في موسم الهجوم علي ثورة يوليو من كل عام، كنت أتخيل في يوليو 2011 أن تتغير اللهجة الحادة والرذيلة علي الرئيس عبد الناصر بعد أحداث ثورة يناير التي كشفت هذا الحجم البشع من الفساد والإفساد وخراب الذمم في عصور تلت عصر ناصر، وما رأيناه رؤي العين علي شاشات التليفزيون في مقار أجهزة أمن الدولة أمرا مفزعا .. غرف للاعتقال والتعذيب وامتهان كرامة الإنسان المصري تحت باطن الأرض، والأهم من ذلك لا وجود لإنجازات ضخمة وحقيقية علي الأرض، بل إجهاز علي أهم إنجازات يوليو، ويحدث هذا رغم حالة الاستقرار المميتة التي صدع بها أدمغتنا أشاوس العصر المباركي بعبارة مهينة " يكفيكم تجنيب مبارك البلاد الدخول في حروب "، ولا يدركون ذلك الثمن المخزي الذي أوصل البلاد إلي حالة الانبطاح الكامل لرغبات القوي الأعظم في العالم .. اتفاقيات للغاز والكويز وفرض إطارات للتعامل الدولي تنال من استقلال الإرادة المصرية! معلقات الهجوم أصحاب مُعلقات الهجوم علي ثورة يوليو حتي بعد ثورة يناير، لم تذهلهم توجيه اتهامات بشعة ومذهلة لحكومات مبارك المتعاقبة بالفساد والقمع وقتل الناس مادياً ومعنوياً علي أساس الهوية الأيديولوجية والفكرية والدينية (رئيس البلاد ورئيس حكومته ومجموعة هائلة من الوزراء، وأمين عام الحزب الحاكم ومجلس الشوري، ورئيس مجلس الشعب ورئيس ديوان الرئاسة وعائلة الرئيس ..) منهم من تم الحكم عليه ومنهم من ينتظر، والجميع خلف القضبان .. أقول لم تذهلهم هذه الحالة من التردي غير المسبوقة؟! كاتبة تمجد الملك فاروق كاتبة تمجد الملك فاروق، وتهيل التراب علي ثورة يناير وتقلل من روعتها، وهي في الأصل لاتعترف بثورة يوليو وقادتها، فهي من وجهة نظرها لم تكن بثورة يمكن الإقرار بوجودها في تاريخ البلاد! إلي تلك الكاتبة التي لم يستقبل جهازالاستقبال السياسي والوطني لديها ما كشفت عنه الأيام الينايرية المجيدة، أُحيلها للعودة إلي أوراق يوليو عند جرد القصور الملكية عقب قيام الثورة، ولا أتوقف في محاضرها عند مفروشات وأثاثات وتحف ومقتنيات ملكية لا يمكن تقدير قيمتها المادية والفنية، فالأمر يفوق أي خيال، إنما فقط اُشير إلي أسرة ملكية كانت مشغولة وهي تنقل الحكم من خديوي وسلطان إلي ملك إلي ولي عهد، أن تُقيم القصور وتُخصص الأجنحة وممرات للتماثيل ومسارح للقصور وسفرة للحرملك .. قاعة بيزنطية .. مراقص بطرازات عالمية ..جناح بلجيكي لولي العهد صمم علي طراز الملك لويس الخامس عشر .. جناح للأميرات بطراز عصري .. معارض للميداليات والفضيات .. يحدث هذا في زمن كان يتنادي النخبة لإقامة مشروع لمحاربة الحفاء! وكاتبة أخري لا تري لناصر أي إنجازات، فهو لم يكن فقط الحاكم الديكتاتور الفرعون، بل هو السفاح الذي لن يذكر له التاريخ المصري من وجهة نظرها أي إنجاز سوي سجن قادة الفكر والمثقفين وإذلالهم ! كاتبة تعشق فيلم اللمبي لم تُفسر لنا الكاتبة (وهي التي أعلنت أنها تري في فيلم اللمبي النموذج العبقري للفيلم المصري، ولتذهب سينما صلاح أبوسيف وكمال الشيخ وحسين كمال ويوسف شاهين وشادي عبد السلام إلي الجحيم) .. أقول إن الكاتبة لم تُفسرلنا، لماذا أفرزت تلك الثورة هذه النخبة الرائعة من المفكرين والمبدعين وبأعمار مختلفة .. رؤساء تحرير في الثلاثين من أعمارهم يصدرون إصدارات تاريخية ناجحة (يوسف السباعي ومحمد التابعي وأحمد بهاء الدين وغيرهم كثيرون) .. كتاب سيناريو وسينما ومسرح، ونجوم إخراج وموسيقي وغناء قدموا في زمن الثورة بوجودهم المؤثر والتاريخي والوطني تجارب إبداعية رائعة لازلنا نعيش علي منتجاتهم المتفردة في الموهبة والمكانة الحرفية .. نظم تعليمية تضاهي درجتها في الجودة نظم التعليم العالمية (بشهادة د. زويل ود. مصطفي السيد ود. مجدي يعقوب وغيرهم يحدثوننا جميعاً عن تحصيل علوم في الجامعات المصرية أهلهم للتسابق والتنافس مع نظرائهم في بلاد الفرنجة ) .. وفي ظل الحكم المباركي يتم رفض مستوي الشهادات الجامعية وتخرج كل جامعاتنا من دوائر التنافس العالمية ! بينما كان لناصر وثورته كل يوم إنجاز في بدايات الثورة .. السد العالي، مصانع وصناعات ثقيلة وخفيفة ،وبناء مساكن للغلابة في كل ربوع مصر قائمة حتي الآن تساهم في حل مشاكل الأبناء والأحفاد بعد أن تولي الأمر القديس الشهير في العصر المباركي فتم تشييد عشرات المدن التي ادعو كذباً أنها لمحدودي الدخل ( وهو وصف تفرد به العصر المباركي في التعريف بالمساكين والمعوزين ) رغم ثمنها البعيد عن أحلام هؤلاء فهربوا مطرودين ليشيدوا عالماً خاصاً بهم حول تلك المدن بنفايات وبواقي بنايات الأكابر، فكانت تلك الكيانات العشوائية بمخالفة كل قوانين البناء بقوة فعل الفقر والحاجة ورفض الإنجاز التاريخي للقديس العبقري .. إنها العشوائيات التي لم تكن حاضرة بتلك البشاعة في زمن ناصر السفاح، فمن هو السفاح الذي سمح بتحويل قطاع عريض من الشعب إلي موتي يتم اعتبارهم أحياء فقط عندما يطاردونهم في أرزاقهم ويطردونهم من عشوائياتهم التي شيدوها بشق الأنفس! الرؤية القبطية أما أخوتي النخبة من الأقباط، فهم يرون أن الثورة كانت بداية المشهد الحزين لأقباط مصر لسبب بسيط ذهاب الرجل لدعم التعاون مع الدائرة العربية ورفعه شعار القومية العربية، ومع كل حدث يرون فيه لوناً من ألوان ممارسة التمييز والفرز علي حساب الهوية الدينية، يشيرون بأصابع الاتهام إلي ثورة عبد الناصر والتي يطلقون عليها حركة انقلاب قادها مجموعة من ضباط الجيش، فانقلاب ناصر ورجاله كما يرددون كان بداية لإعلان قرارات تمييزية. ورغم كل ما يذكره هؤلاء، فإن عهد جمال عبد الناصر قد شهد حالة من السلام الاجتماعي والإنساني بين المسلمين والمسيحيين، ولم يحدث في فترة حكمه أن أثيرت الفتن الطائفية بالكم أو الخطورة كما شهدنا في العصور التالية، ويصل غضب هؤلاء علي ناصر وثورته إلي حد قيام أقباط الخارج كل عام في ذكري قيام ثورة يوليو بالدعوة للإضراب، وأسعدني أن يصف قداسة البابا هذا التصرف في حينه بالتخريف وعدم الفهم. إلي كل هؤلاء أُذكرهم بخطاب ناصر وهو يفتتح مبني الكاتدرائية التي ساهمت حكومة الثورة بالمال في تشييدها بمسئولية القائد والزعيم في عهد القديس البابا كيرلس السادس وحضورجموع غفيرة داخل وخارج الكاتدرائية بالعباسية في 25من يونية عام 1968، قال الزعيم ولم يكن يكذب " إننا نعتقد أن السبيل الوحيد لتأمين الوحدة الوطنية هو المساواة وتكافؤ الفرص، فبهذا نستطيع أن نخلق الوطن القوي، والمواطنون جميعاً لا فرق بين مواطن وآخر، في المدارس أو الجامعة، ليس هناك تمييز بين مسلم ومسيحي، إنما يدخلون بحسب ترتيبهم في الدرجات، ولو دخلوا كلهم مسلمين أو كلهم مسيحيين.. وفي التعيينات في الحكومة بالدرجات والترقيات بالأقدمية دون تفرقة بين دين ودين لكيلا ندع فرصة للمتعصبين أن يتلاعبوا، ونحن كحكومة، وأنا كرئيس جمهورية مسئول عن كل واحد في هذه البلد مهما كانت ديانته أو أصله أو نسبه، ومسئوليتنا هذه أمام ربنا يوم الحساب". ولا تعليق لدي سوي " أن يكون علي هؤلاء ان يخجلوا بعد ما تكشف من أسرار عصور ما بعد ناصر؟!"