"لا تهمل إصلاح الشر مهما يكن صغيرا، فانه قد ينمو حتي يغمرك" مقولة عمرها مئات السنين للمفكر والفيلسوف الصيني كونفوشيوس، وقد عانت مصر ومازالت من شر كبير يسمي "الجهل" ، لذلك يبحث الكثيرون عن طوق نجاة يعبر بنا من هياج هذا الجهل متمثلا في حملات للتوعية بحفظ وحماية الآثار، واستكمالا لجهود كثيرين وامتدادا للحملة التي قام برعايتها المجلس الأعلي للآثار سابقا، ووزارة الآثار حاليا وهي حملة "المحافظة علي الآثار مسئوليتنا كلنا"، وتضامنا مع جهود الذين يقومون حاليا بعمل حملات توعية بين أهالي المناطق الأثرية وغيرها، ىُقدم هذا التحقيق أراء العديد من الأثريين وكذلك المتخصصين في المجال الفني الاعلاني بالاضافة لآراء العديد من الشباب باعتباره من أهم المستهدفين من الحملة. اقتراحات الشباب يري دكتور هشام ناجي (اخصائي علاج طبيعي) أن تقديم الحملة في صورة إعلانات تحتاج إلي تنوع في عرض الأمثلة، كعرض صور لآثار مشوهة بالفعل والتعليق علي مدي سلبيات الإساءة إلي الآثار، ويشير إلي وجوب التنويه علي منع إلقاء القمامة بجانب الأماكن الأثرية، إلا أن نرمين إمام (بكالوريوس تجارة) تجد أن في الحملات الإعلانية السابقة بالرغم من أن أسلوبها بسيط إلا انه يقنع ويؤثر في طبقة المثقفين ومن هم علي مستوي أخلاقي جيد، وتضيف أن أفكار المواد الإعلانية لتلك الحملات تحتاج إلي تعديل لشد انتباه المشاهد أكثر، وتري أن اغلب الشباب بداية يحتاج إلي توعية بقيمة الآثار حتي يهتم أن يحافظ عليه كمرحلة ثانية. ويضيف داني ناجي (ثانوية عامة) أن أهمية نشر الوعي بالآثار وحمايتها بين الطلبة في المدارس والجامعات لا تقل أهمية عن النشر لحملات التوعية في وسائل الإعلام المختلفة، وان الحملات الإعلانية تحتاج إلي استعراض الآثار بحضاراتها المختلفة والتركيز علي جمال ورقي الآثار مع استخدام التأثيرات الفنية المختلفة من موسيقي ولقطات متميزة للأثر، حتي تعطي انطباعا للمشاهد بمدي الجريمة التي يرتكبها في حق تراث بلده. آراء الأثريين يقول دكتور حمدان ربيع وكيل كلية الآثار جامعة الفيوم بشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة إن فكرة عمل وهدف الحملة التي قام برعايتها المجلس الأعلي للآثار وهي "المحافظة علي الآثار مسئوليتنا كلنا"، كانت جيدة جدا ومهمة للغاية حتي أنها كانت بالنسبة له تحفيزا قويا لتنفيذ خطة المشروع التي وضعها منذ عامين، لعمل حملة لنشر الوعي الاثري لمدارس الفيوم، وقد تم تنفيذ كتيبات وتوزيعها علي بعض المدارس، ومع تطوير الحملة يري انه من الأفضل أن يتم إذاعة الإعلانات عن حماية الآثار بكثافة، وان تذاع علي العديد من القنوات بالإضافة إلي التوعية بوسائل الإعلام الأخري المختلفة. ويوافقه الرأي دكتور احمد سعيد أستاذ الحضارة المصرية القديمة بكلية الآثار جامعة القاهرة ويقول إنه من الضروري بالنسبة للحملات التليفزيونية أن تذاع علي القنوات المحلية وإذاعتها علي الفضائيات أيضا، ويقترح بخصوص ذلك أن فكرة تقديم مثل هذه الحملات المهمة قبل بدء العرض بدور السينما لما تجمعه السينما من جمهور عريض من الشباب وغيرهم من مختلف الثقافات، وذلك لانتباههم الشديد في مشاهدة ما سيقدم بدور العرض المدفوع تذكرة لدخوله. ويقترح دكتور سعيد انه من الجيد مشاركة نجوم من المجتمع ليس فقط نجوم الدراما والغناء، إنما أيضا من أساتذة الجامعات والمثقفين، وأيضا مهم جدا حضور الدعاة بها وذلك لإجهاض الدعوة التي تدعو إلي تحريم وهدم الآثار والتي تظهر من حين لآخر، ويري انه من الأفضل أن يكون المشاركين بدافع التبرع للحملة وذلك لأهمية تكثيفها وتوسيعها. و يؤكد أستاذ عماد نسيم مدرس بمعهد الدراسات القبطية وموجه أول سابق التربية والتعليم علي أهمية التركيز علي توعية الأطفال في هذه الحملات، وذلك لضرورة تنشئة هذا الجيل علي وعي صادق بالآثار كقيمة وتراث، ويقترح تنفيذ عدد من الإعلانات التي تقدم فكرة مبسطة للأطفال حتي وان كانت في صورة كرتونية، وان تتضمن فكرة مبسطة وان كان من الممكن تقديم بها تصور خيالي، وان يحكي علي سبيل المثال قصة بطلها طفل يشاركه أحداثها شخصية من التاريخ بتصور خيالي، حتي تُقدم بالآثار المعلومة بطريقة تحبب الأطفال في التاريخ وشخصياته. ويدعو دكتور احمد أمين مدرس بقسم الآثار الإسلامية جامعة الفيوم لتطوير الحملة مشيرا إلي اهمية استغلال تواصل هذه التنويهات، مؤكدا لزوم التعريف بأهمية الآثار علي مر العصور مثل العصر القبطي واليوناني الروماني، وعدم حصر التنوية علي نموذج الآثار الإسلامية الذي مُثل في المشكاة والآثار المصرية الممُثلة في المعابد كما سبق وتم تقديمه في التنويهات السابقة. ويدعو لتخصيص ميزانية لحملات تخص طلبة المدارس والجامعات لان ذلك سيجعل النتيجة أفضل حيث انه أفضل وقت لتعليم الفرد قبل انشغاله بأمور الحياة الأخري بعد التخرج، وحيث ان هناك عددا كبيرا من المصريين لم يذهبوا إلي أماكن أثرية فيقترح أن تنظم رحلات إجبارية للطلبة لها، ويعلن عن إعداد مادة ستدرس لطلبة الجامعات وسيتم بدايته في جامعة الفيوم، وهي مادة ستدرس لكل الطلبة في كل التخصصات بالجامعة وتعد كمتطلب جامعي، وبالنسبة للإعلانات فيقترح أن يعاد توظيفها وان يشارك بها الطلبة والشباب مع الأخذ باعتبار أن هذا يؤدي إلي تقليل التكلفة وبالتالي من الممكن إطالة الوقت وهذا مهم للتفاعل، مضيفا أهمية توصيل الرسالة بعيدا عن النقد المباشر لتكون الاستجابة أكثر فاعلية. ابتكارات المخرجين المخرج إيساف إسماعيل يبدي سعادته بالحملة الإعلانية السابقة للتوعية بالحفاظ علي الآثار التي قام بها المجلس الأعلي للآثار، ويصفه بأنه عمل قيم يعمل علي التوعية بقيمة الآثار في بلدنا، وبمشاركة قيمة فنية مثل الفنان الكبير عمر الشريف، ويري أن اختيار شباب من الفنانين سيضيف أيضا لهذه الحملات الإعلانية، حيث انها بطبيعتها تخاطب الشباب بشكل خاص، ويضيف انه من الجيد أن يتم إعداد مجموعة من الإعلانات لتوعية حقيقية يعبر عنها بصيغة افعل هذا ولا تفعل ذاك وتوضيح ايجابيات الصواب وسلبيات الخطأ، وان تنفذ بطريقة جذابة ومبسطة لتصل إلي جميع الفئات من المتفرجين. أما المخرج رفيق رسمي فيقول انه ليس بالحملات الصحفية أو الإعلانية فقط يتم صقل المواطن أو تنمية الوعي، لأنه لابد من اكتمال دائرة الوعي سواء عن طريق التعليم في جميع المراحل المختلفة أو عن طريق التربية الدينية وجميع وسائل التنشئة الأخري، وهذا الالتزام والحفاظ علي التراث يكون من خلال التوعية الدينية خاصة في مجتمعنا الشرقي لما للدين من دور حيوي جدا، ويؤكد ضرورة زرع فكرة أن الاهتمام بالآثار ليس ضد الدين. وأخيرا يفيد المخرج رفيق بأنه لا يمكن علاج اي قضية بالإعلام وحده، فهو أداة مهمة ولكنها لا تستطيع أن تصل للنتيجة المطلوبة وحدها ولكن بتكامل جميع الوسائل لتحقيقه، فلابد أن تتكاتف جميع وسائل الإعلام الأخري كالإذاعة والتليفزيون والصحافة، ولابد أن تتعدد وتتنوع الرسالة الإعلانية لكي تصل إلي فئات متنوعة عمريا وثقافيا واقتصاديا، فليست الرسالة الواحدة يكون لها نفس التأثير في الفئات المختلفة والمتعددة بين أنواع الشباب خصوصا، فهناك مثلا عدد من الناس يستمع للراديو أكثر من التليفزيون لان اغلب وقته خارج المنزل مثل سائقي التاكسي والميكروباصات، ويجب أن يتم ابتكار وسائل أخري مبدعة للتأثير علي الفئات المختلفة مثل صناعة الاغاني. الدور النفسي للتعليم والإعلام يري دكتور جميل صبحي استشاري أمراض نفسية وعصبية أن المشكلة الحقيقية تكمن في التعامل مع الطبقة تحت المتوسطة في مجتمعنا، والتي تعاني قهراً نفسياً وحقداً تجاه الطبقات الأعلي، نتيجة طبيعية للظروف الاجتماعية التي فرضت عليها من انعدام الكثير من الحقوق، ويعكس انطباعهم هذا في التخريب المباشر، ويضيف أنه في حالة الاهتمام بالآثار والوعي بها تكون المشكلة الأساسية عند هؤلاء هي في الجهل وانعدام النفع العائد عليهم، لذا فمن الضروري عند توصيل المعلومة إليهم في هذا الهدف لابد وان تعمل علي إقناعهم ذهنيا وفعليا بالعائد المادي والمعنوي لهم عند محافظتهم علي الآثار. ويضيف دكتور جميل أن علي التعليم دور كبير جدا في التوعية منذ الصغر، ويؤكد انه يقصد بالتوعية هنا ليس فقط الوعي بالآثار ولكن أيضا التوعية بالفن عموما، ولان الآثار هي نتاج فني بصور متنوعة لأجدادنا، فلابد من العناية الجيدة بحصص الفن في المدارس من موسيقي ورسم وغيرها، وذلك حتي يتعلم الطفل كيف يتذوق الفن وكيف يقدره فيستوعب بكل بساطة تعرفه علي الآثار ويعمل علي حماية هذا الفن التراثي العظيم، وبالتالي يكون الطفل قد تعلم جيدا تفريغ طاقاته فنيا وليس في العنف وغيره من الأفعال السلبية. ويؤيد دكتور جميل أستاذ عماد في الرأي في تقديم أفلام كارتون للأطفال تحمل قصصا بها خيال يجذب انتباه الأطفال، ويجد أن مثل هذه الأفلام تكون مؤثرة جدا في توصيل الهدف وتجعلهم متعلقين بشخصيات من التاريخ، ومن ثم يتوقون للبحث للتعرف أكثر عليها، وبالتالي يتوجهون للبحث في الكتب أو علي شبكة الانترنت ومن هنا يكون اكتساب المعلومات برغبة شخصية من الطفل، ويفيد أيضا في أن يستبدلوا تعلقهم بشخصيات من الأفلام الأوروبية بشخصيات من تاريخنا.