دكتور عزيز الطبيب السكندري والجراح العالمي (1908 - 1991) ولد عزيز حبيب جرجس يعقوب المصري بمدينة القاهرة في 19 أغسطس 1908 من عائلة نازحة من مدينة أسنا، وكان يعقوب جده لأبيه يعمل في التجارة بين مصر والسودان فعندما، كان يدخل السودان كانوا يقولون "المصري وصل" ومن هنا جاء لقب المصري.. وكان جرجس جده يعمل مزارعاً باسنا، أما والده حبيب فقد درس بالقاهرة وعمل بالحكومة، وأخذ يترقي في وظائفه حتي وصل إلي درجة مدير عام في وزارة الصحة وكان يجيد اللغات الإنجليزية والفرنسية والعربية الفصحي إجادة تامة. ولقد تدرج عزيز في مراحل التعليم المختلفة حتي حصل علي بكالوريوس الطب والجراحة عام 1930م من القصر العيني. الوظائف التي تقلدها بعد تخرجه جاء الدكتور عزيز إلي الإسكندرية وعمل بمستشفي المواساة، لكنه فضل بعد ذلك أن يعمل حراً في مجال الجراحة، ففتتح عيادته الشهيرة بالإسكندرية بشارع سعد زغلول بمنطقة وسط البلد، وفي الوقت نفسه عمل مستشاراً للجراحة بمستشفيات المواساة والإيطالي والقبطي، وفي عام 1937م حصل علي زمالة كلية الجراحين الملكية بانجلترا F.R.C.S، حيث اجتاز امتحان أول قسم بالقاهرة، ثم بقية الامتحانات في لندن خلال سبعة شهور. ولذلك فهو في سجل الأطباء يعتبر من الأوائل بين المصريين الذين حصلوا علي هذه الزمالة. وكان الدكتور عزيز أول من أدخل علاج مرض دوالي الأرجل في مصر، فكان أن وجهت إليه دعوة من بروفسور جونسون عميد كلية الطب الملكية بلندن للاطلاع علي أحدث طرق علاج مرض السرطان وكان دائم السفر لانجلترا بين الحين والآخر للوقوف علي احدث أساليب وتقنيات العلاج، وكان له في انجلترا بعض الأصدقاء من الأطباء البريطانيين يرسلون له الدعوات لزيارة انجلترا للاطلاع ومتابعة أحدث البحوث الطبية. وفي أواخر الخمسينات وأوائل الستينات عندما غادر الأطباء الأجانب الإسكندرية كان من الضروري أن يقوم الدكتور عزيز بعملهم فأخذ يعالج العاملين في حوالي عشرين شركة بالإضافة إلي الهيئات الحكومية، كما انه كان جراحا للجاليات الأجنبية اليونانية والإيطالية والأمريكية وكل العاملين بالسلك الدبلوماسي بالإسكندرية، وفي عام 1942 عندما قامت الجمعية الملكية بمصاحبة الملك فاروق في رحلته للصيد بسيناء طُلب من الدكتور عزيز أن يرافق الرحلة بصفته جراح الملك، وقد بلغت شهرته أنحاء البلاد العربية فكانت عائلات أمراء وملوك البلاد العربية تحضر إليه لثقتهم الشديدة فيه حتي انه عندما أجري عملية جراحية لابن وزير المالية السعودي محمد سرور الصبان قام الوزير بإهدائه ساعة من سويسرا مكتوبا عليها اسم الوزير. وفي عام 1955 في العصر الذهبي للمجلس الملي اجتماعا برئاسة المتنيح الأب متي المسكين وكيل البطريركية في ذلك الوقت والمستشار فريد الفرعوني وكيل المجلس والأستاذ ألبرت برسوم سلامة سكرتير المجلس وذلك بتاريخ 18 يناير 1955 تم اختيار الدكتور عزيز عضواً في مجلس إدارة المستشفي القبطي حيث كانت المستشفي تابعة للبطريركية بالإسكندرية. إنسانية الطب كان الدكتور عزيز صاحب عقيدة ومبدأ؛ فكان يؤمن أن الطب ليس علماً ومهنة فقط إنما إنسانية بالدرجة الأولي، فالطبيب لابد أن يشعر بالمريض ويعيش آلامه. فقد حدث أن حضر اليه شخص مريض بالفتاء حتي انه عندما كان يجلس كان الفتاء يصل إلي الأرض وقد صرح له العديد من الأطباء أنه لا يوجد علاج لحالته، وعندما عرض حالته علي الدكتور عزيز أخذ يبحث في المجلات الأجنبية عن كيفية علاج هذه الحالة حتي عثر علي بحث لطبيب فرنسي توصل إلي علاج هذه الحالة علي ثلاث مراحل ونجحت العملية واستطاع المريض بعد ذلك أن يرتدي بنطلونا ويعيش حياته الطبيعية. ويذكر أيضا أنه كان له صديق كان سيجري لوالدته عملية جراحية دقيقة وخطيرة بلندن، وطلب من الدكتور عزيز أن يكون بجواره لثقته فيه وفعلا سافر دكتور عزيز معهم إلي لندن علي نفس الطائرة أيضاً وعلي نفقته الخاصة ومكث معهم أسبوعا حتي اجتازت والدة صديقه فترة العلاج وعاد بعدها لأرض مصر. وفي عام 1952 حدث أن كان له صديق ضابط في الجيش وقد قطعت ذراعه علي أثر حادث فطلب من الدكتور عزيز أن يكون بجواره ولا يتركه في محنته وفعلا سافر معه علي نفقته الخاصة علي الطائرة الحربية التي أقلته إلي المستشفي العسكري بالقاهرة وظل بجواره طوال فترة علاجه. ولقد كان كل الذين تعاملوا معه يعجبون جدا بإنسانيته وخدمته ومهارته وتواضعه وعلمه، لذلك كانوا يحرصون علي تسجيل مشاعرهم في خطابات عديدة أرسلوها إليه، فكتب له الأستاذ نصحي عوض المحاسب المشهور بالإسكندرية.. "وهبك الله مهارة في فنك وعطفا وحنانا في أعماق قلبك"، وفي عام 1961 سجل الأستاذ عوض عبد الشهيد بالإسكندرية رسالة رائعة جاء فيها "لقد حباك الله قلبا عامرا بالإيمان ووجها مشرقا بالابتسام ونفسا ممتلئة بالحنان"، وكتب له الأستاذ حسن محمد سليمان وكيل بريد العطارين بالإسكندرية "بمهارتكم الفائقة وبيدكم الشريفة ومشرطكم الطاهر أجريتم العملية وهأنا من ذلك اليوم حتي الآن وأنا أتمتع بكامل الصحة وتمام الراحة"، ومن الأستاذ لبيب محمود كامل وكيل تفتيش الزراعة بالفؤادية.. "أصبحت أسير خلقكم الكريم ومعاملتكم الرقيقة"، ومن أحد المرضي من الشام يدعي جبرائيل "حمدا لله الذي أتاح للبلاد جراحا بارعا ونطاسيا ماهرا مثلك يزيل الأوجاع والآلام ويبرئ من الأمراض والأسقام وهنيئا للبلاد بفنك العظيم وخلقك الكريم". وانطلاقاً من إنسانيته ومحبته، كانت له صداقة ومحبة وثيقة مع رجال الكنيسة ومنهم المتنيح الأب متي المسكين واستمرت هذه العلاقة تزداد بمرور الأيام والسنين؛ ففي أوائل السبعينات أرسل له القمص متي المسكين رسالة من دير القديس أنبا مقار يقول له فيها "اكتب إليك راجياً أن تصنع معروفا لأخي الراهب أشعياء وهو مهندس معماري ترهبن تحت مسئوليتي وأنا أحبه بالحق وقد ظهر له فتاء ونأمل ان تنال حالته مساعدة وترفق من أصابعك الجراحية الموهوبة إلهنا الصالح يذكر محبتك ويكافئك عني كل بركة". ولعضويته بجمعية مارمينا العجايبي للدراسات القبطية بالإسكندرية توطدت الصداقة بينه وبين الدكتور منير شكري رئيس الجمعية زهاء ثلاثين عاما بالإضافة إلي تجاور عيادتهما بمنطقة وسط البلد بالإسكندرية، وكان الدكتور منير شكري في كل مرة يذهب فيها لزيارة شقيقته بالإسكندرية لابد أن يعرج علي منزل الدكتور عزيز الذي كان يجاور منزل شقيقته، هذا بالإضافة إلي صداقته ومحبته ومودته مع الأستاذ فريد الفرعوني وكيل المجلس الملي الإسكندري والأستاذ ألبرت برسوم سلامة سكرتير المجلس والأستاذ عادل عازر بسطوروس عضو المجلس وعضو هيئة الأوقاف القبطية، كما كان صديقا حميما للمؤرخ المصري الأستاذ الدكتور عزيز سوريال عطية... وغيرهم الكثيرون. ثمار حياته في أسرته السعيدة تعرف الدكتور عزيز علي دورا حبيب المصري شقيقة المؤرخة الكنسية القديرة الأستاذة إيريس حبيب المصري بالإسكندرية، وفي عام 1948 تزوجا، ولقد أثمر الزواج عن طفلين أكبرهما رامز وأصغرهما ماهر، ولقد غرس الدكتور عزيز في أولاده حب البحث والدراسة والإقبال عليهما بالإضافة إلي الإيمان العميق والارتباط الشديد بالله ومحبته. ولقد حصل رامز علي بكالوريوس هندسة الآلات الحاسبة والتحكم الآلي عام 1972، ثم علي درجة الدكتوراة7 من جامعة استفانفورد الأمريكية. أما ماهر فقد حصل علي بكالوريوس الهندسة الميكانيكية عام 1973، ثم علي درجة الدكتوراة من جامعة MIT الأمريكية. في عام 1989 صدر للدكتور رامز كتابه الأول بالإنجليزية بعنوان "مقدمة في قاعدة البيانات" ولأهمية الكتاب تم تدريسه في حوالي 170 جامعة في العالم، ولقد استلم الدكتور عزيز رسالة بالبريد من نجله بها نسختان من الكتاب فسطر لنجله خطاباً رائعاً قال فيه "يا أبانا الذي في السماوات أسجد لك شكراً لأنك أطلت في عمري حتي رأيت وحملت في يدي باكورة مؤلفات رامز من الكتب العلمية. يا يسوع المسيح الرب أسجد لك شكراً بأنك أنعمت علي رامز بذلك الذكاء وطول الأناة والإصرار وهي الصفات اللازمة لإنجاز هذا العمل الرائع والضخم بكل المقاييس ولأنك سجلت اسمه والي الأبد في اكبر مكتبة في العالم مكتبة الكونجرس. أشكرك يا يسوع ساجداً لأنك باركت آلاف الساعات الطوال التي قضاها رامز أمام الكمبيوتر آخذاً الوحي منك يا يسوع ليصوغه علما.. لا تتركه وحيداً بل كن دائماً إلي جانبه مشجعاً وموحياً وفاتحاً آفاقاً عقلية متجددة باستمرار أمام رامز.. وقربه منك لان الحياة بدونك يا يسوع هي فارغة بلا طعم.. أتوسل إليك يا يسوع أن تسكن في داخله ولا تدع أي مكان مهما صغر لعدو البشرية إبليس الذي يسعي دائماً بسمومه المغلفة بالعسل لكي يهدم عشاً صغيراً أو يوقع بين المحبين".. هذه الكلمات إن دلت علي شيء إنما تدل علي عظمة كاتبها وقوة إيمانه وحبه الشديد لأولاده وغيرته القلبية علي التأكيد لحياتهم مع الله.