الصحافة الدينية مصطلح يبدو مراوغا حيث إنها قد تعني الصحف المتخصصة في "الدين".. وقد تعني الصفحات المتخصصة داخل الصحف والمجلات.. لكن دعينا من ذلك سيدتي فهذا أو ذاك يدوران في نفس الفلك، لأن موضوعهما واحد وهو "الدين" لكن هذه الصحف والصفحات تزدهر في المناسبة الأعظم وهي شهر رمضان الكريم الذي نتنسم عطره المبارك الآن. السؤال هنا.. هل تقوم هذه الصحف بالدور المنوط بها ؟ للأسف لا.. كانت تقوم بدورها علي اكمل وجه في ستينات وسبعينات القرن الماضي أما الآن فقد تحولت إلي نوع من التكرار بلا فائدة تذكر.. كانت الصحافة في الخمسينات والستينات لها بريقها ومجدها الخاص فقد كانت الصفحات الرمضانية في مجلة الجيل والمصور ومجلة الاثنين ذات طبيعة مميزة فقد كانت تربط بين الحياة الاجتماعية والسياسية وتتناول موضوعات لها صلة بالحياة السياسية والاجتماعية. من أهم الموضوعات التي كانت تنشر في ذلك الوقت هو الحياة الخاصة للمقرئين. البعد عن الواقع «عقيدتي» هي إحدي الصحف الأسبوعية الدينية المصرية، وهي تصدر عن دار التحرير "جريدة الجمهورية"، وهي تحاول أن تغير من المفهوم الثابت للصحافة الدينية، وتقدم في صفحاتها، صفحات رياضية دينية، وفنية من منظور ديني، وفي ظن مجاهد خلف رئيس التحرير التنفيذي لجريدة عقيدتي، المشكلة في الصحف الدينية في مصر أنها منفصلة عن الواقع، ويقول عن جريدته إنها تقدم ثقافة دينية للقارئ كما تقدم مناقشة موضوعية لقضايا المجتمع من منطلق ديني، بأن تناقش قضايا البطالة وتقديم الحلول الدينية لهذه القضايا من خلال علماء الأزهر، بالإضافة لتقديم الفكر الديني. شهر رمضان في الصحافة الدينية وفي جريدة «عقيدتي» كما يراه مجاهد ، عبارة عن فتاوي دينية تناقش قضايا الشهر، وإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالصيام وزكاة الفطر وما نحرص عليه خلال الشهر، بالإضافة إلي متابعة الأنشطة الدينية الموجودة بالمساجد والمنتديات الدينية، ويضيف سالم «نسعي أيضا لإبراز دور المجتمع في التكافل الاجتماعي خلال الشهر علي مدار الأسابيع الأربعة. رغم أن سوق الصحافة المصرية يمتلئ بعشرات الصحف المتخصصة في كل المجالات، الرياضية، الفنية، وحتي صحف الجريمة، لكن لا يوجد في مصر سوي ثلاث صحف دينية فقط، تصدر من مؤسسات رسمية تابعة للدولة، هي «عقيدتي» عن مؤسسة دار التحرير، و«اللواء الإسلامي» عن دار أخبار اليوم، و«جريدة صوت» الأزهر عن مؤسسة الأزهر الشريف، ويرفض مجاهد اعتبار سبب قلة الصحف إلي هذا الحد عدم وجود جماهير لهذا النوع من الصحافة، ويقول ان المشكلة مشكلة مجتمع، وكيفية تعامله مع الإعلام الديني، في ظل عشرات المغريات من فضائيات تعرض كليبات ومسلسلات درامية وأفلام. ويري مجاهد خلف أن أهم أسباب بعد الناس عن الصحافة الدينية هو انغماس هذه الصحف أو الصفحات في التراث من دون توضيح للقراء، وأن معظمها تأتي بنصوص جامدة من التراث من دون شرحها، مع أهمية هذا الجانب، لكن بعد توضيحه وشرحه، مع أنه يري أن علي هذه الصفحات مسئولية كبيرة لأنها تتحمل عبء التواصل الأكبر، مشيرا الي أن القارئ يحتاج إلي من يتواصل مع مشاكله وهمومه وشرح حكم الدين فيها من منظور ديني، كما أن الشباب يعاني البطالة ويحتاج إلي حلول لمشاكله، والعبء علي الصحف الدينية كبير في إظهار المشاكل وحلها. آفة التكرار الدكتور صفوت العالم الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة يري أن الصحافة الدينية لم تتطور بالشكل الكافي الذي يسمح لها أن تتواصل مع الجمهور، مشيرا إلي أن ما تقدمه في رمضان هذا العام هو نفسه الذي قدمته في رمضان الماضي والذي سبقه، ويقول «افتح الصفحات الدينية في رمضان في كل الجرائد ستجد فيها الآتي: موضوعات عن أحكام الصيام، أو سير لعلماء أو صحابة للرسول أو موضوعات عن الأحداث الرمضانية الشهيرة مثل غزوة بدر، أو ليلة القدر، أو رؤية هلال رمضان، وشوال بالضرورة، واستكتابا لعدد من الكتاب ذوي الاتجاهات الإسلامية، أو شيوخ الأزهر وعلماء الدين أو صحفيين متخصصين، وقد تجد زاوية فيها ذكريات رمضانية بأقلام شخصيات إعلامية شهيرة، أو استقطاع أجزاء من كتاب التراث والسيرة والفقه وعادة ما تتسم بالتكرار من عام لعام، ومن صحيفة لصحيفة، ويضيف «ولو لاحظنا صفحات الأعوام الماضية سنجدها هي نفس صفحات هذا العام من دون ابتكار». يلفت العالم إلي نقطة مهمة، وهي أن الصفحات الدينية في رمضان غالبا ما يصاحبها نوع من التمويل وهو متعلق بالفوازير والمسابقات الرمضانية الشهيرة التي تقيمها كل الصحف بثلاثين سؤالا علي مدار ثلاثين يوما ويملأ نصف الصفحة الدينية بسؤال ديني عن آية قرآنية أو حدث ديني في سطر وبقية نصف الصفحة به إعلانات رعاة المسابقة والمعلنين في مربعات صغيرة، أو في نصف صفحة كاملة والذين قد يصلون إلي ثلاثين معلنا، وربما تكون هي المرة الوحيدة في العام التي توجد فيها إعلانات في الصفحة الدينية، مقابل جوائز نقدية أو رحلات حج وعمرة. الأمر لا يزيد عن ذلك في رأي الدكتور صفوت العالم، ويضيف: فصفحة الأهرام تقريبا تقدم نفس ما كانت تقدمه من ثلاثين عاما، نفس سؤال المسابقة الدينية ونفس نصف الصفحة الخاصة بالإعلانات، ورغم أن الصحف الخاصة عادة لا تقدم صفحات دينية في أيامها العادية، القومية فقط تفعل هذا كل جمعة، إلا أنها تتسابق في رمضان علي هذا، فجريدة «البديل» تقدم ثلاث صفحات، وجريدة «المصري اليوم» تقدم أربع صفحات تحاول أن تدمج فيها بين الدين والفن والذكريات الخاصة، كما تقدم «الأهرام» و«الأخبار» و«الجمهورية» و«روزاليوسف» ما بين صفحتين إلي أربع صفحات يومية مع محاولات جلب الإعلانات. ويعتقد الدكتور العالم أن الصحافة الدينية في مصر تعاني الجمود والثبات، وهذا سبب انفضاض المعلنين عنها، وانفصالها عن مشاكل المجتمع، واستنادها إلي ما كان يحدث منذ خمسة عشر قرنا من دون محاولة تطبيق هذا علي أرض الواقع أو علاج أمراض العصر الراهن. مشكلة عربية وليست مصرية بينما يقول الكاتب البحريني المتخصص في الشئون الإسلامية "نادر المتروك" في المجلس الرمضاني لأحد الأصدقاء، تناول أحد الشباب موضوعا نشره المفكر المصري المعروف حسن حنفي في صحيفة "الاتحاد" الإماراتية ، وفي هذا المقال استنكر حنفي ظاهرة احتجاب الصفحات الثقافية من الصحف العربية في شهر رمضان، وذلك لصالح صفحات"دينية" رمضانية، تقوم علي نشر المواد الرمضانية التقليدية التي تتشابك مع دمغات تتكرّر كل عام حول صور المآذن، وتوقيت الإفطار والإمساكية، والأحاديث المنبرية عن ركنية شهر رمضان، وما يلحق ذلك من فتاوي رمضانية، وأحاديث عن التراويح والاعتكاف وقراءة القرآن. ويبدو من هذا النقل أن حنفي كان مستاءً من تحويل الدين إلي مناسبات زمانية مؤقتة، وهو الذي يراه قيمة حضارية لتحرير الروح والشعوب. قد تداعي النقاش في المجلس إلي أمور كثيرة تتعلق بواقع الصحافة الدينية في البحرين، وتداول الحضور كثيرا من النقاط التي تستحق البحث والنظر، حيث ما زال النقاش جارياً بشأن ممكنات الصحافة الدينية والصفحات الدينية وما تحيل عليه من أقلام دينية جادة. كان من أهم الأسئلة التي أثارها النقاش: منْ الذي يدير الصفحات الدينية؟ هل هم الدينيون أم تلك المجموعة التي كانت نتاج مرحلة التشوه الديني العارم في البحرين؟ لماذا لا توجد صحافة دينية مستقلة؟ هل هي أزمة كتّاب ومفكرين دينيين؟ ولماذا لا تُبت النشرات الدينية الصادرة هنا وهناك جدّيتها وتكتفي فقط بالنمط التقليدي في نقل الخطاب المنبري، وتحويل النشرات إلي كليشهات دعائية أكثر منها منابر للفكر والثقافة الدينية؟ تبدأ المشكلة في رأيي، عند قضية تحديد مفهوم الصحافة الدينية، وأهدافها، والمتطلبات التي ينبغي أن تؤديها أو يطلب منها ذلك. ومن الواضح أن هناك لبساً في هذا المفهوم، أو فهماً غير متفق عليه. فهناك منْ ينظر إلي الصحافة الدينية علي أنها منابر للدعوة إلي الإسلام ولدحض مخالفيه والمناوئين إليه. وفي هذا المفهوم، تطرأ مشكلة تحديد النموذج الإسلامي المعتمد، وطبيعة المخالفة والمناوأة التي يراد دحضها ومواجهتها، وذلك بالنظر إلي تعدد الاجتهادات الإسلامية التي لا تدع مجالاً لإنهاء هذه المسألة بإجماع حقيقي. ولاشك أن التنميط الذي تواجهه الصحافة الدينية في شهر رمضان، يوضح جانباً آخر من الموضوع، إذ إن ثمة استمراراً للتوظيف الاستهلاكي للدين، والذي يشتغل وفقاً لمنطق المواسم والمناسبات، من غير أن يطرح الدين بوصفه رسالة إنسانية تحمل العقيدة والحضارة وبناء الكون، ولاشك أن التشبث بالفهم الاستهلاكي للدين يعني إنتاج مواد استهلاكية باسم الدين، وتحجيم الأبعاد الحضارية والتنموية له، وهو كما يبدو ما أبدي حسن حنفي انزعاجه منه. كلمة النهاية علي الرغم من قلة الدراسات التي تعرضت إلي تقييم الدور الإسلامي للصحافة الدينية إلا أنه يمكن القول إن هذا الدور لم تبرز معالمه إلي الواقع المعاش، سواء بالنسبة للصحف العامة أو المتخصصة، ولذلك فلم تستثمر المطبوعات الصحفية الصحوة الدينية لدي شبابنا استثماراً سليماً، ولم توجه الاستعداد الديني الكبير لديهم نحو الفكر الديني السليم الذي يحفظهم من الانحراف والبلبلة، وتخرجهم من دائرة الفراغ الديني وتحصنهم ضد أفكار تبدو في ظاهرها من الدين وهي في الحقيقة ليست من الدين في شيء. وبهذا الإهمال المتعمد ساهم الإعلام الإسلامي وفي مقدمته الصحافة الدينية في ظهور إشكالية جديدة فرضت نفسها بقوة في ظل هيمنة الإعلام الأجنبي الوافد إلي الوطن العربي، وما يروج له من أفكار ومعتقدات هدامة، وهي إشكالية (ضعف تأثير الصحافة الدينية الوطنية). يبقي أن نقول إن مشكلة الصحافة الدينية الرئيسية في مصر هي غياب التمويل والدعم المالي كما يقول سالم، ويضيف «ولذلك نجد أن كل الصحف الدينية تصدر من مؤسسات قومية، وجميعها تخسر، ولهذا السبب تنفض المؤسسات الصحفية الخاصة يدها منها»، مشيرا إلي أنه كلما ارتفعت نسبة المبيعات ارتفعت نسبة الخسارة، بسبب ارتفاع أسعار الورق وتكاليف الطباعة، موضحا أن الإعلانات تتجه إلي الصحف الفنية والرياضية لأن معظم هذه الإعلانات تستهدف جمهورا يبحث عن أدوات التجميل، وصبغات الشعر. ويؤكد سالم أن الصحافة الدينية في مصر مظلومة، مستشهدا بالحديث لشريف «القابض علي دينه كالقابض علي الجمر».