ما يحتاج لإشعالها وتغيير مياهها " كما نصت معظم وثائق الأوقاف علي صرف ثمن الزيوت المستصبح به بالغا ثمنه ما بلغ " وكان زيت الزيتون الطيب يوضع في المسارج من الخزف او المعدن فوق كمية من الماء وتوضع في المشكوات الزجاجية المموهة بألوان الميناء او في تنور نحاس، ونصت وثائق الوقف علي توسعة الإضاءة في نصف شعبان وطوال شهر رمضان وليلة ختامه في المآذن " وكان استخدام الشمع كما نصت الوثائق ان استخدام الشمع الأبيض علي القطن المفتول كان يوضع في محراب القبلة، ومحراب الايوان واثناء صلاة العشاء وصلاة التراويح في شهر رمضان، وكلما ينهي الشمع يستبدل ناظر الوقف عوضه من ريع الأوقاف بعد بيع الأعقاب الفاضلة منه . لقد أدي ازدهار الأوقاف وكثرتها في العصر المملوكي دورا مهما وبارزا في الحياة الاجتماعية والاقتصادية لتصبح مصدرا اصيلا لدراسة تراث وتاريخ مصر في العصور الوسطي وتؤيد ما ذكره شيخ المؤرخين المقريزي في كتابه "إغاثة الأمة بكشف الغمة".

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.